تصدير الحرب السورية

18-09-2015

تصدير الحرب السورية

تقترب الحرب على سوريا من نهاية عامها الخامس، من دون أن يلوح في الأفق أي بادرة على إنهاك أصاب الأطراف المعنية فيها. لا بل على العكس، تتكاثر المؤشرات على حيوية مستجدة بين المتحاربين، تؤكد أن أبواب جهنم لن تغلق قريباً. خمسة أعوام تقريباً ولا تزال دمشق العاصمة المركزية للدولة السورية، رمز وحدتها وسيادتها، واستمرارها بالشكل الذي نعرفه.
مصطلحات الوحدة والسيادة وربما «سوريا» لا تستخدم هنا بمعانيها الكاملة. هي فضفاضة، وبعيدة عن الواقع. لكنها الواقع الوحيد المتبقي من الدولة المركز، والعصب الاقليمي المقاوم. بعيدة عن الواقع، صحيح، لكنها أيضا الكيان الوحيد برموزه، ولو المهشمة والمنتقصة، الذي لم تستطع أعوام الحرب ايجاد بديل عنه يحمل اسم «سوريا»، ولو بمعاني السيادة والوحدة الفضفاضة.
السماء السورية مستباحة وكذلك الأرض. وتعتبر واشنطن وباريس وبرلين ولندن وغيرها أن نشر بضع دبابات روسية داخل قاعدة جوية على الساحل السوري سيخرب جهود الحل السياسي في البلاد. فجأة صار الحل السياسي مطلباً دولياً. وصار الخوف عليه يقلق قادة العالم. منذ أكثر من شهرين، دعا الرئيس الروسي إلى تحالف إقليمي ودولي ضد الإرهاب. تحالف يجمع الدول العربية والإقليمية التي تستضيف المعارضات السورية وتسلحها وتمولها. الدعوة لم تلقَ تجاوباً، واكتفى الغرب بغارات تستهدف «داعش» في العراق، وتتمدد بخفر إلى بعض مواقع «الدولة الإسلامية» في سوريا.
لم تخرج كلمة «حل سياسي» إلى العلن بهذا الوضوح إلا بعدما تخلخلت الأسس التي يقوم عليها الاتحاد الأوروبي: الحدود المفتوحة بين دوله. ليست صور أموات اللاجئين الملقاة على رمال المعابر وفي قعر «المتوسط» هي التي بلورت حلاً سياسياً. هذه سذاجة سياسية. الحل حملته موجات اللاجئين التي استقرت في أوروبا عبر «شينغن»، وفتحت طرقا إلى كل العالم. الحرب السورية انتقلت إلى الخارج. ومع الرهاب الإسلامي الضارب في الكوكب، يصبح اللاجئون الذين حرموا هناءة العيش على أرضهم قنابل موقوتة تخيف الجميع.
روسيا التي ذاقت مرارة الإرهاب قبل غيرها، أدرى باحتمالات تدحرجه إلى كل مكان آمن في العالم. فلاديمير بوتين لا يراوغ عندما يقول إن روسيا قلقة من عودة مواطنيها الذين قاتلوا مع «داعش». القلق يجب أن يكون ذاته في واشنطن وباريس ولندن وبرلين.
الحضور العسكري الروسي في سوريا ليس جديداً، وتعزيزه ليس غريباً. هي معركة كفيلة بإعادة المنطقة والجوار إلى الوراء مئات السنين، إن لم يكن إلى العصور الحجرية. إغراء تقاسم سوريا كبير. إسرائيل تعتبرها غير موجودة. أكثر من وزير صهيوني دعا إلى اعتراف دولي بالحدود الجديدة بعد ضم الجولان المحتل، وما استطاعوا.
عندما تكون سوريا مستباحة، يصبح من المفهوم كيف تكون المغامرة بالإرهابيين لتفتيتها وتوزيعها مغانم. ولكن الإرهاب الذي يقاتله النظام وروسيا وغيرهما معهما، ليس من النوع المنضبط، وهذا ما ضخم موجات النزوح من المناطق الخارجة عن سيطرة «النظام».
موجات النزوح تخلط الأوراق أخلاقيا وسياسياً. وروسيا ترسم خطوطاً حمرا بتعزيز حضورها العسكري في سوريا، وربما يؤدي ذلك إلى سباق تسلح محموم وغير منضبط، لكنه على الأقل يبقى بين دول، لا بين مجانين. المخاطرة محسوبة، وتظهر تبدلا في مواقف الغرب. حيوية جديدة في الحرب، قد تكون فاصلة، وتضع حداً للموت السوري اليومي قبل أن يطوي عامه الخامس.

 

منير الخطيب: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...