شباب أمريكيون: لا تصدقوا ما تشاهدونه في بيفرلي هيلز

17-07-2007

شباب أمريكيون: لا تصدقوا ما تشاهدونه في بيفرلي هيلز

لو سألت عينة من الشباب العرب: هل ترغب في الهجرة الى الولايات المتحدة الأميركية؟ لرد كثيرون بالإيجاب، وبكثير من الحماسة والحسرة في آن، لأنهم يعتبرون ذلك حلماً صعب المنال! وإن سألتهم ثانية: كيف ترون حياة الشباب الأميركي؟ لربما سمعت إجابات متشابهة من قبيل: إنهم شباب محظوظون، أو هم شباب لا يعرف البطالة، لا يجد صعوبة في الزواج، ينعم بحرية مطلقة... أما المتشائمون من المستجوبين، فقد يردون بالقول: إنهم شباب غارق في المخدرات والجنس والجريمة.

صورة الأميركي في ذهن الشباب العربي تأتي إجمالاً من أفلام «هوليوود» وسلسلة «بيفرلي هيلز» وغيرها من «المنتجات الثقافية» الأميركية... فهل هذه الصورة على هذا الشكل تماماً؟ أم انها صورة «محرفة» بفعل التضليل الإعلامي ومقولة الغزو الثقافي؟

في عدد من الجامعات والنوادي الليلية والمقاهي، حيث يتردد الشباب الأميركيون، تقمصتُ شخصيات متناقضة لشباب عرب، وطرحت عشرات الأفكار والأسئلة التي يرددها الشباب العرب، لعلي أعثر على إجابات شافية، وأهتدي الى صورة أقرب للواقع عن حقيقة الشاب الأميركي، بعيداً من تلك الصور النمطية المرسومة في خيال معظم الشباب العرب من أمثالي، حول بلد لا نعرف عنه سوى ما نشاهده في أفلام هوليوود!

وبالمثل، طرحت الأسئلة ذاتها على شباب عرب ابتسم لهم الحظ للاستقرار في الولايات المتحدة، إما بفضل منح دراسية، أو عبر هجرة سرية، انتهت بتسوية الوضعية، أو حتى بفضل مسابقة «غرين كارد» التي تنظمها السفارات الأميركية في مختلف دول العالم، وتفتح فرصاً لشباب من مختلف بقاع العالم، للاستقرار في بلاد العم سام.

الأفلام السينمائية والموسيقى الجميلة كلها لم تكن مغرية لتؤنسني في رحلة الثماني ساعات على متن الخطوط الجوية الأميركية التي طارت بنا من مطار «شارل ديغول» الفرنسي الى مطار «ريغان» في واشنطن العاصمة. فقد خضت في نقاش جميل بلغة انكليزية متواضعة، لكنني أزعم انني نجحت في إيصال أفكاري للفتاتين جولي وباربرا الأميركيتين العائدتين لتوهما من زيارة لم تستغرق أكثر من ثلاثة أيام الى باريس، وصفتاها بالإنجاز، لأن الأميركيين لا يسافرون كثيراً.

وحينما حاولت تقديم نفسي، وبلدي، خيل إلي لحظتها انني ربما جئت من كوكب آخر، فالفتاتان اللتان تدرسان في ثانوية أميركية في بوسطن جزمتا بأنهما لم تسمعا في حياتهما عن بلد اسمه الجزائر، ولا حتى عن قارة اسمها أفريقيا! لكنني حمدت الله لأنهما في النهاية لا يعرفان من أوروبا، غير باريس التي عادا منها للتو، فما بال الدول العربية، التي يعرفان منها مصر التي لا تعني لهما إلا أنها بلد الأهرامات، إحدى عجائب الكون السبع، والعراق الذي لم يكونا ليسمعا به لولا ما جلبه إليهم رئيسهم جورج بوش من مآس!

وأنا على تلك الحال، غارق في حيرتي، لا يمكنني أن أصف السعادة الغامرة التي امتلكت الشابتين حينما أعلنت المضيفة عبر مكبر الصوت عن موعد تقديم وجبة الغداء! لا أذكر في حياتي انني رأيت شخصاً يطير فرحاً لموعد الأكل. الطريف، أن وزن باربرا الزائد لا يشعرها بأي حرج، بل إن كل أملها أن تعيش وتسعد! وحينما حاولت عبثاً أن أعيدها الى نقاشنا حول جهل الأميركيين للجغرافيا، اختصرت الكلام في عبارات قليلة، ثم استأذنت لتركز على وجبة الأكل، قائلة: «أنا نفسي مندهشة أنكم أنتم العرب تجيدون الحديث بالعربية والفرنسية والإنكليزية، أما نحن الأميركيون فنكتفي بالإنكليزية لأنها اللغة الأولى في العالم، ولا نأبه كثيراً للجغرافيا، فأنا حتى لم أزر الولايات الأميركية الـ52، فكيف لي أن أفكر في زيارة عالم آخر...؟». وتابعت تقول: «لا تعجب كثيراً، فنحن الأميركيون لا يهمنا أكثر من أن نعيش بسلام وسعادة داخل بلدنا فقط»... Have Funny كما يقول الأميركيون.

توقفت باربرا عن الكلام, واستأذنت لتستكمل سعادتها بالأكل، وبين الحين والآخر كانت وصديقتها تحملقان في الحروف العربية التي أكتبها، وترددان عبارة، يحلو للأميركيين قولها كلما أثار إعجابهم شيء معين، فيهمسون لك «واو»! أما أنا، فكنت قد بدأت أشعر بسعادة أخرى، لاكتشاف أول أسرار وخصائص هذا البلد، وأحرص على أن أدون في دفتري أولى مشاهداتي وذكرياتي عن أميركا: شعب لا يسافر كثيراً، يعشق الأكل ويعاني من البدانة! أيعقل أن يكون ذلك صحيحاً؟

طويت أوراقي مبتسماً، علّ الأيام تحمل اليقين، أو تفاجئني بما هو أدهى.

كانت كايتلاند، ابنة مدينة كارولينا الشمالية (21 سنة) أحب الشباب الأميركيين الى نفسي، ليس فقط بسبب خفة روحها، وإنما أيضاً بفضل حبها الشديد للعمل التطوعي وحرصها على تغيير الصورة النمطية التي نمتلكها نحن العرب عن الشباب الأميركي.

اندهشت كايتلاند كثيراً وهي تسمع مني شرحاً عن الصورة النمطية التي تسوقها أفلام هوليوود عن الشباب الأميركي، والتي مفادها انه شباب يمتلك الحرية لفعل ما يشاء، يعشق الجنس والمخدرات، ولا يضطر للعمل لضمان مصروف جيبه، ويجد تحت تصرفه ما يشاء من دون عناء.

وحينما سردت تلك الأفكار، ضحكت كايتلاند كثيراً، وعلقت قائلة: «لا تصدقوا كل ما تشاهدونه في الأفلام». وفهمت منها ومن صديقتها وشباب أميركيين آخرين أن «الشغل» أو «الوظيفة» معضلة في أميركا أيضاً! ليس لأن الأميركيين لا يعثرون على عمل بسهولة، بل لأن الشباب الأميركي، وبخاصة الطلاب، يدخلون الحياة العملية منذ سن 15 أو 16 سنة، وهم يعملون طبعاً بصفة غير قانونية، لكنهم يصرّون على العمل من أجل دفع تكاليف الدراسة، كما تقول كايتلاند: «في أميركا كل شيء بمقابل، والدراسة مكلفة جداً، ولذلك فإن الطلاب يصرّون على العمل في موازاة دراستهم لأجل ضمان تغطية النفقات الدراسية، لا سيما أن معظم الطلاب يقيمون في المساكن الطلابية لأنهم يبحثون عن الاستقلالية في سن مبكرة».

وبالفعل، صادفت في زيارتي الكثير من الشباب الأميركيين الذين يعملون خصوصاً في المراكز التجارية الضخمة، في موازاة دراستهم.

أما أهم مشكلات الشباب الأميركي، بحسب محدثتي، فتكمن في الإجهاض، ذلك أن الكثير من الشباب يغرقون مبكراً في علاقات حب ويبحثون عن الاستقرار مبكراً مع الصديق أو الصديقة، أو ما يسمى بـ «Boy Friend» أو «Girl Friend». ولكن عادة ما تنتهي تلك العلاقات بالافتراق، بعد أن تكون الفتاة قد حملت، فترغب تحت ضغط الأسرة أو الشاب على محاولة التخلص منه، على رغم أن القوانين تمنع ذلك.

وتعد مشكلة الإجهاض بحق معضلة تواجهها الحكومة الأميركية التي تحاول نشر التدين في صفوف الشباب، وتشجيعهم على الزواج، لكن حتى ذلك لم يجد، لأن أكثر الزيجات تنتهي بالافتراق عادة.

على الجانب الآخر، لم تكن المقاهي والمطاعم وحتى النوادي الليلية ونوادي الرقص تخلو من الشباب العرب. ويبدو المصريون أكثر استقراراً في الولايات المتحدة الأميركية، الى جانب المغاربة وقلة من الجزائريين.

وتقول كريمة، شابة مغربية تعمل في فندق في مدينة بورتلاند، إنها هاجرت منذ 7 سنوات الى الولايات المتحدة، وعلى رغم كل المحن التي عاشتها في الغربة، لا تبدي ندماً على الهجرة، وتقول: «كي تنجح هنا، لا بد من أن تكون ذكياً وتبذل أضعاف الجهد الذي يبذله أي مواطن أميركي لتضمن البقاء والنجاح هنا».

أما أحمد، مواطن سعودي، فيعيش مع عائلة أميركية، بعد أن حصل على منحة من بلاده لدراسة اللغة الإنكليزية. «في البداية طبعاً سمعت أفكاراً غريبة عن رؤية الأميركي للسعودي والشباب العربي عموماً، لكن مع الوقت حينما تثبت كفاءتك تعامل باحترام»، مضيفاً: «أعيش مع العائلة الأميركية وأطبق تعاليم ديني الإسلامي في شكل عادي، من دون أدنى حرج لأن المهم هو معاملتك للآخرين».

وبعد 21 يوماً جلت فيها عبر العاصمة واشنطن، ومدينة راليه في كارولينا الشمالية، ومدينة بورتلاند في ولاية أوريغون، لمست لدى بعض الشباب العرب ممن التقيتهم شوقاً وحنيناً للوطن، لكنني لم أسمع منهم ندماً على الهجرة، واعترفوا أن أميركا منحتهم فرصة العيش والنجاح في شكل أفضل، شرط أن تعمل بجد، وأضعاف ما يقوم به العامل الأميركي لتفرض نفسك في المجتمع.

وربما أمكنني الجزم بأن على رغم «العداء» الذي يناصبه الكثير من العرب والمسلمين للولايات المتحدة، بفعل سياسات إدارتها في العراق وفلسطين وغيرها، قد يكون من باب المصارحة القول إن الكثير من العرب، وبخاصة الشباب منهم، لم يتخلوا عن أحلامهم بالهجرة الى أوروبا بحثاً عن ملاذ أفضل، أما الوصول الى أميركا، فيبدو أشبه بحلم المنام بالنسبة الى الشباب العرب، بسبب تعقيد إجراءات الدخول، خصوصاً بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001.

إسماعيل طلاي

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...