الحجاج يعود بعباءة أمريكية

27-10-2006

الحجاج يعود بعباءة أمريكية

هل صحيح, كما يقول نور المالكي, ان زمن الانقلابات العسكرية ولّى في العراق؟
الاسابيع الاخيرة حافلة بالدعوات €الأميركية والعراقية معاً€ الى تشكيل «مجلس انقاذ» من ضباط اكفياء, باشراف الجنرالات الاميركيين, لتحمّل مسؤولية الأمن, وفي الوقت نفسه تشكيل حكومة تكنوقراط من اصحاب الخبرة لتأمين الخدمات, وتقليص عدد الوزراء, وتعليق اعمال البرلمان واعلان حالة الطوارئ في ظل الاحكام العرفية والمحاكم الميدانية.
انه «الحجاج» يعود في عباءة اميركية, لأن الديمقراطية مؤجلة. او لنقل انه عبد الكريم قاسم €14 تموز€يوليو 1958€ يعلن الثورة على النظام الملكي, ثم يدشن عهداً من الانقلابات تواصل على امتداد عقد كامل بين عامي 1958 و1968, انقلاب شباط €فبراير€ 1963 كان فيها العلامة الفارقة التي أوصلت البعثيين العراقيين الى السلطة.
مرحلة ما بعد حزيران €يونيو€ 1968 تحمل عنواناً وحيداً هو صدام حسين, وهي مرحلة لم تنقطع حتى دخل الاميركيون بغداد.
اليوم, بعد اكثر من اثنين واربعين شهراً على هذا الدخول, يقول نوري المالكي €وكأنه يحاول الهروب الى الامام€ ان «الشعب وحده هو الذي يحدد شكل النظام السياسي في العراق». ويضيف «ان الشعب هو صاحب الكلمة وحامي النظام, والزمن الذي كان يفرض فيه النظام بالدبابات والمؤامرات انتهى... وليس هناك انقلابات ولا مهل تعطى لهذه الحكومة او تلك بعد الآن».
والمفارقة ان المالكي الذي يعرف اكثر من سواه انه لا يملك شيئاً, لا يجد غضاضة في التمويه على الحقيقة. والحقيقة ان فرص الرجل في ضبط الأمن تشبه فرص إبليس في دخول الجنة, وفرص حكومته في إعادة توحيد العراق تشبه فرص بوتين في إعادة توحيد الاتحاد السوفياتي.
اقليم كردستان في الشمال بات في حكم المنفصل, سياسياً وادارياً, وليس للقوات العراقية عليه اي سلطة.
والشيعة العراقيون موجودون في السلطة وفي «فرق الموت» في آن, وبعدما استعانوا بالقوات الاميركية في التخلص من صدام, هم يتهيأون لمقاومة المشروع الاميركي ومنع إطالة مدى احتلال العراق.
والسنة يقاومون على طريقتهم من اجل استعادة مواقعهم ­ او بعضها على الاقل ­ ويراهنون على معادلات جديدة, اقليمية ودولية, لم تولد حتى الآن.
والحسابات الأميركية ليست بالضرورة كردية او شيعية او سنية. انها حسابات استراتيجية على مستوى المنطقة الممتدة من افغانستان حتى السودان, بقدر ما هي حسابات انتخابية في الداخل الاميركي. والتصدع الكبير الذي يعاني منه المشروع الاميركي,وفشل كل الخطط الامنية التي وصفها جنرالات «البنتاغون», وارتفاع عدد القتلى في صفوف «المارينز»... كلها تدفع بالادارة الجمهورية الى خيار آخر هو العودة الى «طريقة صدام» في حكم العراق.
وحده صدام حسين يمكن ان ينقذ جورج بوش من المأزق, من حيث يدري او لا يدري.
الديمقراطية مؤجلة والعسكر قادمون.
والمفارقة الاخرى ان واشنطن التي تستعد لاصدار حكم اعدام بالرئيس العراقي السابق, هي نفسها واشنطن التي تستعد لتغيير ما تسميه «تكتيكاتها» في العراق, وتواصل من تحت الطاولة مشاوراتها مع قيادات بعثية سابقة, عسكرية ومدنية, وجماعات مسلحة تتعاون مع هذه القيادات.
اما زلماي خليل زاد الذي قاد «المعارضة العراقية» بالأمس ودعاها الى الاصطفاف وراءه في حكم «العراق الديمقراطي الجديد», فهو نفسه الذي يرسل كل يوم تحذيرات الى المالكي مفادها ان «صبر الرئيس بوش قد نفد» وان على الحكام الجدد ان يتحملوا مسؤولياتهم» قبل ان يعود الى الاتكال على الصداميين.
خلال شهر رمضان فرضت الحكومة العراقية منع التجول في بغداد لمدة 48 ساعة, لاحباط ما تردد انه «محاولة انقلابية» يهيئ لها العسكر بمباركة اميركية. بعدها استعجل الائتلاف الشيعي الحصول على مصادقة مجلس النواب على مشروع قانون الاقاليم.
لكن المالكي ينسى ­ او يتناسى ­ ان «التكتيكات» الاميركية البديلة قد تعلّق صلاحيات مجلس النواب حتى اشعار آخر.
... وان «طريقة صدام» هي الحل الأخير.

فؤاد حبيقة

المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...