كيري في إسرائيل: إيحاء بالتفاؤل

24-05-2013

كيري في إسرائيل: إيحاء بالتفاؤل

أبلغ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وزير الخارجية الأميركي جون كيري في لقائهما أمس، في القدس المحتلة رغبة حكومته في تحريك العملية السياسية مع الفلسطينيين. ولكن هذه الرغبة تتصادم ليس فقط مع واقع تسويغ المزيد من المستوطنات وتوسيع عدد آخر منها، وإنما أساساً مع ازدياد القناعة في الحكومة الإسرائيلية ذاتها بتلاشي فرص قيام دولتين على أرض فلسطين. وفي هذه الأثناء، كشف موقع «والا» الإخباري النقاب عن خريطة رسمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس لما اعتبره عرضاً إسرائيلياً قدّمه له في العام 2008 رئيس الحكومة آنذاك إيهود أولمرت، ويشمل مناطق تبادل الأراضي.
وفي مستهلّ لقاء نتنياهو وكيري، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية أن الغرض من الاجتماع ليس فقط الحديث عن تحريك التسوية مع الفلسطينيين، وإنما أيضاً «عن إيران وأعمال الذبح الفظيعة وانعدام الاستقرار في سوريا». وأعرب عن أمله أن يكون الفلسطينيون يريدون، مثله ومثل كيري، تحريك المفاوضات. وامتدح نتنياهو قرار الكونغرس الأميركي الوقوف إلى جانب إسرائيل إذا هاجمت إيران، وتوسيع العقوبات ضد الأخيرة، واعتبر هذا القرار «استثنائياً». صورة الوثيقة الفلسطينية وتتضمن رسم عباس للخريطة التي عرضها عليه أولمرت في العام 2008 (عن موقع «والا» الإسرائيلي)
وكان كيري قد وصل في زيارة مقرّرة لعقد عدد من الاجتماعات يحافظ فيها على الزخم الذي حاول حشده منذ توليه وزارة الخارجية بهدف تحقيق اختراق سياسي بين إسرائيل والفلسطينيين. وفي هذا الإطار اجتمع مع مسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين أبرزهم نتنياهو والرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز ووزيرة العدل المسؤولة عن ملف المفاوضات تسيبي ليفني من جهة، والرئيس الفلسطيني محمود عباس من جهة ثانية.
وبرغم الإيحاءات المتكررة بأن هدف الزيارة هو تحريك العملية السياسية، إلا أن الأجواء في إسرائيل لا يبدو أنها تسمح بأي اختراق. فقد أقرّت ليفني في جلسة خاصة عقدتها لجنة الخارجية والأمن في الكنيست بأن تحريك العملية السياسية «ليس أمراً بسيطاً في ظل التشكيلة الائتلافية المعقدة».
وقد انتقد كيري في لقائه مع نتنياهو تسويغ البؤر الاستيطانية الأربع بعدما كان قد انتقد ذلك قبل بضعة أيام في اتصال هاتفي. وقال مسؤول أميركي إن لقاء كيري ونتنياهو، بحضور ليفني، تركز على إجراء اتصالات هادئة مع الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، وأن النتائج كانت «إيجابية». وشدّد المسؤول الأميركي مع ذلك على أن وزير الخارجية لا يحمل معه أي خطة سلام أميركية، واصفاً مثل هذا الكلام بأنه «غير صحيح».
وفي مستهلّ اللقاء حاول كيري أن يشيع أجواء تفاؤلية بشأن محاولات استئناف العملية السلمية، فقال إن «هناك شكوكاً ولا مبالاة في أوساط معينة ولهذا الأمر أسباب... لقد شهدنا سنوات من الخيبة. لكننا نأمل أنه عبر العمل المرتب، الحذر والصبر... نستطيع أن نرسم الطريق إلى الأمام بشكل ربما يفاجئ أناساً، وبالتأكيد يستنفذ فرص السلام». ولم يدخر كيري جهداً، فأظهر التزام أميركا بأمن إسرائيل، وكرر أهمية تحقيق السلام مع الفلسطينيين، مثنياً على «الجدية» التي يبديها نتنياهو تجاه الموضوع.
وبحسب كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات فإن كيري بحث مع عباس خطة السلام التي يتولى كيري إعدادها، مشيراً إلى أن «الخطة لا زالت حتى الآن في مرحلة الإعداد، والاتصالات مع الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية والعربية والأوروبية كافة وحتى روسيا، وكافة الأطراف الدولية المعنية بالسلام والاستقرار في منطقتنا». ووصف عريقات اللقاء بأنه «كان مطولاً وعميقاً وإيجابياً»، مؤكداً أن «دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة متصلة من دون استيطان هي ليست شروطاً بل التزامات لتحقيق السلام».
وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد استقبلت زيارة كيري بتصريحات للمستشار السياسي لليفني، الدكتور طال بكار أعرب فيها عن تشاؤم شديد إزاء فرص التوصل إلى تسوية دائمة مع الفلسطينيين على الأقل في السنوات المقبلة. وتتسم هذه التصريحات بأهمية فائقة لأنها ليست صادرة عن جهات بالغة التطرف في حكومة نتنياهو، وإنما عن الجهة الأشد اعتدالاً في نظر اليمين الإسرائيلي، ولأنها تقال في سياق الاستعداد لزيارة كيري. وأعرب بكار لمحادثيه في غرف مغلقة أنه غير معقول التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين في المستقبل القريب. ولكن بكار حمل الرئيس الفلسطيني مسؤولية ذلك، إذ تراه إسرائيل غير متحمّس للعودة إلى طاولة المفاوضات، ولفكرة حل الدولتين.
ولكن ادعاء بكار يخفي ما أظهره النقاش الذي جرى في لجنة الخارجية والأمن في الكنيست قبل يومين من خلافات شديدة داخل الائتلاف الحاكم، ليس فقط تجاه حل الدولتين وإنما حتى تجاه تقديم مبادرات حسن نية تجاه الفلسطينيين. واعترفت وزيرة العدل بأنه ليس هناك توافق داخل الحكومة الإسرائيلية تجاه أي من مسائل التسوية سوى الرغبة في استئناف المفاوضات، وعدم دفع أي أثمان مقابل ذلك.
وليس بكار وحده من يحمل رأياً متشائماً تجاه مساعي كيري بل يوافقه الوجهة الجنرال جون ألان الذي يساعد جون كيري في كل ما يتصل بالترتيبات الأمنية بين إسرائيل والفلسطينيين. وقد أبلغ ألان محادثيه رأيه في أن «الحد الأقصى المستعدة إسرائيل تقديمه لا يتناسب مع الحد الأدنى الذي يقبل به الفلسطينيون».
عموماً يحاول كيري في اجتماعاته مع المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين إحداث توافق حتى منتصف شهر حزيران المقبل والعودة إلى طاولة المفاوضات. ويعارض نتنياهو حالياً أي مبادرة حسن نية تجاه الفلسطينيين تتضمن الإفراج عن أسرى أو منح تسهيلات إضافية أو أراضٍ للسلطة الفلسطينية، انطلاقاً من رفضه أي شروط مسبقة لاستئناف المفاوضات.
ومن جهة أخرى، نشر موقع «والا» الإلكتروني صورة وثيقة فلسطينية تتضمّن رسماً قدّمه عباس لأعضاء القيادة الفلسطينية يظهر الخريطة التي عرضها عليه أولمرت في العام 2008 أثناء المفاوضات السرية بينهما. وتركز الخريطة على حدود الدولة الفلسطينية وفق آخر العروض الإسرائيلية، والتي بموجبها تحتفظ إسرائيل بثلاث كتل استيطانية في شمال الضفة وجنوبها وفي محيط القدس، مقابل تبادل أراضٍ في شمال الضفة وجنوبها وتوسعة قطاع غزة شرقاً. وأثار نشر هذه الوثيقة سجالات حادة في إسرائيل بين من اعتبروا أولمرت «شجاعاً»، ومن رأوا فيه «متخاذلاً»، وأيضاً بين من اتهموا الفلسطينيين بتضييع الفرصة وأنهم لا يريدون حلّ الدولتين.
وقد عرض أولمرت الخريطة الأصلية على عباس في لقاء بينهما في مقر رئاسة الحكومة الإسرائيلية في القدس المحتلة في 16 أيلول العام 2008. وبحسب الموقع عرض أولمرت خريطة كبيرة أمام عباس، ولكنه رفض تسليمها له مشترطاً توقيعه بالأحرف الأولى على اتفاق سلام قبل إعطائه الخريطة. وعندما عاد عباس إلى رام الله عقد اجتماعاً مع رفاقه، ورسم أمامهم من ذاكرته الخريطة كما رآها.
وأكد أولمرت في لقاء مع «والا» أن الخريطة التي رسمها عباس تشبه اقتراحه، وقال إنه سيكشف كل تفاصيل الاتفاق الذي عرضه، وكيف أنه فعلاً وافق على التنازل عن السيادة الإسرائيلية على الحرم القدسي.

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...