الثوار يهزون الشجرة والإخوان يلمون الثمار

24-05-2011

الثوار يهزون الشجرة والإخوان يلمون الثمار

سجلت الاستخبارات فيلماً اميركياً بامتياز وقضت على الممثل الشرير بعملية كومندوس برهن فيها الاميركيون أنهم اسياد القضاء والقدر في الاغتيال والقتل. ورغم ان العالم بأجمعه قد هتف لهم ورقص وغنى بما فيه العالم الاسلامي الذي سجل منظومة فقهية مفادها ان الانظمة الاسلامية وحدها هي حامية الدين الصحيح في حين ان الجماعات والافراد المسلمين خارج الانظمة هم مارقون وكفرة حتى ولو ارتدوا عباءة الاسلام ونطقوا باسم الاسلام وقتلوا اعداء الاسلام أو أي انسان ارتأوا انه يستحق قصاص الله وهم منفذوه.
لذا فإن حلم الجماعات المتطرفة الاسلامية هي أن تأخذ الحكم والسلطة كما حاولت (طالبان) أو أن تحصل على ترخيص رسمي يساعدها على الولوج في الحياة السياسية والوصول الى السلطة بشكل رسمي. من هنا فقد استطاع الاخوان المسلمون في مصر أن يحصلوا على اذن بترخيص حزب لهم بعد جفاء واضطهاد السلطة لهم بدءاً من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حتى رحيل الرئيس المخلوع حسني مبارك، واسباب الاضطهاد والقمع متعددة اولها هو معرفة الرؤساء ان الاخوان قادرون ان يصلوا الى السلطة بسبب انتشارهم الكثيف في الاوساط الاسلامية الفقيرة وهي السواد الاعظم من الشعب المصري، وبالتالي فإن أي سلطة اخرى لن يكون لها مكان في مصر، وثانيها، ان مشروع الاخوان يمتد من مصر الى خارجها لأنه مشروع شمولي وليس محصوراً مما يعني عدم امكانية تحريك هذا النظام لاحقاً وثالثها، لأن الدوائر الغربية كانت باستمرار ضد أي قوة اسلامية تنشأ مما يدفعها للضغط على الحكومة المصرية والحكومات العربية لاحقاً لرفضها وقمعها. وقد كان عبد الناصر واضحاً في تصويره لمخاطر أي حكم اسلامي لذا، أجاب اثناء زيارته لباكستان عام 1960 على سؤال حول امكانية تكوين جبهة للكتلة الاسلامية: ان التحالف الاسلامي يقضي على الدولة القومية. «اذا عقدنا كتلاً على اساس ديني فهذا يعني ان تكون كتلة اسلامية واخرى مسيحية واخرى يهودية وهذا ما يزيد التنافر والتطاحن بين سكان العالم ولا يخدم قضية السلام العالمي والاستقرار الدولي».
لقد وعى عبد الناصر ان قيام الدولة القومية مناقض لقيام دولة دينية لذا كان الاخوان المسلمون بنظره هم اعداء الأمة واعداء الدولة.
لكن لأن المد الاسلامي كان مرشحاً لأن يكتسح الانظمة العربية فقد فطن المسيحي ميشال عفلق الى قوته ففلسف الاسلام واعتبره «عام وخالد ولكن عموميته لا تعني انه يتسع في وقت واحد لشتى المعاني والاتجاهات بل انه في كل حقبة خطيرة من حقب التاريخ يفصح عن احد معانيه اللامتناهية»، ويقول «ان التعامل مع الاسلام اليوم كالتعامل في الماضي من حيث الصورة هو تحجّر ضد الاسلام والتعامل في تغيير جوهره هو ضده ايضاً، وبما ان الصورة تتغير طبق الزمان والمكان والجوهر يبقى. فالحاجة اليوم هي اكتشاف الصورة المناسبة للزمان والمكان في الاسلام لاعادة تطابق الجوهر مع المظهر» ويخلص عفلق الى اعتبار القومية العربية هي هذا الاكتشاف.
بعد خمسين عاماً من اجتهاد عفلق وقناعات عبد الناصر يثبت الاسلام نفسه ويحقق نبوءة عفلق الذي قال «الاسلام كان كامنا في النفس العربية واتى وقت من الاوقات تحرك كما يكون البركان في باطن الارض، انفجر ولم يستطع الاكتفاء بذاته». واذا كان عفلق لا يتنبأ على الاسلام السياسي بل الروحي والفكري لأنه ارسى قواعد الدولة العلمانية الحديثة التي ما زالت حتى اليوم في سوريا، ونسبياً في مصر، واكثر نسبية في تونس، الا ان الحراك الشعبي الجماهيري العربي اثبت ان الاسلام قادر ان يكون مشروعاً سياسياً في هذه البلدان.
لكن السؤال الاساس هو: هل الدين الاسلامي هو حكماً مرادف للسلطة السياسية؟ وللاجابة عن هذا التساؤل تمكن المقارنة مع الاديان الاخرى خصوصاً التوحيدية.
منذ ان بدأ رعمسيس الثاني في الاسرة العشرين من سلالات الفراعنة يعتبر ان فرض الهه على الآخرين هو الضمانة الاساس للاستمرار في استعمارهم صار الدين مرادفاً للسلطة السياسية، وقد كرس موسى هذا الأمر في الدولة العبرية ثم الامبراطور قسطنطين في الدولة المسيحية ومن ثم محمد في الدولة الاسلامية. اذاً الاسلام ليس حالة طارئة في ان يكون سلطة سياسية ويقيم دولة اسلامية كما هي الحال في السعودية السنية وايران الشيعية.
المشكلة التي يواجهها الاسلام هي نوع الدولة الحديثة الاسلامية، لقد حاولت الجمهورية الاسلامية الايرانية ان تعطي شكلاً لهذه الدولة وهي تصارع من اجل اثبات وجودها امام دول الغرب التي اسقطت الدين من سلطتها السياسية ظاهرياً لأن في واقع الأمر فإن المادة التحريكية للعملية السياسية الاميركية على الاقل هي دينية بامتياز والرهاب الذهني الذي يعيشه الغرب تجاه الدولة الصهيونية دليل على قوة الدين السياسي لديه.
لكن هل الثورات الشعبية العربية يمكن ان تقبل بسلطة اسلامية دينية للاخوان المسلمين في مصر يقولون (ويفعلون) انهم سيصلون الى السلطة من خلال الممارسة الديموقراطية وسيحصدون 50% من مجلس الشعب مما يعني ان في اماكنهم التغيير في مصير التشريع المصري وبالتالي تلوين السلطة السياسية بلون الاسلام الذي يريدونه.
لكن الأمر لا يبدو ممكناً في تونس ولا في سوريا، ورغم ان النظام السوري متقارب وذو تحالف استراتيجي مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، الا أنه نظام علماني يرفض اقامة نظام ديني اسلامي. وهو لا يعتبر الدعوات التي يطلقها النظام الايراني للشعوب العربية تتوجه نحو اقامة دول اسلامية تعنيه، لكنه بدأ يشعر أن هذا التقارب بينه وبينها لم يأتِ عليه بالخير الوفير فإن اليقظة الدينية ساهمت الى تحريك دماء الاخوان المسلمين المقموعين في سوريا وانتظر هؤلاء الاخوان في سوريا كما في مصر حتى بدأت القوافل الاولى تسقط من المتظاهرين بحيث صار الدم هو اشارة المرور لهم كي يعلنوا على وجودهم.
ولعل النظام السوري بحاجة اليوم ان يوّحد كل القوى العلمانية لمواجهة الاخوان المسلمين وبالتالي ينقلهم من خانة العدائية له الى خانة العدائية للدولة الاسلامية وهذا ما يعني استمالة المفكرين القابعين في السجون السورية واصحاب الفكر والقبول الشعبي وجعلهم فاعلين ومشاركين في الحكم بحق، عندها يصبح بحالة اقوى تمكّنه من استعادة القرار، لكن هذا لا يكفي فإن اعادة النظر في مواقفه تجاه الدولة الاسلامية المتمثلة في السعودية وايران تحتاج الى كثير من الدراية، والى تغيير حقيقي في استراتيجية هذه العلاقة بما يكفل استمرارية النظام العلماني في سورية.
اما في مصر، فالوضع اصعب لأن النظام كان اقل علمانية من سوريا وقوة الاخوان ستكون مؤثرة اكثر مما يعني احتكاكات حتمية بين الاخوان والاقباط ورغم ان الاخوان يشيرون الى انهم يريدون دولة مدنية وانهم لا يريدون الرئاسة وان السلفيين هم غيرهم وهم على خصام معهم. الا ان القبطي لا يميّز بين الاخوان والسلفيين بحيث يعتبر ان الاخوان هم سلفيون بامتياز، لذا لا حل الا باعادة عسكرة النظام المصري بقوة لضبط الامور السياسية. اما في تونس فإن الغلبة ستكون للعلمانيين على الارجح لأن بورقيبه رغم كل العرج في سياسته كرس قوانين علمانية من الصعب ان يقبل الشباب التونسي بتغيرها لصالح الدولة الاسلامية الدينية.
والسؤال الاخير المطروح: هل المستقبل المرتجى هو الدولة الدينية في زمن يطالب الشباب فيه بالعلمانية؟ والجواب، عندما تكون العلمانية لا تملك برامج اقتصادية واجتماعية وسياسية فإن الدين يطرح نفسه بديلاً.

ميشال سبع

المصدر: السفير 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...