بيرل يحضن كلبه ريغان ويفكر بتطبيق درس العراق على سوريا وايران

30-05-2007

بيرل يحضن كلبه ريغان ويفكر بتطبيق درس العراق على سوريا وايران

يعتبر ريتشارد بيرل واحدا من أبرز الصقور، الذين دفعوا الولايات المتحدة نحو حرب العراق، وبعد أربع سنوات وجدته سوزان غولدنبرغ غير متراجع عن موقفه السابق.
وقال بيرل إنه ليس هناك شيء يعتذر عنه. صحيح أنه وقع في عام 1998 رسالة صادرة عن المحافظين الجدد تطالب الرئيس بيل كلينتون آنذاك، باستخدام القوة إذا كان ضروريا لإسقاط صدام حسين. وصحيح أنه أيضا باعتباره رئيسا لمجلس السياسات الدفاعية بين عام 2001 و2003 وكان مستشارا لوزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد، خلال الأيام الحاسمة التي وضعت الخطط لحرب العراق. لكن النتائج السيئة التي نجمت عن تلك الأحداث، بما فيها مقتل 655 ألف عراقي كما يزعم البعض، ومقتل أكثر من 3400 جندي أميركي، في تلك الحرب التي غرزت حقدا عميقا لأميركا وجلبت العمليات الانتحارية إلى مدن أوروبا، مع ذلك قال بيرل، إنه غير نادم على أي شيء.
أضاف بيرل: «أنا اتحمل المسؤولية عما حاججت من أجله وهو ضرورة إزاحة صدام حسين عن السلطة، وأنا مستعد للدفاع عن ذلك الموقف اليوم. هل أتحمل المسؤولية عن الأمور الخاطئة التي وقعت لاحقا؟ مع الأسف أنا لا أمتلك أي تأثير على مسار الأمور».
ويأتي رفض بيرل تحمل أية مسؤولية عن نتائج حرب العراق الكارثية، في وقت انسحاب أولئك المسؤولين عنها من إدارة بوش، فأولا هناك بول وولفويتز الذي أجبر على الخروج من رئاسة البنك الدولي بعد فضيحة قيل إنه أعطى تعويضا كبيرا لصاحبته، بينما كان السبب المحرض هو الغضب منه على الحرب في العراق.
وفي يناير(كانون الثاني) الماضي أدين سكوتر لوبي رئيس موظفي ديك تشيني بالحنث باليمين، وعرقلة تحقق العدالة. وفي نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي أجبر دونالد رامسفيلد على الاستقالة كوزير للدفاع بعد الهزيمة الانتخابية للحزب الجمهوري.
ومع وجود ما يقرب من ثلثي سكان الولايات المتحدة يعارضون الحرب، قد يظن المرء أن بيرل سيبحث عن مخبأ. وفي بداية هذه السنة نشرت مجلة «فانتي فير»، مقالا تقول إن بيرل أكثر أنصار شن الحرب على العراق، قد بدل موقفه. فحينما سئل إن كان ممكنا احتواء صدام من دون حرب، قال بيرل للمجلة «ربما كان ممكنا بالنسبة لنا أن نقوم بذلك». ليصبح مرتدا آخر عن المحافظين الجدد.
لكن أصبح واضحا من حديثنا أن هناك مسافة بين تصريحه السابق وموقفه الحالي، وهناك أدلة قليلة تشير إلى أن المأزق الأميركي في العراق، جعله يعيد النظر في وجهات النظر الخاصة بالصقور، التي ظلت منارا في حياته وليس اعتباطا صنعت عمله في واشنطن.
وإذا سئلت بيرل عن رأيه بالكيفية التي يجب حل المواجهة القائمة مع إيران بخصوص ترسانتها النووية، فيأتيك الجواب مثيرا، إنه ليس متأكدا من أن الوقت حان لتنفيذ هجمات جوية على طهران، «لكن إذا كان الطريق الوحيد لمنع إيران من أن تصبح قوة نووية، هو تدمير مرفق أو أكثر، وهذا سيمنحهم القدرة النووية، فإنه لا يرى أي اساس أخلاقي لرفض الضرب كخيار».
وهو يرغب ايضا في أن تعمل الولايات المتحدة على نشر عدم الاستقرار في ايران، عن طريق تأييد أعداء النظام. ويمكن تطبيق نفس الدرس على سورية.
وعندما وصلت الى منزل بيرل في شيفي تشيز، التي لا تزال مركزا لليبراليين، خارج واشنطن العاصمة، كان باب البيت مفتوحا، وكان يجري محادثة هاتفية بصوت عال باللغة الفرنسية بطريقة ساخرة. وربما كانت مجرد هلوسة، ولكن في لحظة من اللحظات قال «أحبك» بالفرنسية. وانزلق كلب يدعى ريغان على أرضية الغرفة الخشبية، وقضي وقتا طويلا في حجر بيرل، وهو يتحدث عن العراق.
وقضى بيرل، وهو من اتباع صقر الحرب الباردة والسناتور الديمقراطي هنري سكوب جاكسون، عدة سنوات كموظف في مجلس الشيوخ، قبل حصوله على منصب مساعد وزير الدفاع في ادارة رونالد ريغان في الثمانينات. وخلال عهد ريغان حصل بيرل على سمعة بأنه شخصي يفضل ممارسة نفوذه خارج نطاق الرأي العام. ولا يزال يشار اليه، بـ«أمير الظلام» في الاوساط السياسية في واشنطن، وهو الأمر الذي يضايقه. كما انه يعرف بأنه ينتمي للمحافظين الجدد ـ وان كان يعترض على هذه التسمية ايضا، مدعيا أنه لا يزال عضوا مسجلا بالحزب الديمقراطي.
وقد انتقل إلى مجلس السياسة الدفاعية في عام 1987، وبقى هناك حتى عام 2004، عندما اجبر على ترك منصبه وسط اتهامات بأنه استخدم منصبه في محاولة للتأثير على بيع شركة اتصالات الى شركة صينية.
وتعرض بيرل، الذي لا يزال مرتبطا بعدد من مراكز البحث المحافظة، الى انتقادات بسبب دوره كمدير لشركة هولينغر انترناشونال التي يملكها كونراد بلاك. وادت ادارته لمسؤولياته في المجلس الى وصف مؤلفي التقرير الذي اتهم بلاك بالاحتيال على شركته، بيرل بأنه «وكيل غدار».
إلا أن هذه الضربات ـ بدون ذكر الفوضى الدموية في العراق ـ لا تبدو أنها أدت الى إعادة تقييم تفكيره، وقال «لم أفقد أصدقاء بسبب ذلك»، (لم اذكر له الجار الذي صاح لي قائلا، قولي له انه كان مخطئا حول الحرب، عندما توقفت للبحث عن الطريق). ويرفض القول عما اذا كان تعرض للأرق.
وبدلا من ذلك، يستمر بيرل في الارتباط بوجهة نظر أن الأحداث في العراق، التي انتهت الى فشل ذريع. وحتى الآن عندما أصبح من الواضح أن صدام حسين، لم تكن لديه اسلحة دمار شامل التي كانت حجة لشن الحرب، يصر بيرل ان قرار ازالة صدام حسين بالقوة، كان صحيحا. و«حتى بعد الاعتراف بأن بعض المعلومات كانت خاطئة، فإن الحكم بأن صدام كان يمثل تهديدا، وتهديدا خطيرا كان صحيحا». وبالرغم من كل الأدلة على العكس ـ بما في ذلك تحقيقات الكونغرس في إساءة استخدام الادارة للمعلومات الاستخبارية في الفترة التي سبقت الحرب، لا يزال بيرل مصمما على ان صدام حسين كان صديقا لـ«القاعدة».
ترى، اذا كانت الأفكار جيدة، لماذا انتهت العملية كلها الى الفشل؟ في هذه النقطة أدلى بيرل بأكثر التصريحات إثارة قائلا: واشنطن لم تفعل ما فيه الكفاية لدعم معارضين عراقيين في السابق مثل أحمد الجلبي. إلا ان بيرل لم يحدد بصورة واضحة ومباشرة من يمكن ان توجه اليهم مسؤولية ذلك. وتحاشى بيرل بعناية توجيه المسؤولية الى الرئيس بوش أو جماعته من الصقور والمحافظين الجدد، إذ لم يذكر اسم تشيني او أي مسؤول سابق في البنتاغون أو وولفويتز ودوغلاس فيث. بعد مسامحة المفكرين، الذين زرعوا بذرة الحرب والمدنيين الذين لعبوا دورا في التخطيط للحرب، وجّه بيرل غضبه الى توم فرانكس قائد القوات الاميركية السابق في العراق. ويقول بيرل من ضمن اكبر إخفاقات فرانكس، الفشل في وقف عمليات السلب التي جرت عقب سقوط النظام. وأعرب بيرل عن اعتقاده في أن عمليات السلب مشكلة خطيرة، وخطأ لا يمكن تبريره من جانب فرانكس والعسكريين الأميركيين. ويقول بيرل عن فرانكس، انه لا يضع لها اعتبارا يذكر، وأضاف ايضا انه يعتقد ان فرانكس غبي، وأن هذا هو اعتقاده منذ أن رآه لأول مرة. سيذكر كل من تابع الأحداث خلال تلك الفترة، ان دونالد رامسفيلد وزير الدفاع السابق، قد قال معلقا على عمليات السلب بقوله ان «مثل هذه الأشياء يمكن ان تحدث». إلا ان ثمة تفهما من جانب بيرل تجاه حديث رامسفيلد، إذ يقول ان رامسفيلد كان يقصد ان العراقيين عانوا من نظام صدام حسين، وانهم كانوا يريدون حرق رموز كل ما هو رسمي. هل العراقيون افضل وضعا الآن، مقارنة بما كان عليه حالهم تحت ظل حكم صدام حسين؟ أجاب بيرل عن هذه السؤال بقوله، إن الإجابة عن هذا السؤال، يجب ان تترك لجيل مقبل من العراقيين، كي يحدد ما اذا كانت حياتهم أسوأ الآن، ام خلال فترة حكم صدام حسين.
هل كان الأمر يستحق خوض حرب ضد نظام لم يكن يشكل خطرا وشيكا على الولايات المتحدة؟ يرى بيرل ان الحديث حول قرب حدوث الخطر، ليس هو القضية الأساسية.
هل يمكن وصف الوضع في العراق بالكارثة؟ أجاب بيرل عن هذا السؤال قائلا، ان كلمة كارثة استخدمت كثيرا، وقال ان الوضع في العراق هو الوضع كما يراه الناس. ويلاحظ ان الحديث عندما يكون متجها الى عمق المسألة، لا يبدو بيرل حريصا على الحديث حول واقع العراق. بالنسبة لبيرل تبدو الحرب أمرا يحدث لآخرين، كما انه بالنسبة له وضع لا يكون للأشخاص العاديين رأي تجاهه، أي الذين لا يطلعون على التقارير السرية، ويعتمدون على الصحف والتلفزيون في تلقي المعلومات. وقال بيرل انه تعلم عام 1974 درسا عندما زار سايغون مع اقتراب نهاية الوجود العسكري للولايات المتحدة في فيتنام. قال بيرل ايضا انه عندما توجه الى فيتنام توقع أن يرى، كقارئ للصحف، مشاهد مؤلمة ودمارا واسعا، لكنه عندما وصل الى سايغون، لم ير ما يمكن ان يشير الى وجود حرب سوى أكياس الرمل أمام المباني الحكومية. وأضاف قائلا ان الحياة على الأرض كانت عادية تماما ولم أشاهد أية حرب هناك. وبعد حوالي عام من زيارة بيرل الى فيتنام، خرجت القوات الأميركية، وبدأت المروحيات في إخلاء من كانوا في السفارة الأميركية في سايغون. إلا أن بيرل يؤكد انه لم يشعر بأنه كان في منطقة حرب. لا غرابة إذن، بعد مرور ثلاثين عاما، في ان يؤيد الحرب في العراق، ولا يعرف ما يمكن أن يحدث فيما بعد.


واشنطن: سوزان غولدنبرغ

المصدر: الشرق الأوسط

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...