شمال العراق يحددشكل العلاقات التركيةالأمريكيةوالجيش يستشهدبحزب الله

في خضم السجالات الحادة بين العلمانيين والاسلاميين حول مسودة الدستور الجديد، عادت لتطفو على سطح الأحداث وبصورة مفاجئة نسبيا العلاقات التركية ـ الأميركية، لا سيما في ما يتعلق بالخلاف بين الطرفين حول الوضع في شمال العراق ومواجهة مسلحي حزب العمال الكردستاني المتواجدين هناك.
حتى الآن لم يتحدد اي تاريخ للقاء بين الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان المتواجد الآن في نيويورك لحضور الجمعية العمومية للأمم المتحدة. لكن وزير الخارجية التركية علي باباجان بدأ مسلسل اثارة الموقف السلبي الأميركي من رغبة تركيا في القيام بعملية عسكرية في شمال العراق، اذ طالب باباجان بدعم الولايات المتحدة على هذا الصعيد، متسائلا عما «كان للولايات المتحدة ان تفعل في حال انطلق ارهابيون من اراضي المكسيك للهجوم عليها». وهدد باباجان مجددا من انه اذا تطلب الأمر، فسيجتاز الجيش التركي الحدود.
وكانت هذه اول اشارة تحريكية لهذا الموضوع منذ انتهاء الانتخابات النيابية في 22 تموز الماضي.
غير ان الإشارة التركية الأقوى بما لا يقاس، جاءت من قائد القوات البرية الجنرال ايلكير باشبوغ الذي توعد واشنطن والعراقيين والأكراد خصوصا برفع كلفة التطورات في العراق اذا لم يجدوا حلا لمشكلة حزب العمال الكردستاني المتواجد هناك.
كان باشبوغ يتحدث في افتتاح العام الدراسي في الكلية الحربية للقوات البرية. وبعدما لم يوفر في بداية حديثه جهود حزب العدالة والتنمية لتعديل الدستور من انتقاد لاذع، وبعدما ذكّر بأن وظيفة الجيش الأساسية حماية الجمهورية وقيمها ولا سيما مبدأ العلمانية الذي هو حجر الزاوية فيها، وبأن الجيش كان دائما وسيبقى طرفا في حماية خصائص الجمهورية وبنيتها، شن هجوما عنيفا على سياسة واشنطن في العراق. وقال ان «الوقت حان لا للقول بل للعمل». واتهم حزب العمال الكردستاني بأنه يهدف الى تقويض البنية الواحدة للدولة ـ الأمة في تركيا وان اساس حركة حزب العمال قومية اتنية.
وفي اشارة الى صعوبة المعركة وطولها ضد حزب العمال الكردستاني ذكرّ باشبوغ بانتصار اسرائيل في ستة ايام على العرب في العام 1967 «لكنها عجزت رغم ذلك في مواجهة بضعة آلاف من مقاتلي حزب الله في لبنان في صيف .2006 كما ان اميركا التي ربحت الحرب ضد العراق في نيسان 2003 عجزت عن النجاح في مواجهة حركات المقاومة والارهاب هناك حتى الآن. ومن هنا، ان المعركة مع حزب العمال الكردستاني قد تأخذ وقتا قبل حسمها».
وقال باشبوغ ان حزب العمال قد ضعف لكنه لا يزال موجودا، «أولا لأن انضمام عناصر جديدة اليه لا يزال مستمرا. وثانيا استفاد حزب العمال الكردستاني من اخطائنا عندما ظن البعض انه انتهى بمجرد ان خفف في وقت سابق من عملياته العسكرية. وثالثا لأن الدولة لم تقم بمبادرات تتوازى مع العمليات العسكرية»، مستعينا بقول للرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز بأن ثمانين في المئة من مكافحة الارهاب ليست خطوات عسكرية بالكامل ولا سياسية بالكامل فالمشكلات لها ابعاد عسكرية وسياسية في الوقت ذاته.
وحذّر باشبوغ من ان الوضع في شمال العراق قد يخلق نموذجا جاذبا لبعض الفئات داخل تركيا، حيث ان التطورات في شمال العراق أكسبت الأكراد قوة غير مسبوقة سياسيا وقانونيا وعسكريا ومعنويا. واعتبر ان «هذه مشكلة لكن المشكلة الأخرى هي ان الولايات المتحدة لم تبادر حتى الآن الى خطوة لتصفية حزب العمال الكردستاني هناك».
وفي أقوى إنذار لأميركا كما وصفته صحيفة «ميللييت» التركية، قال باشبوغ «انهم يقولون ان تركيا لا تملك قوة التحرك منفردة هناك في هذه الظروف. لكن لا يمكن القول ان تركيا لا تملك القوة لتعيق التطورات وتضاعف كلفتها. وعلى اميركا ان تفهم وترى أنه حان الوقت للفعل وليس للكلام، وبأن حلا لا يشمل دعما لتركيا لن يكون حلا دائما، ووجود منظمة ارهابية في شمال العراق يشكل تهديدا لتركيا، كما ان استطالة المشكلات زمنيا يفاقمها ويعمقها».
وفي مقالة في صحيفة «ميللييت»، فسّر المعلق المقرب من المؤسسة العسكرية فكرت بيلا ان المقصود برفع الكلفة في العراق هو تذكير الأميركيين بأهمية تركيا بالنسبة للحياة والمعيشة في شمال العراق. فهناك بوابة الخابور، انبوب التنفس لشمال العراق، ومن تركيا تأتي الكهرباء والمواد الغذائية ومعظم الصادرات والواردات. اي ان تركيا باختصار بوابة شمال العراق على العالم الخارجي ولها دور مؤثر بالتالي بالسلاح ومن دون سلاح.
اما مراد يتكين في صحيفة «راديكال»، فيرى ان هجوم باشبوغ قد يكون عامل شقاق مع الحكومة التي تسعى لتصحيح العلاقات مع اميركا لا سيما مع وجود اردوغان في نيويورك.

محمد نور الدين

المصدر: السفير