فشل حصار غزة والتطورات الإستراتيجية المتوقعة

26-01-2008

فشل حصار غزة والتطورات الإستراتيجية المتوقعة

الجمل: التطورات الميدانية الجارية في قطاع غزة لم تعد تنحصر أو يمكن وضعها ضمن مصطلح "تطور ميداني" بالمعنى العسكري – الأمني، وإنما أصبحت تندرج ضمن طبيعة جديدة أقرب إلى التطورات الإستراتيجية.
* الصراع الغزاوي والفعالية المتجددة:
ظن الجميع أن الـ(2) مليون فلسطيني الموجودين داخل قطاع غزة قد أصبحوا معزولين تماماً ضمن السجن الكبير الذي أقامته القوات الإسرائيلية لهم في الهواء الطلق المحصور بين القوات الإسرائيلية أمامهم والبحر خلفهم. ولكن بعد أن ضاقت واستحكمت حلقات الحصار بفلسطينيي غزة جاء الفرج والمخرج عن طريق هدم الجدار العازل الفاصل بن غزة والأراضي المصرية، أو فلنقل بين رفح الفلسطينية ورفح المصرية. وإزاء هذا التطور الجديد حملت كلمة صحيفة هاآرتس الإسرائيلية عنوان «لقد فشل حصار غزة» والتي أشار فيها رئيس تحرير الصحيفة إلى النقاط الآتية:
• ظل الإسرائيليون ينتظرون تقرير لجنة فينوغراد النهائي حول فشل القوات الإسرائيلية في حرب صيف العام 2006م ضد حزب الله اللبناني ومع اقتراب صدور هذا التقرير جاء الفشل الإسرائيلي في فرض الحصار على غزة، وهو أمر يتطلب تكوين لجنة تحقيق أخرى لتنظر في الأمر على غرار لجنة فينوغراد ثم ترفع تقريرها حول أسباب هذا الفشل أيضاً.
• الوضع القائم حالياً على حدود مصر – قطاع غزة بعد هدم الجدار سوف يؤثر بالضرورة على الوضع القائم على بقية الحدود الإسرائيلية – المصرية.
• يتوجب على إسرائيل أن تركز في البحث عن أسباب الانتهاك الفجائي الكبير الذي حدث دفعة واحدة على الحدود مع مصر، بدلاً من الخوض في البحث عن أسباب أزمة صيف العام 2006 بجنوب لبنان، وذلك لأن ما حدث الآن، ودفعة واحدة، وبلا سابق إنذار من أي جهة، بما في ذلك أجهزة المخابرات الإسرائيلية التي فشلت في تحذير الحكومة بشكل مبكر من حدوث  مثل هذا الخطر، على النحو الذي ترتب عليه أن تصبح إسرائيل بلا أي بدائل أو حلول أخرى ممكنة للتصرف في مواجهة الأوضاع والوقائع الميدانية الجديدة التي نتجت بفعل تدمير الجدار الحدودي الفاصل بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية.
• تدفق مئات آلاف الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية وفشل حسني مبارك في السيطرة على الحدود وبالتالي نجحت حماس في إنهاء الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع الأمر الذي أدى إلى إكسابها شعبية أكبر من شعبيتها الكبيرة بالأساس في الشارع الفلسطيني.
• أبدى قدر كبير من الرأي العام العالمي تعاطفه مع حماس ونجاحها في هدم الجدار الفاصل، وعلى ما يبدو أن الرأي العام العالمي قد بدأ ينسى معاناة إسرائيل إزاء موجات صواريخ القسام وقذائف الكاتيوشا التي تم إطلاقها ضد إسرائيل في الفترة الماضية.
* أبرز الشكوك الإسرائيلية:
يقول الصحفي الإسرائيلي عامير أورين بأن حركة حماس تخطط حالياً لشن المزيد من الهجمات ضد إسرائيل انطلاقاً من أراضي سيناء المصرية وتقول المعلومات بأن الحكومة الإسرائيلية قد حذرت الإسرائيليين من مغبة القيام بزيارة المنتجعات السياحية المصرية الموجودة في سيناء أو تلك المقامة على جانب البحر الميت والقريب من سيناء. كما كثفت قوات الجيش الإسرائيلي وعناصر جهاز الشين بيت الإسرائيلي جهودهما لمراقبة ورصد الحدود الإسرائيلية – المصرية للقضاء على احتمال قيام عناصر حماس بعمليات التسلل عبر أراضي سيناء المصرية إلى داخل إسرائيل من أجل القيام بـ:
• التفجيرات الانتحارية.
• اختطاف الجنود الإسرائيليين.
• اختطاف المدنيين الإسرائيليين.
• مهاجمة المنشآت الإسرائيلية.
• مهاجمة النقاط العسكرية الإسرائيلية.
* قدرات حركة حماس والمزايا الميدانية الجديدة:
بلا شك إن هدم الجدار الفاصل بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية يتيح المزيد من المزايا الجديدة ويشكل قيمة مضافة لقدرات حماس التعبوية والتكتيكية على الجانبين السياسي والعسكري، وتقول التسريبات بأن عدداً كبيراً من عناصر حماس استطاع التغلغل في أراضي سيناء عن طريق استخدام "الموتوسيكل"، وتقول الحكومة المصرية بأنها لم تستطع القيام بصد الفلسطينيين وضبط الحدود لعدة أسباب أبرزها:
• حق الفلسطينيين المحاصرين في غزة في الحصول على احتياجاتهم الغذائية والعلاجية والإنسانية.
• عدم قدرة القوات المصرية على القيام بضبط الحركة بين القطاع والأراضي المصرية، لأن القوة المصرية الموجودة صغيرة ولأن إسرائيل تمسكت ببنود اتفاقية كامب ديفيد ورفضت الاستجابة لطلب مصر بإرسال قوات إضافية مصرية إلى المنطقة.
القوات الإسرائيلية التي كانت تحاصر قطاع غزة، إضافة إلى قوات القيادة الجنوبية الإسرائيلية، أصبحت الآن مواجهة بمهام جديدة وهي ضبط كامل الشريط الحدودي بين مصر وإسرائيل والممتد من ميناء إيلات في الجنوب وشمالاً حتى تخوم نقطة التقاء رفح المصرية مع رفح الفلسطينية اللتين أصبحتا حالياً بعد هدم الجدار بمثابة كتلة سكانية واحدة.
إن لجوء القوات المصرية أو الإسرائيلية إلى استخدام العنف في الفصل بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية سوف يؤدي إلى اندلاع مواجهة كبيرة داخل المنطقة يتحالف فيها سكان المدينتين لأنهم يمثلون في نهاية الأمر كياناً فبلياً عشائرياً واحداً.
* أبرز التوقعات إزاء أزمة غزة:
طالب الرئيس المصري حسني مبارك إسرائيل بإنهاء حصارها لقطاع غزة بما يتيح القيام بحل الأزمة، وأعلنت حماس عن استعدادها للتفاوض والتفاهم مع حركة فتح، وأعلنت السعودية عن تأييدها لهذا الحوار، أما حركة فتح فقد أعلنت على لسان زعيمها محمود عباس بأنه لا محادثات ولا حوار مع حماس برغم كل ما حدث مؤخراً على حدود رفح المصرية – رفح الفلسطينية، أما في إسرائيل فهنالك مطالبات أن تقوم إسرائيل خلال الفترة القادمة بتنفيذ عملية "فك ارتباط" حقيقية مع قطاع غزة بحيث لا تكون هناك أي علاقات أو تداخلات من أي نوع بين قطاع غزة وإسرائيل.
المواقع المشار إليها عند تجميعها مع بعضها البعض يمكن أن تقودنا إلى المشهد التالي:
• قطع إسرائيل لروابطها مع القطاع معناه أن القطاع سيلجأ إلى مصر من أجل سد احتياجاته أو إلى "البحر".
• رفض حركة فتح لأي تفاهم أو حوار مع حماس معناه قطع الصلة بين قطاع غزة والضفة الغربية.
• نجاح حركة حماس في إفشال مخطط الحصار جعل الفلسطينيين الموجودين داخل القطاع يتمسكون بها أكثر فأكثر.
وإزاء هذه المكونات وغيرها تبرز المزيد التساؤلات حول مصير قطاع غزة وحركة حماس والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وعملية السلام في الشرق الأوسط وموقف أمريكا والاتحاد الأوروبي وردود الفعل العربية. فما هو الدور المصري المتوقع في قطاع غزة؟ وهل سيتم السماح لمصر بوضع يدها على القطاع وفقاً لعملية فرض "الانتداب المصري" غير المعلن على قطاع غزة؟ وإذا صرفت إسرائيل النظر عن القطاع وفكت ارتباطها به فما الذي سيحدث بالنسبة لملف أمن إسرائيل أي كيف ستتعامل إسرائيل مع الصواريخ والقذائف القادمة من القطاع والعمليات العسكرية القادمة عبر الحدود المصرية – الإسرائيلية؟ أم أن حركة حماس ستوقف عملياتها ضد إسرائيل طالما أن القطاع أصبح تحت سيطرتها وأن حدودها مع مصر مفتوحة؟ وبأي شروط سيتعامل نظام حسني مبارك مع حركة حماس المسيطرة على قطاع غزة؟ بكلمات أخرى، إذا أتاح النظام المصري لحركة حماس حرية الحركة فإنه لن يحصل على المساعدات الأمريكية والأوروبية إضافة إلى خطر التعرض لقيام الإسرائيليين باستغلال ذلك والإعلان عن انتهاك مصر لاتفاقية كامب ديفيد بما يؤدي إلى القيام بعملية عسكرية تستعيد بموجبها إسرائيل كامل أراضي شبه جزيرة سيناء والخالية حالياً من أي وجود عسكري دفاعي مصري؟ أم أن النظام المصري سوف يلجأ إلى استخدام سياسة العصا والجزرة مع حماس بحيث أن عدم القيام بالعمليات العسكرية ضد إسرائيل معناه انفتاح غزة على الأراضي المصرية، والقيام بالعمليات العسكرية ضد إسرائيل معناه الضغط والتنكيل بحماس والقطاع؟
على ما يبدو فإنه بسبب تبعية مصر واعتمادها على المساعدات الأمريكية فإن الموقف النهائي لنظام حسني مبارك إزاء أزمة غزة سوف يعتمد حصراً على التفاهم الجاري حالياً على خط واشنطن – القاهرة. علماً بأن كلمة "واشنطن" لم تعد في يد تل أبيب بالكامل، وإنما يعود جزء كبير منها إلى جماعة المحافظين الجدد وعناصر اللوبي الإسرائيلي المرتبطة بالليكود وزعيمه بنيامين نتينياهو الذي يعمل جاهداً لإضعاف كل من كاديما وزعيمه أولمرت وتسيبي ليفني، والعمل وزعيمه إيهود باراك، ويجب ألا نستغرب إذا طالب الليكود بلجنة تحقيق لتشويه سمعة الثلاثي رئيس الوزراء إيهود أولمرت وتسيبي ليفني وزيرة الخارجية وإيهود باراك وزير الدفاع وقادة الجيش والمخابرات وتحميلهم المسؤولية عن هزيمة جنوب إسرائيل الغزاوية التي وقعت وإن كانت بوسائل أخرى والتي لا تقل عن هزيمة حزب الله اللبنانية.


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...