مستقبل المسألة الإيرانية من وجهة نظر تركية

06-07-2006

مستقبل المسألة الإيرانية من وجهة نظر تركية

أصدر مركز أبحاث السياسات الاقتصادية لتركيا (TEPAV)، الذي يدعمه اتحاد الغرف والبورصات التركية، ويعتبر من المنظمات المؤثرة في الساحة السياسية، تقريرا من 80 صفحة حمل عنوان مستقبل المسألة الإيرانية: السيناريوهات والتأثيرات الإقليمية ومقترحات على تركيا. وقد أعد التقرير أحد الباحين في المركز الدكتور نهاد علي أوزمان.
يقول التقرير إن الخلافات بين إيران والولايات المتحدة، التي بدأت بعد الثورة الإسلامية عام ,1979 اكتسبت بنقاشات الملف النووي بُعداً جديداً. وبرغم اتساع النقاشات حول القوة النووية لإيران، فإن أساس المشكلة هو الخلاف حول المصالح السياسية. فالولايات المتحدة ترى في إيران التهديد الأكبر لمصالحها الإقليمية، إذ تدعم إيران الإرهاب وتهدد إسرائيل وتشكل خطراً على أمن الطاقة العالمية. وإذ تسعى لامتلاك أسلحة دمار شامل فإنها تضاعف من هذه المخاطر وتريد ترسيخ أسس النظام. ومن أجل تلافي هذه الأخطار، تريد الولايات المتحدة تغيير النظام في إيران.
يمكن للعلاقات الإيرانية الأميركية أن تتطور بأشكال مختلفة ارتباطا بالأدوات التي تستخدمها الأطراف وبالتوقيت.
وبالوسيلة الدبلوماسية، تهدف الولايات المتحدة الى عزل إيران على الساحة الدولية. أما بالنسبة للقانون الدولي فإنها الوسيلة الشرعية الأهم في إمكانية استخدام أدوات مختلفة، وفي مقدمها القوة. وقد تستخدم الولايات المتحدة وسائل ضغط اقتصادية مالية من أجل الضغط على النظام الإيراني. كذلك، تريد الولايات المتحدة إثارة نقاش حول مشروعية النظام السياسي في إيران عبر استخدام أدوات سياسية نفسية متعددة، تحرّض الشعب على الاستياء والتذمر. وفي نهاية المطاف يمكن للولايات المتحدة أن تستخدم القوة العسكرية ضد إيران.
ويرى التقرير أن المسألة الإيرانية سوف تأخذ أشكالا أربعة هي: منح إيران ضمانات، امتلاك إيران سلاحا نوويا، تغيّر النظام فجأة وفقا لديناميات داخلية، وأخيرا تغيير النظام عن طريق التدخل العسكري.
وفي الحالة الأولى ستبقى المشكلة معلقة من دون ضمانات حل. في السيناريو الثاني سيبقى كل الأطراف مضطرين لقراءة جديدة لجيوبوليتيك المنطقة عبر إعادة النظر بتموضعاتهم السياسية. أما الخياران الأخيران، فيحملان في داخلهما عدم وضوح متعددا. والنقاشات التي تبدأ حول النظام في إيران قد تتحول الى نقاشات حول وحدة الأراضي الإيرانية.
في بدايات جميع هذه السيناريوهات تحتكر الولايات المتحدة تحديد مستوى التوتر السياسي والوسائل المستخدمة، وهي ستسعى لاستخدام الوسائل المختلفة بصورة متناسقة، وتدعم إحداها الأخرى. أما بالنسبة لإيران فإنها سترد على ذلك بأشكال مشابهة. لكن إذا أخذنا في الاعتبار التفاوت في القوة بين إيران وأميركا، فإن الردود الإيرانية ستكون غير مرئية.
وحول موقع تركيا من الخلاف الإيراني الأميركي، يشير التقرير الى أن تركيا جار لإيران وترتبط بها بعلاقات جغرافية وتاريخية وثقافية واقتصادية وسياسية. كذلك ترتبط تركيا بعلاقات على مستويات متعددة في مجالات مختلفة مع الولايات المتحدة. وأي توتر أو صدام بين إيران وأميركا سيؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على تركيا. والخاصية المعقدة للمسألة الإيرانية تجعل من غير الممكن التوصل الى حل لها في المدى القصير، ومن جولة واحدة. لهذه الأسباب فإن هذه المسألة بالنسبة لتركيا تأتي بمعنى الأزمة المستمرة.
تتمثل تأثيرات المسألة الإيرانية على تركيا في ثلاثة مجالات: اقتصادية وسياسية وأمنية. إذا تعمّقت الأزمة وصدر قرار دولي بعقوبات فإن تركيا ملزمة بالانسجام معه. لكن هذا الانسجام سيؤثر بأشكال مختلفة على قطاعات المواصلات والسياحة والتجارة الخارجية والطاقة. ويبدو قطاع الطاقة المجال الأكثر تأثرا، حيث سترتفع الأسعار العالمية، ولا يعرف مصير خط الأنابيب فضلاً عن عمليات تهريب النفط.
مجال آخر للتأثر هو السياسة الداخلية والخارجية. ان المسألة الإيرانية ستؤثر في أطر مختلفة في السياسة الداخلية، ولا سيما المسألة الكردية، وفي إعادة تحديد وتعريف أدوار اللاعبين في مرحلة الانقسام الإيديولوجي للرأي العام، واتخاذ القرار السياسي. المسألة الكردية، مع الأخذ في الاعتبار، التطورات في العراق، يمكن أن تتحول الى مسألة دائمة. كذلك ستؤثر المسألة الإيرانية على السياسة الخارجية لتركيا، ولا سيما على علاقات تركيا مع الولايات المتحدة وإسرائيل وأذربيجان وأرمينيا وروسيا والاتحاد الأوروبي والعراق.
وسوف يخلق الخلاف الإيراني الأميركي مشكلات أمنية متعددة من زاوية تركيا. ويمكن تعدادها في: الإرهاب، الهجرة الجماعية، التهريب، أمن الحدود، وقضايا عسكرية أخرى. ومع تقدم العملية سيكون على تركيا أن تختار بين إيران والولايات المتحدة. والاحتمال الكبير أن تقف تركيا الى جانب الولايات المتحدة. في هذه الحالة فإن إيران ستستخدم ضد تركيا، كما ضد الولايات المتحدة، من أجل إلحاق الأذى بهما، ورقة الإرهاب. وكما ستكون تركيا هدفا مباشرا للهجمات الإرهابية فإن أراضيها ستكون مساحة لتصفية حسابات إيرانية مع الولايات المتحدة، وستدعم إيران المنظمات الإرهابية ذات المحركات العرقية والدينية، أو تقوم بعمليات مباشرة تحت أشكال مخفية.
إن امتلاك إيران سلاحا نوويا يضع تركيا في حالة الإحساس بعدم الأمان، وقد يدفعها ذلك لمحاولات مشابهة. ثم ان موضوعات الأمن الحدودي وما شابه، ستضع على جدول الأعمال قضايا التشكيلات داخل القوات المسلحة التركية، وانتشارها الميداني.
للمسألة الإيرانية بالنسبة لتركيا خصوصيات متعددة. المسألة ممتلئة بالغموض وستبقى مدار الاهتمام لسنوات طويلة. ودور تركيا ومساهمتها في حل المسألة محدودان. ومع تفاقم الأزمة سيكون خيار تركيا أمام ازدواجية. والموضوع الإيراني على المدى الطويل قد يتحول الى قضية دائمة.
وفي هذه الحالة، على الحكومات التركية أن توجه اهتمامها وترتب استعداداتها لتخفيض كلفة انعكاسات المسألة الإيرانية على الداخل التركي الى الحد الأدنى في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية.
والمسؤولية الأكبر على الحكومات هو التنسيق مع قوة الرأي العام والإعلام والمجتمع المدني لخفض هذه الكلفة الى الحد الأدنى. ومن أجل هذا الهدف على الحكومات أن تكشف موقفها السياسي كأولوية. إن خفض كلفة انعكاس المسألة الإيرانية على تركيا الى درجة الصفر غير ممكن، فامتلاك إيران سلاحا نوويا أو دخول النظام في أزمة سيرتب على تركيا كلفة.

 

المصدر:السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...