لعبةحزب العدالة والتنمية التركي بين تياري القوى الإسلامية والعلمانية

28-09-2008

لعبةحزب العدالة والتنمية التركي بين تياري القوى الإسلامية والعلمانية

الجمل: تواترت بشكل مضطرد الأحداث والوقائع المحفزة لإثارة المزيد من التساؤلات حول مستقبل تركيا وإلى أين ستتجه سياستها الخارجية خلال الفترة المقبلة، هل باتجاه المزيد من التبعية لمحور واشنطن – تل أبيب أم الاستمرار في الارتباطات السابقة ضمن حدود معينة، أم التخلي والدفع باتجاه الاندماج ضمن بيئتها الإقليمية الشرق أوسطية؟
* أنقرة: إشكالية العلاقة بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية:
أدى الارتباط بين السياسة الداخلية والخارجية إلى حوار إشكالي بين الخبراء السياسيين وانقسامهم بين فريق أكد على أولوية السياسة الخارجية وفريق آخر أكد أولوية السياسة الداخلية وكان محور الخلاف يدور حول مدى أهمية جانب وتبعية الآخر.
وتأسيساً على ذلك، ظلت الحكومات التركية في الفترة الممتدة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى ما قبل صعود حزب العدالة والتنمية تعمل على أساس اعتبارات أن ارتباط تركيا بأمريكا والغرب يستلزم بالضرورة التأكيد على أولوية السياسة الخارجية التركية وتلبية متطلباتها بشكل مستقل وأولى طالما أن السياسة الخارجية التركية هي التي تقدم السند والدعم والحلول لمشاكل السياسة الداخلية، والتي بنظر هذه الحكومات هي مشاكل اقتصادية تتطلب الدعم والذي لا يمكن توفيره إلا بواسطة السياسة الخارجية. تبعية السياسة الداخلية التركية للسياسة الخارجية أدت إلى القضاء على استقلالية السياسة الداخلية على النحو الذي أصبحت فيه عملية صنع القرار التركي تندرج برمتها ضمن مفاعيل السياسة الخارجية التركية، وأصبح سفراء أمريكا وحلف الناتو وبلدان غرب أوروبا وإسرائيل الموجودون في أنقرة يلعبون الدور الرئيس في صناعة القرار السياسي التركي الذي لن تستطيع السلطات التركية اتخاذه دون الحصول على الضوء الأخضر من القوى الغربية وإسرائيل وبتحديد أكبر من البيت الأبيض الأمريكي باعتباره صاحب الحل والربط في الشأن التركي.
* التحول من الكمالية السياسية نحو الإسلام السياسي الجهادي أم الذرائعي البراجماتي؟
بعد أن قوض تحالف العلمانيين – الكماليين حزب الرفاه الإسلامي ووضعوا زعيمه أربكان في السجن لملم الإسلاميون الأتراك أطرافهم وشكلوا على وجه السرعة حزب العدالة والتنمية بقيادة عبد الله غول – رجب طيب أردوغان اللذان كانا من أبرز الزعماء المتواجدين مع أربكان في قيادة حزب الرفاه.
وهذه المرة، صعد حزب العدالة والتنمية على وجه السرعة راكباً مصعد الانتخابات إلى البرلمان التركي ومنه إلى مجلس الوزراء ولم يكتف بذلك، وإنما عزز موقفه بوجود زعيمه غول في منصب رئيس الوزراء. وقد استطاع الحزب بقيادة الثنائي غول – أردوغان التغلب على المصاعب الآتية:
• ملف تهديد حزب العمال الكردستاني وذلك عن طريق شق الحركة الكردية والتحالف مع حزب المجتمع الديمقراطي الذي أصبح واضحاً أنه يسعى لتشكيل البديل الإسلامي التركي الكردي لحزب العمال الكردستاني.
• ملف تهديد المحكمة الدستورية العليا وذلك عن طريق المناورة واستخدام المخاطر الداخلية والخارجية المترتبة على استهداف الحزب، بما أدى إلى إرباك الأطراف الأخرى، إضافةًَ إلى لجوء حكومة حزب العدالة والتنمية إلى توظيف ملف أزمة أرغيناكون السرية ضمن لعبة استراتيجية حافة الهاوية بحيث تواجه الأطراف العلمانية الإدانة الوطنية إذا واجه الحزب الإدانة الدستورية.
• ملف تهديد المؤسسة العسكرية التركية عن طريق احتماء الحزب وراء السند الشعبي وتأكيد ذلك باللجوء للانتخابات المبكرة على النحو الذي أقنع المؤسسة العسكرية بالتراجع طالما أن الرأي العام التركي يؤيد الحزب بهذه الكثافة وقد فهم الجنرالات أن المواجهة مع الحزب معناه المواجهة مع الشارع التركي وهو ما سيؤدي إلى انقسام الجيش.
لن يستطيع حزب العدالة والتنمية التمسك بالكمالية – العلمانية لأن السند الشعبي الكبير الذي حصل عليه الحزب كان بسبب توجهات الحزب الرافضة للكمالية – العلمانية، وفي الوقت نفسه لن يستطيع الحزب التحول إلى الإسلام السياسي الجهادي لأن مثل هذا التحول سيترتب عليه إشعال المواجهات بين الحزب والهياكل المؤسسية التي تقوم عليها الدولة التركية.
وبكلمات أخرى، تدرك القوى العلمانية – الكمالية وحلفاؤها في واشنطن وتل أبيب ودول الاتحاد الأوروبي بأن القضاء على حزب العدالة والتنمية غير ممكن لا بالوسائل العسكرية ولا بالوسائل القانونية لأن الحزب يتمتع بالسند الشعبي ولم يقم بانتهاك الدستور. ويدرك حزب العدالة التنمية وحلفاؤه بأن القضاء على القوام المؤسسي الكمالي – العلماني غير ممكن لا بالوسائل العسكرية ولا القانونية لأن ردة فعل القوام الكمالي ستكون مدمرة.
* لعبة توازن القوى الداخلي والخارجي:
وعلى خلفية هذا التعارض لجأ حزب العدالة والتنمية إلى الحفاظ على توازن القوى ليس بين القوى السياسية الموجودة في الساحة التركية وإنما بين السياسة الداخلية وبالسياسة الخارجية وبكلمات أخرى تتمثل لعبة حزب العدالة والتنمية بالآتي:
• التحرك خطوة في مجال السياسة الخارجية مع الثبات في السياسة الداخلية.
• التحرك خطوتين في مجال السياسة الخارجية ثم التراجع خطوة واحدة.
• التحرك خطوتين في مجال السياسة الداخلية ثم التراجع خطوة واحدة.
واستثناءً على هذه القاعدة فقد استطاع حزب العدالة والتنمية الاحتفاظ بموقفه المسيطر في أنقرة وفي الوقت نفسه نجح في إحراز التقدم في توطيد توجهاته السياسية الداخلية والخارجية، وفقاً لمبدأ التقدم خطوتين ثم التراجع خطوة، وفي بعض الأحيان كان الحزب يتقدم خطوة في مجال السياسة الخارجية وخطوة في مجال السياسة الداخلية ثم يعود ويتراجع عن إحدى الخطوات مع الإبقاء على الخطوة الأخرى.
تقول آخر التفسيرات بأن حزب العدالة والتنمية أصبح ينتهج استراتيجية جديدة تركز في المرحلة الحالية على استبدال الإسلام السياسي الجهادي بالإسلام السياسي الذرائعي، الذي يقوم على الإقرار بمبدأ العلمانية والتمسك به، في الوقت نفسه الذي يؤكد التوجهات الإسلامية والتمسك بها باعتبارها أمراً يتعلق ويرتبط بمبادئ حرية العقيدة والديمقراطية.
عموماً، ستتميز السياسة الخارجية التركية خلال الفترة القادمة بالمزيد من الخطوات البراجماتية التي ستصحبها المزيد من الخطوات البراجماتية في مجال السياسة الداخلية وبالتالي فإن اهتمام أنقرة بالعلاقات وبناء الروابط مع سوريا وبقية البلدان العربية سيتقدم خطوتين مع احتمالات التراجع خطوة في حالة مواجهة الضغوط الأمريكية وبرغم ذلك فإن تقدم أنقرة باتجاه دمشق خطوة واحدة هو في حد ذاته إنجاز هام للدبلوماسية السورية لجهة إفساحها المجال أمام توجهات أنقرة الشرق أوسطية وستكون هذه الخطوة الواحدة مقبولة سورياً طالما أنها في الاتجاه الصحيح.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...