طفلة تضرب عن الطعام لتتعلم

27-05-2010

طفلة تضرب عن الطعام لتتعلم

في خيمة متواضعة مبنية بأنابيب الحديد والنايلون والخيش في مزرعة نائية بمدينة اللاذقية السورية تضرب طفلة (10 أعوام) عن الطعام بشكل متكرر يصل اليومين أحيانا لأنها تحلم بإكمال دراستها، في وقت تشهد فيه عائلات أخرى مشاحنات مستمرة لأن الأبناء لا يهتمون أصلا بالدراسة.تحرص سهام على الدراسة يوميا رغم عملها الطويل
 حال سهام التي غادرت مدينتها القامشلي برفقة عائلة من تسعة أفراد من بدو الجزيرة، حال أبناء عائلات كثيرة في المدينة ذاتها، يدفعهم جفاف ضرب أراضيهم إلى المغادرة بحثا عن أراض خصبة. 
 لكن سهام تختلف عن أقرانها الذين تعايشوا مع العمل بعيدا عن مقاعد دراستهم التي ألفوها، فهي لا تريد المدرسة هربا من العمل القاسي، بل حبا في العلم نفسه. 
 تلبي سهام رغبة والدها في العمل، فتقضي نهارها من السادسة فجرا حتى الثامنة مساء تعمل مع عائلتها بالزراعة في القطف والحصاد ورش الأدوية والمبيدات، ولا تصيب راحة سوى وقت الغداء.
 وتقول سهام التي أخرجها والدها من المدرسة "أستغل وقت الغداء عندما يتيسر لي لمراجعة ما تعلمته سابقا في المدرسة من خلال كتبي التي أحتفظ بها، إضافة إلى فترة ما بعد الثامنة مساء".
 ينص القانون السوري على إلزامية التعليم حتى الخامسة عشرة، ويقول مدير تربية اللاذقية علي ناصر إن نسبة التسرب المدرسي في المدينة في حده الأدنى مقارنة مع بقية المدن السورية.
 توافد البدو على المدينة تسبب في زيادة التسرب حسب رئيس شعبة التعليم الإلزامي باللاذقية حسان حسن "لأنهم يقيمون في المدينة في المواسم الزراعية لأشهر قليلة ثم يغادرون، وعندها لا نستطيع ملاحقتهم قضائيا لعدم استقرارهم وجهلنا بعناوينهم".  
 وحسب حسن يبلغ عدد المتسربين في اللاذقية في الحلقة الأولى من الصف الأول إلى السادس 1039 يمثلون نسبة 1%، ويزداد العدد في الحلقة الثانية من الصف السابع إلى التاسع ليبلغ 3975 يعادلون نسبة 6.6%، وتشير إحصاءات العام 2010 إلى تسرب 272 تلميذا.
 تتكرر جملة "بدي أتعلم" في إجابات سهام رغم هدوئها الملفت وقلة كلامها، لكنها لا تجد من يلبي رغبتها إلا دموعا تذكر أهلها بعشقها للتعلم، أما والدتها فتتمنى أن تستطيع ابنتها إكمال تعليمها "لكن المعيشة صعبة ووالدها يحتاجها لتعمل" كما تقول.
 ويرى الوالد جاسم أن ابنته مختلفة عن إخوتها فهي "تطمح غلى إكمال تعليمها، وذلك أثر عليها نفسيا ولم تعد على طبيعتها، حيث تضرب عن الطعام بشكل دائم وفي كل مرة أعدها بإعادتها إلى المدرسة". لكن سهام تستيقظ صباحا لتدرك أنه لم يكن جادا فتعزي نفسها بالقول "ربما في يوم آخر".
 هذا اليوم هو أيضا ما يأمله والدها عندما يتحسن وضعه ويستقر، ويؤكد "لا يوجد والد لا يتمنى أن ينجح ابنه دراسيا، لكن الوضع المادي سيئ والمدرسة بعيدة عن المزرعة التي نعمل فيها ولا توجد وسيلة نقل".
 ويشعر جاسم بالظلم عندما يعلم أن هناك من توافرت لهم سبل الدراسة ولا يأبهون لها.
 "نحن بدو قدمنا من القامشلي وقطعنا 800 كلم بحثا عن لقمة العيش.. بات من أولوياتنا تحصيل اللقمة وليس تعليم أولادنا" يقول جاسم الذي يبلغ متوسط دخل عائلته قرابة سبعة آلاف ليرة سورية (نحو 150 دولارا).
عندما كانت سهام في الصف الخامس بإحدى مدارس ريف اللاذقية لم تنعم بالسلام أيضا، فقد كانت كما تقول تضرب يوميا بالحجارة وتجرح لدرجة احتاجت معها دخول المستشفى، والسبب أنها بدوية كما بات ينعتها بعض الطلاب.
 شكا والدها الأمر إلى مدير المدرسة وعاقب الأخير المذنبين، لكن مأساة الطفلة استمرت دون أن يجعلها ذلك تفكر في ترك المدرسة، بل زادها ثباتا.
 رشا خير بك من جمعية المدى الأهلية في اللاذقية التي تعنى بحماية المتسربين، ترى خيارين فقط أمام سهام: إرسالها إلى ميتم لتكمل تعليمها، أو إعطاء والدها ألف ليرة شهريا ليؤمن المواصلات للمدرسة، "لكن لا يقع على عاتقنا تحسين وضعه المادي". 
 وفي انتظار ذلك لا تكتفي سهام بتدريس نفسها، بل تعلم أيضا طواعية إخوتها الصغار الذين أخرجوا بدورهم من المدرسة، ويبقى أملها الآن متعلقا بعائلة عملت في مزرعتهم سابقا وتتردد عليهم باستمرار، وقد وعدوها بأن تقيم عندهم لإرسالها إلى المدرسة. 


 نغم ناصر
المصدر: الجزيرة
 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...