لبنان: إلى أين؟

27-05-2007

لبنان: إلى أين؟

الجمل:     خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، كانت التساؤلات تنصب حول خروج القوات الإسرائيلية، وبعد خروجها برزت تساؤلات خروج القوات السورية، وبعد خروجها، ظهرت التساؤلات المتعلقة بنزع سلاح حزب الله، والآن تزايدت التساؤلات حول المسلحين والمخيمات الفلسطينية، وعلى ما يبدو فإنه على خلفية هذه الأسئلة (الجزئية) سوف يظل السؤال (الكلي) الغائب طوال هذه الفترة، بلا إجابة، وهو سؤال: لبنان، إلى إين؟ وكيف؟..
مسار الأزمة اللبنانية، بات أكثر وضوحاً، فقد أدت المحطات الثلاثة البارزة في هذا المسار (خروج القوات الإسرائيلية عام 2000م، مقتل الحريري، أحداث مخيم نهر البارد) إلى الكثير من التعديلات في خارطة الصراع السياسي اللبناني.
• بؤرة الأزمة:
التدهور الاقتصادي الذي حدث بتأثير تزايد الاعتماد على الخارج، وضعف الإنتاج، وتضخم قطاع الخدمات على حساب الإنتاج، وتزايد البطالة والفساد، واعتماد الدولة على التمويل المصرفي، والدين العام، وغير ذلك، وكما هو معروف ومثبت، فقد أدت الأزمة الاقتصادية إلى أزمة سياسية، استغلتها ووظفتها النخب اللبنانية، وأدارت دفة الرأي العام اللبناني في الاتجاه الخاطئ، بحيث أصبح الكثير من المواطنين اللبنانيين يعتقدون أن سبب مشاكل لبنان يعود إلى سوريا، وإلى الفلسطينيين، وإلى الإيرانيين.. وذلك دون أن يلتفت أحد إلى الاقتصاد اللبناني باعتباره بؤرة الأزمة.
• مراحل الأزمة:
بعد خروج لبنان من نفق الحرب الأهلية، بفضل مساعدة سوريا والدول العربية، لم تهتم النخب اللبنانية بعملية الإصلاح الاقتصادي والسياسي الحقيقي، وبدلاً عن ذلك توجهت ومضت قدماً على النحو الذي عمق التدهور الاقتصادي وزاد من حدة التوتر والاستقطاب السياسي.
أصبح المال العام نهباً، لدوائر صنع واتخاذ القرار، والتي لم تتردد في توظيفه ضمن عملية استخدامه كـ(مال سياسي) لإسقاط الشرفاء في الانتخابات وعزلهم عن المشاركة السياسية.
تطورت الأزمة اللبنانية بتطور الوقائع الجزئية، وظلت النخب اللبنانية أكثر اندفاعاً مع تيار الأزمة الجارف.. والخروج من نفق، ثم الدخول في نفق آخر أكثر خطورة، وبعد أن نهبت هذه النخب ما بالداخل، بدأت تبحث عما في الخارج، وكانت جولات مؤتمرات المانحين، باريس1، و2، و3، وهلم جرا، وعندما لم يجد ذلك نفعاً، تحولت إلى أمريكا وإٍسرائيل، على النحو الذي جعل هذه النخب تقبض (باليمين) من أمريكا ثمن ما تقوم بتنفيذه (بالشمال) من مخططات داخل وخارج لبنان.
• الفرز والاستقطاب:
بعد قيام النخبة الحاكمة اللبنانية بالشروع في إشعال فتيل الحرب الشيعية- السنية، عن طريق تنفيذ مخطط تسليح الحركات الأصولية الإسلامية (فتح الإسلام في مخيم نهر البارد)، و(عصبة الأنصار في مخيم عين الحلوة)، والذي وضعته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وأشرف عليه ديك تشيني، وأكد عليه أحد كبار ضباط المخابرات المركزية الأمريكية، قائلاً: بأنه تم تقديم الأموال لبعض عملائنا في لبنان (يقصد قوى 14 آذار) من أجل دعم هذه التنظيمات، وأضاف قائلاً: بأنه لا يستطيع التأكيد بأن الأموال المقدمة سوف تصل إلى الأطراف المعنية، وبالتالي فهو لا يستطيع أن يؤكد على مصداقية (الأولاد الأشرار السيئين الموجودين في لبنان) ولكنه يتوقع بأن يتم تسليم بعض هذه الأموال.. أما الجزء الأكبر المتبقي فمن الصعب التحقق منه، لأن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عندما تقدم الأموال لمثل هذه الأغراض فإنها لا تأخذ الإيصالات والسندات الخاصة بذلك.
فشل مخطط الحرب السنية- الشيعية، وتحولت الأنظار إلى مخطط المحكمة الدولية، ومحاربة حزب الله، وقد دخلت عملية الفرز والاستقطاب السياسي في الساحة اللبنانية مرحلة جديدة، بعد خطاب السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله الأخير، وما أعقبه من اتهامات مضللة من قبل زعماء قوى 14 آذار، تهدف بوضوح إلى تفكيك تحالف نصر الله مع ميشيل عون، ومحاصرة حزب الله وحركة أمل.
• لبنان: إلى أين؟
كل أطراف التحالف الحاكم حالياً (قوى 14 آذار) أو قوى الموالاة كما يقول لا يملك أي طرف منها برنامجاً اقتصادياً سياسياً لمستقبل لبنان، ولا حديث لهذه الأطراف سوى المحكمة الدولية، ونزع سلاح حزب الله، علماً بأن مشاكل لبنان الاقتصادية (والتي تمثل بؤرة الأزمة) لن يحلها لا قيام المحكمة الدولية، ولا نزع سلاح حزب الله، بل وسوف تتعمق هذه المشاكل أكثر فأكثر إذا ردت سوريا على افتراءات قوى 14 آذار، وتسلط القوى الخارجية، بإغلاق حدودها مع لبنان.
• المحكمة الدولية:
لقد خرج موضوع المحكمة الدولية من سيطرة لبنان وذلك بفضل جهود قوى 14 آذار التي تركت بناء لبنان وتصدت طوال الأعوام الماضي للعمل المضن من أجل تجاوز القضاء اللبناني، والمؤسسات السياسية الدستورية اللبنانية، ورئيس الجمهورية، ونجحت في تسليم هذا الملف ليكون تحت تصرف أمريكا وإسرائيل.. وبعد أن فعلت كل ذلك، لم يتساءل أحد حتى الآن، ماذا جلب كل هذا العناء للبنان واللبنانيين.. وعلى ما يبدو فقد آن الأوان للبنانيين لكي يتساءلوا ماذا جلب ملف المحكمة الدولية لزعماء قوى 14 آذار؟ وما هي الحوافز التي حصلوا عليها؟ وكم قبضوا؟..
• القوات الدولية:
بعد صدور تقرير فينوغراد لم يعد هناك شك في أن القوات الدولية قد جاءت بها أمريكا وفرنسا وبريطانيا من أجل تحقيق عدة أهداف، أبرزها:
- حماية الجيش الإسرائيلي من التورط الذي يعرضه لهزيمة أكبر في لبنان.
- إيقاف الحرب بما يؤدي لإنقاذ قوى 14 آذار وحكومة السنيورة من التعرض للهزيمة السياسية الشاملة في الشارع اللبناني.
- إفساح المجال أمام أمريكا وإسرائيل وفرنسا للقيام بدور أكبر في لبنان، لا من أجل تقديم الاستثمارات الاقتصادية التي تنمي لبنان وتنقذه من الأزمة الاقتصادية، وإنما من أجل استخدام لبنان واستثماره كـ(قاعدة سياسية) لتصدير الثورات الملونة وتجميع حركات المعارضة السياسية العربية الموالية لأمريكا، وكـ(قاعدة عسكرية)، وهو أمر لن نتعرض له بالشرح لأن المعلومات المتعلقة بملف إقامة (قاعدة القليعات) قد فاحت رائحتها وافتضح أمرها.
- محاربة المقاومة اللبنانية: وهو أمر واضح، وتظهره بجلاء فقرات وبنود القرار الدولي الذي أسس لولاية ومهام القوات الدولية داخل لبنان، وحالياً ليس أمام قوى 14 آذار سوى التقدم برسالة لمجلس الأمن الدولي، على غرار رسالة السنيورة السابق الخاص بالمحكمة الدولية، تطلب من مجلس الأمن مساعدة حكومة السنيورة بواسطة القوات الدولية من أجل القضاء على (خطر الإرهاب).. وبعدها سوف تنطلق نيران القوات الدولية من أجل حصد رجال المقاومة اللبنانية والفلسطينية.. وتصبح القوات الدولية تماماً مثل القوات الأمريكية والمتعددة الجنسيات في أفغانستان، وتحالف 14 آذار سوف يصبح مثل تحالف الشمال الأفغاني.
مرة أخرى نتساءل: لبنان إلى أين؟ إلى بناء الذات عن طريق الالتفات لتوظيف قدرات أبنائه، ومحيطه العربي من أجل تجاوز وعبور الأزمة وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما يعيده إلى مكانته السابقة ودورة الرائد.. أم إلى التبعية والاعتماد على أمريكا وإسرائيل على النحو الذي يكرس سلطة قوى 14 آذار التي عاثت في الاقتصاد اللبناني فساداً، وطردت من البيوت ساكنيها اللبنانيين لتقيم الأبراج والمجمعات الخاصة بها في وسط بيروت، ورمت للشعب اللبناني العظم، بعد أن استأثرت باللحم.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...