حصاد المواطن السوري من الخطة الخمسية العاشرة

19-04-2010

حصاد المواطن السوري من الخطة الخمسية العاشرة

إضافة إلى الأزمات اليومية التي يعانيها ويعيشها المواطن السوري بسبب ارتفاع أسعار المواد التموينية والاستهلاكية وضيق الإمكانات وضعف القدرة الشرائية، التي لم تعد قادرة على تأمين الحياة المعيشية اليومية بشكل يحفظ كرامة المواطن، فإن الكثير من المواطنين يعيشون حالة تشرد وترحال وعدم استقرار بسبب حاجتهم الدائمة إلى مسكن ثابت، الأمر الذي لم تتم معالجته على مدى عقود طويلة، مما جعل من أزمة السكن معضلة تحوم الحكومة حول ضرورة حلها، ولكنها لم تُظهِر نية جادة للعمل على ذلك على أرض الواقع.

رغم أزمة السكن الخانقة والمثيرة للكثير من المشكلات والاضطرابات البيئية والاقتصادية والاجتماعية، ورغم الحاجة الكبيرة لبيوت السكن عند الشرائح الواسعة من المواطنين السوريين، وخاصة ذوي الدخل المحدود، فإن الدراسات المتعلقة بأزمة السكن تشير إلى أن نسبة إشغال المساكن المشادة في سورية لا تتعدى الـ60%، وهذا يعني أن 40% من المساكن غير مشغولة، لأن شروط هذا العرض الكبير تخدم شريحة معينة من الأغنياء، ولا تتناسب مع ظروف ذوي الدخل المحدود من موظفين صغار ووافدين من المحافظات السورية والأرياف إلى المدن الكبرى، وخاصة العاصمة، بقصد العمل. وحسب الدراسات فإن هؤلاء يطلبون منزلاً لا يتجاوز سعره المليون ليرة سورية ومعظمها يتم تأمينها بقرض من المصرف العقاري وتبلغ نسبتهم 65% من طالبي السكن الذي يبلغ عددهم حوالي 1.5 مليون رب أسرة، والمسكن الذي تطمح به هذه الشريحة لا يتعرض بأي شكل من الأشكال لمضاربات السوق العقارية، بينما هناك شريحة من المواطنين لا تتجاوز الـ5% من الراغبين بشراء منزل، وهم مواطنون من الطبقة الغنية، إما مغتربون أو تجار أو حديثو النعمة، فإنهم قادرون على الحصول على مسكن يصل سعره الخاضع للمضاربات والاحتكار بدءاً من 6 مليون ليرة سورية وقد يصل إلى 50 مليون ليرة سورية، حسب المنطقة والتوضع والمساحة.

وهنا نشير إلى أن الـ40% من المساكن غير المشغولة تنتمي إلى هذه الفئة، حيث يوجد في سوق العقارات السورية عروض كبيرة من المستثمرين العرب والأجانب، الذين يعتمدون على القرارات والقوانين التي تسهل عملهم وتحمي استثماراتهم، أي أن 40% من سوق العقارات تلبي 5% فقط من طالبي السكن.

أسباب استمرار أزمة السكن وارتفاع أسعار العقارات

عملت الحكومة بقوانينها الاقتصادية الليبرالية لإطلاق يد التجار وحيتان المال والمتنفذين للتحكم بتجارة المواد الأساسية ومنها مواد البناء كالإسمنت والحديد والخشب والتحكم بأسعارها احتكارياً، إضافة إلى التراكمات السابقة عبر العقود الطويلة حيث لم تقم الحكومات المتتالية بواجبها في وضع خطط وبرامح عملية مستدامة لحل أزمة السكن وتأمين المسكن الشعبي للمواطنين وبأسعار وشروط سهلة لا ترهق كواهلهم ولم تأخذ بعين الاعتبار الزيادة في النمو السكاني على مر السنوات، وحتى الحكومة الحالية فقد نفضت عن كاهلها مسؤولية الحل الجاد وأوكلت به إلى الشركات الاستثمارية والتجار.

هل ينطبق حساب الحقل على حساب البيدر؟

وصل سعر الشقة المتواضعة التي تلبي الحد الأدنى من حلم المواطن لتأمين سكن كيفما اتفق، خلال العقد الأخير إلى ما لا يقل عن مليوني ليرة سورية في أسوأ الأحوال، فإن صاحب الدخل المحدود الذي يصل متوسط دخله الشهري إلى 12000 ل.س، علماً أن الذين يقبضون هذا المبلغ صافياً في هذه الأيام قليلون جداً من المواطنين، ولو حاول جمع ثمن الشقة بحيث يُقتِّر في المصروف على نفسه ويعيش بالحد الأدنى من مستوى المعيشة الذي يلامس خط الفقر، ويصرف على معيشته وخدماته 6000 ل.س فقط، ويوفر الـ6000 الأخرى في صندوق أحلامه ثمناً للشقة، فإنه يحتاج بالحد الأدنى إلى 28 سنة فقط كي يتمكن من جمع ثمنها، ولو حصل عليها بقرض من المصرف العقاري فإنه سيستغني حينئذ حتى عن الحد الأدنى للمعيشة، لأن المصرف العقاري يعطى القروض العقارية بفوائد مرهقة تزيد عن 5% عن كل سنة، فقرض المليون ل.س يسدَّد بمليون وستمائة وخمسين ألف ليرة سورية خلال عشر سنوات، أي يكون القسط الشهري حوالي 13700 ل.س، وهو ما يزيد عن متوسط دخل صاحب الدخل المحدود، فيعيش حينها دون أكل أو شرب لتأمين القسط. أو يتم تسديده خلال 25 سنة حوالي مليونين وربع المليون أي بمعدل القسط الشهري 7500 ل.س، ويتبقى له الفُتات خلال ربع قرن من الزمن.

للوقوف على حقيقة وتفاصيل أزمة السكن، واستحالة الحصول على مسكن في سورية، التقت «قاسيون» عدداً من المواطنين (مستأجرين ومكتتبين، مقاولين ومتعهدين، أصحاب مكاتب عقارية وسماسرة)، وكانت آراؤهم متقاربة، حصلنا منها على الشهادات التالية:

ـ المواطن (حسن بقاعي) مستأجر ورب أسرة من خمسة أفراد، يعمل عملاً إضافياً لتدارك لقمة العيش، حيث أن راتب الوظيفة يذهب كله بدلاً لإيجار الشقة، التي لا تنطبق عليها مواصفات الشقة، قال: «صار لي عشرين سنة عايش بالإيجار، وكل سنة أسوأ من التي قبلها، والإيجارات ترتفع وأسعار مواد المعيشة ترتفع، ومتطلبات الحياة تزداد يومياً، ونحن نمضيها بالترحال والتنقل، كل فترة في بيت شكل، الأثاث المتواضع الذي كنا نحافظ عليه بريف عيوننا تكسر من كثرة التنقل، وفي كل بيت نصادف مشكلة بالخدمات، فمرة السقف يسرب علينا مياه الأمطار، ومرات كثيرة الشقة لا ترى الشمس وغير صحية وغير صالحة للسكن الآدمي ومع ذلك فأصحاب الشقق لا يرضون أقل من عشرة آلاف ليرة إيجاراً للشقة، وهذا مرهق لنا ويسبب لنا القلق والاضطراب في مصروف العائلة، وعدم الاستقرار، أين الحكومة؟ وأين دورها في حل أزمة السكن».

ـ المواطن عمار.ش قال: «كنا نرى آباءنا كيف يركضون الليل قبل النهار لتأمين لقمة العيش وبدل إيجار المسكن، وكنا نحلم بحل أزمة السكن بعد إطلاق الحكومة وعوداً كثيرة بحلها، عن طريق السكن الشبابي وغيره، وسعياً وراء تحقيق أحلامنا اكتتبنا على منزل بالسكن الشبابي ضمن عدد من المسجلين علمت أنه وصل 60 ألف مكتتب، وننتظر بصبر جميل ونمني النفس بنيل الاستقرار وتحقيق الحلم، في بيت قد يكون صغيراً جداً لا تزيد مساحته عن 60 متراً مربعاً، ولا يزيد ارتفاعه عن 3 أمتار، وقد تكون كسوته عادية جداً أو أقل من عادية، وقد يشبه علب الكبريت، لكنه بالمحصلة بيت يسترنا ويؤوي رؤوسنا، ومستعدون لتسديد ثمنه مهما كان مرهقاً في الخمس والعشرين سنة القادمة، ولكن ها قد مرت سنوات طويلة أصابنا خلالها اليأس والمرارة والمعاناة من جديد، فقد كان من المفترض أن يكون حوالي عشرة آلاف مكتتب قد استلم بيته الآن ويعيش فيه، لكن هذا لم يحصل سوى لبضع مئات من المحظوظين فقط أو الواسطات».

ـ المواطن هشام.ر صاحب مكتب عقاري ومتعهد سابق قال: «هناك كساد اقتصادي طال كل شيء وبالأكثر العقارات، والسبب هو تجميد رؤوس الأموال الكبيرة في العقارات الفخمة التي لا تلبي حاجة المواطنين العاديين بل تخدم الأغنياء فقط، وحتى المساكن العادية في المجمعات السكنية الشعبية المنظمة قد زادت أسعارها في السنوات الأخيرة بشكل مجنون، وبات شراء شقة متواضعة من قبل صاحب الدخل المحدود مستحيلاً، وحتى في السكن المخالف والذي يفتقر لأدنى شروط الصحة والسلامة والسكن الإنساني وصل سعر المتر حوالي 15000 ل.س، ولكن مازال الناس على حلمهم بأن تعود الأسعار للانخفاض إلى المستوى المعقول الذي كان قبل سبع أن ثمان سنوات، إلا أن هذا لن يحدث لأن الحكومة يغير جادة بحل أزمة السكن، بل إن قراراتها وقوانينها، وخاصة قانون الاستثمار العقاري يخدم شريحة صغيرة من التجار والسماسرة والمقاولين والمضاربين والشركات الخاصة، التي معظمها غير وطنية، وتسابقت من تركيا وإيران والصين لعلمها الأكيد أنها ستحقق أرباحاً خيالية على حساب المواطن السوري، وليس همها أبداً حل أزمة السكن في سورية».

لأجل مسكن آمن ومستقبل مستقر

إن أزمة السكن في سورية تزداد حدةً عاماً بعد عام بسبب تدني مستوى دخول معظم المواطنين السوريين، إلى جانب الغلاء الفاحش لأسعار العقارات، التي بلغت خلال العقد الأخير أرقاماً خيالية، والسبب الأول والأساسي هو تخلي الدولة ومؤسساتها عن دورها في رعاية المواطن وتأمين حاجياته ومستلزماته، والتقصير الكبير في برامج وزارة الإسكان والمؤسسة العامة للإسكان، التي يجب أن تضطلع بشكل جاد ومستدام بوضع خطط إعمار تجمعات سكنية تبدأ تباعاً بتلبية حاجات طالبي السكن، تحت إشراف الدولة ومؤسساتها وليس تحت شروط احتكار التجار وطمعهم وجشعهم.

كما يجب أن يساعد المصرف العقاري بحل هذه الأزمة وذلك بإعطاء قروض للمواطنين منخفضة الفوائد، وزيادة المبلغ المحدد للإقراض، وتخفيض الأقساط الشهرية، والتساهل في الشروط للحصول على القرض، بحيث يكون العقار هو الضمانة لحقوق المصرف العقاري المالية، ولتكن مدة تسديد القرض مفتوحة حسب إمكانات المقترض ورغبته وراحته في تسديد القرض، حتى ولو وصلت هذه المدة إلى خمسين سنة، فما الذي يمنع؟!! حينئذ لن تكون هناك أية مشكلة لدى المواطن في تسديد الأقساط، ولا تشكل له هماً جديداً أو عبئاً على حياته المعيشية اليومية.

خلاصة القول

إن ما يعيق حل المسائل الاقتصادية والاجتماعية في سورية، وخاصة أزمة السكن، هو تخلي الدولة عن دورها الرعائي، وإصدارها لقرارات وقوانين تساعد على تحكم شريحة صغيرة من التجار والمستثمرين بالثروة، ويعملون على احتكار النشاطات الكبيرة في القطاع العقاري، الأمر الذي حرف السوق العقارية عن الغرض الأساسي الذي يهدف له حل الأزمة، وهو تأمين سكن ضمن الشروط المقبولة والمعقولة لشريحة كبيرة من أصحاب الدخل المحدود. لذلك فعلى الدولة استعادة دورها في رعاية المواطن بهذا الاتجاه بإقامة ضواح سكنية متكاملة وبناء مساكن لشريحة واسعة من الناس تنتظر بفارغ الصبر الحصول على مسكن أمن ومستقر، كما يجب الإسراع بإعداد المخططات التنظيمية وتعديل نصوص قوانين العمران ورسم سياسات تنموية في المدن الصغيرة والأرياف، أم أن القرارات لا تصدر إلا خدمة لمصالح التجار والشركات الاحتكارية وحيتان المال؟!!

يوسف البني

المصدر: قاسيون

التعليقات

بالبداية أعتذر على التعليق على موضوع العلم هنا بالمكان غير المخصص والسبب أنكم لم تتركوا فرصة للتعليق على موضوع العلم السوري بصراحة أحب أن أنوه لموضوع العلم السوري و ما يعنيه من ألوان هي الأبيض ودلالته للعصر الأموي ونحن نعرف أن الأموين من مكة وليسوا من دمشق واللون الأسود ودلالته للعصر العباسي والعباسيين هم أيضا من مكة وليسوا من سوريا واللون الأخضر هو لون العصر الراشدي وكلهم من مكة أيضا وليسوا من سوريا وعليه فإن العلم السوري يصلح للسعودية وليس لسوريا فلا أرى بعلم سوريا شيء عن المسيحيين أو أي رمز له علاقة بسوريا. ربما دم الشهداء يدل ولكن أصدقائي كل الدول لديها شهداء..... الرجاء طرح الموضوع إدا كانت مساحة الحرية كافيه لطرح هكذا موضوع

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...