هيلاري في الحفرة

04-12-2013

هيلاري في الحفرة

الجمل ـ *روبرت نايمن  عضو مجلس إدارة موقع "سياسة خارجية فقط". ـ ترجمة عبد الحميد متين:
لاحظ الجميع التزام وزيرة الخارجية السابقة و المرشحة المحتملة للرئاسة عام 2016 عن الحزب الديمقراطي "هيلاري كلنتون" الصمت حول الاتفاق النووي الإيراني الذي تمّ التفاوض فيه من قِبل الرئيس أوباما و وزير الخارجية كيري. أين تقف هيلاري الآن يا ترى؟ إلى متى ستستمر بالتملّص من الإجابة؟ و إلى متى سيستمر الرئيس السابق بيل كلنتون بالتملّص أيضاً؟
ليس الأمر أنّ عائلة كلنتون قد اعتزلت الشؤون العامة بشكل عام أو السياسة الخارجية الأمريكية بشكل خاص, بتاتاً.
فبالنسبة لهيلاري, كشفت صحيفة ذا هيل إلحاح هيلاري على الكونغرس –في الشهر الأول من هذا العام– عدم قطع المساعدات الأمريكية المقدمة إلى الحكومة الأفغانية بعد إنسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان. و في مطلع أيلول الفائت صرّحت هيلاري بدعمها لجهود الرئيس أوباما للحصول على تصريح من الكونغرس لضرب سوريا. ثمّ رحّبت بالعرض الروسي بأن تضع سوريا أسلحتها الكيماوية تحت الرقابة الدولية.
و كذلك الأمر بالنسبة لزوجها بيل, الذي لم يكن خجولاً في مشاركتنا آرائه المتعلقة بالشؤون العامة. فمنذ عدة أسابيع فقط, أخبر بيل أحد الصحافيين بأنه يجب على إدارة أوباما "أن تحترم التعهد الذي أطلقته الحكومة الاتحادية" و أن يسمح للناس بالحفاظ على بوليصات التأمين التي يملكونها, حتى ولو لم تكن هذه البوليصات تتلاءم مع معايير قانون الرعاية المُيَسَّر. و إن أردنا أن نشهّر به, يكفي أن نذكّر بيل بمساندته اللامحدودة لإدارة بوش في حملتها للحرب على العراق. 
لقد حاول وكلاء هيلاري الدفاع عن التزامها الصمت حول الاتفاق النووي, و لكن إن كنتي تساندين الاتفاق و تؤيّدين التوجّه الجديد للسياسة الخارجية الأمريكية من الحرب إلى الدبلوماسية, فإن الحجج التي يسوقها وكلاؤك تدعو إلى القلق أكثر مما تبعث على الطمأنينة. 
جاء في مقال لصحيفة بوليتيكيو "ما يدور في عقول حلفاء كلنتون, بأنه يجب أن يكون موقفها واضحاً: هي تدعم الجهود الدبلوماسية... و لكنّها أيضاً لم تُتعب نفسها لتقول إنّ المهمة انتهت". هذا كلام لا وزن له, حيث أنه ما من شخص يصرّح بأنّ المهمة انتهت, و لم يُطلَب من أحد أن يُصرّح بذلك. و من ناحية أخرى, الاتفاق هو اتفاق مؤقت و المفروض أنه سيمهّد السبيل لاتفاق أشمل؛ كما هو معروف فإنّ أكبر الناقدين الكَلمَنجيين[ ] لاتفاقٍ ما, هم المعارضين أنفسهم لأيّ اتفاق ممكن على الإطلاق. فإذا كانت هيلاري تدعم الجهود الدبلوماسية, فلم لا تقول ذلك؟ ناهيك عن أنّ موقفها لم يكن واضحاً عندما كان الأمر يتعلق بسوريا. فلماذا عليها أن توضح موقفها حين يتعلق الأمر بإيران؟
تخبرنا صحيفة بوليتيكو "لدى كلنتون مخاوف مستمرة حول أمّةٍ لم تصنع الكثير من الخير في الماضي و لكنها تقوم بذلك في هذا الوقت". ماذا الذي تعنيه هيلاري حقاً بهذا الكلام؟ قالت إدارة أوباما بأنها ستراقب و عن كثب امتثال إيران للاتفاق المؤقت, و في حال عدم التزام إيران بالاتفاق عندها سيتم زيادة العقوبات على إيران. هل تقول هيلاري بأنها لا تثق بإدارة أوباما لمراقبة امتثال إيران عن كثب, أم أنها لا تثق في مقدرة إدارة أوباما على زيادة العقوبات في حال عدم التزام إيران؟ إن لم تقل لا هذا ولا ذاك, فما هو بالضبط الذي تريد هيلاري قوله؟
تخبرنا أيضاً صحيفة بوليتيكو "إنّ كلنتون قلقة من حقيقة أنّ الصفقة لم تلحظ دعم إيران للإرهاب, و هي حقيقة اعتاد ناقدوا الاتفاق على استخدامها, و لم تلحظ أيضاً تورّط طهران في دعم نظام بشار الأسد في سوريا". إن هيلاري تعلم ذلك علم اليقين بأنّه ما من فائدة من الجدال في هذه النقطة. فالمحادثات متعددة الجوانب مع إيران التي أفضت إلى الاتفاق المؤقت لم يكن لها دخل أبداً بسوريا أو الإرهاب, بل كانت جهودها منصبّة نحو البرنامج الإيراني النووي فقط. و من سخرية القدر فإن من ينتقدون الاتفاق النووي الإيراني الآن هم أنفسهم من كانوا يدّعون بأن برنامج إيران النووي ضخم و تهديد جدّي للولايات المتحدة و حلفائها.
بعد ترديد هذه الحجج, تكشف بوليتيكو الغطاء عن السبب الحقيقي لالتزام هيلاري الصمت:
من الممكن لما تقوله هيلاري علناً أن يزعج بعضاً من داعميها من المحافظين الجدد الصعبي المراس الذين يعتقدون بأن الاتفاق سيء بالنسبة لاسرائيل.
يقول الباحث في شؤون الشرق الأوسط آرون ديفيد ميلر إنّ قيام هيلاري بعرض وجهة نظرها سيتم تفسيره غالباً بأنّها "انتقاديٌّة نوعاً ما لنهج إدارة أوباما". و هنا يأتي السؤال: لماذا يجب الافتراض أنّ هيلاري ستكون "انتقاديّة نوعاً ما لنهج إدارة أوباما"؟ و الجواب هو: لأنّ جمهور الناخبين الفعليين الذين تهتم بهم هيلاري هم داعميها من المحافظين الجدد "الذين يعتقدون بأن الاتفاق سيء بالنسبة لاسرائيل" و ليس الغالبية من الشعب الأمريكي الذين انتخبوا الرئيس باراك أوباما وفقاً لبرنامجه السياسي القائم على العمل الدبلوماسي مع إيران.
ما يزعج حقاً من التزام هيلاري الصمت هو أنّه يدعو أولاً للاعتقاد بأنّ "داعميها من المحافظين الجدد" ينوون إعادة الصراع من جديد حول السياسة الخارجية للولايات المتحدة الذي خسروه عندما حظي باراك أوباما –و ليس هيلاري– بأن يكون مرشح الحزب الديمقراطي عام 2008, وهو يدعو ثانياً للنظر إلى فوزها المحتمل بالانتخابات الرئاسية الأولية للحزب الديمقراطي عام 2016 بمثابة عودة هيمنة "المحافظين الجدد" على سياسة الحزب الديمقراطي المتعلقة بالشرق الأوسط, و كأنّ جو ليبرمان قد عاد.
عندما تخلّى الرئيس أوباما عن خطته لضرب سوريا, و اختار الاتفاق الدبلوماسي مع روسيا لتدمير الأسلحة الكيماوية السورية, فإنّه بذلك قد كشف عن حقيقة مهمة للغاية وهي أن الضربة الأمريكية لسوريا كانت مدعومة من قبل مجموعتين متمايزتين. المجموعة الأولى كانت تهتم بشكل جوهري بالتهديد الذي تشكله الأسلحة الكيماوية السورية. بينما المجموعة الأخرى كانت تريد من الولايات المتحدة أن تضرب سوريا بهدف تغيير موازين القوى في الحرب القائمة في سوريا كجزء من الصراع بالإنابة مع إيران, و هذه المجموعة وجدت أنّ الأسلحة الكيماوية هي عذر مناسب للتدخل العسكري الأمريكي المباشر. ابتهجت المجموعة الأولى جداً بالاتفاق الدبلوماسي لتدمير الأسلحة الكيماوية السورية. بينما المجموعة الثانية و التي تضم كلاً من الاسرائيليين و السعوديين فقد استشاطت غيظاً من الاتفاق الكيماوي.
لدينا الآن ديناميكية مشابهة. فقد ابتهج الذين يرغبون بمراقبة الأسلحة بشكل كبير بالاتفاق النووي الإيراني. بينما استشاط غيظ أولئك الذين لا يهتمون بالبرنامج النووي الإيراني بحد ذاته, فهم يرونه بمثابة عذر ملائم للاستمرار بلعبتهم الطويلة التي يحاولون بها هندسة مواجهة عسكرية ما بين الولايات المتحدة و إيران. عندما قام الرئيس أوباما و وزير الخارجية كيري بتحقيق الاتفاق المؤقت مع إيران إنما قاما بإزالة مسببات الحرب التي يستخدمها دعاة الحرب من على الطاولة.
لهذا السبب فإن داعمي هيلاري من المحافظين الجدد يتصببون عرقاً. هم لا يخافون من عدم نجاح الدبلوماسية مع إيران, بل على العكس تماماً هم يخافون من نجاح الدبلوماسية مع إيران.
لذلك من المهم جداً أن تقوم هيلاري بتوضيح موقفها الحقيقي من الاتفاق النووي. و السؤال الأساسي هو: في أي اتجاه ترغب هيلاري بقيادة أمريكا؟ و إذا ما ترشحت للرئاسة, فمن هو الطرف الذي سوف تجيبه: هل هو غالبية الشعب الأمريكي الذي يريد السلام, أم هم "داعميها  من المحافظين الجدد" التوّاقين إلى مزيدٍ من الحروب؟

*روبرت نايمن – عضو مجلس إدارة موقع "سياسة خارجية فقط".


الجمل   

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...