هل التربية الإعلامية.. ضرورة توعوية ومجتمعية وعامل وقاية من عنف الميديا ؟

01-02-2020

هل التربية الإعلامية.. ضرورة توعوية ومجتمعية وعامل وقاية من عنف الميديا ؟

أثارت حادثة وفاة طفلة لم تتجاوز العاشرة من عمرها صدمة كبيرة لدى المجتمع السوري، خاصة أن سبب الوفاة يعود لتقليدها مشهداً درامياً من أحد المسلسلات التي تحظى بجماهيرية كبيرة، حيث قامت الطفلة بتقليد بطلة المسلسل التي يقوم الفرنسي بإعدامها، وما أثار حفيظة شريحة كبيرة من السوريين هو قيام المحطة التلفزيونية التي تبث المسلسل بعرض مشاهد الإعدام أكثر من مرة بعد حادثة مقتل الطفلة من دون الالتفات إلى ما حدث مؤخراً، ما يثير الكثير من التساؤلات عن المسؤولية الكبيرة لوسائل الإعلام المتمثّلة ببث العنف والترويج له عن قصد أو غير قصد وجهل.

بين الواقع والخيال


لكل دوره المنوط به، سواء المدرسة، أو البيت والمجتمع، ففي أحد البرامج التلفزيونية تسأل المذيعة أحد أبناء الفنانين المعروفين إذا كان يريد أن يصبح ممثّلاً كوالده، فيجيبها جواباً يدل على قدرته، على الرغم من صغر سنه على التفريق بين ما هو تمثيل، وما هو واقع، بأنه يريد أن يصبح لاعب كرة قدم، لأن هذا الأمر حقيقي، بينما التمثيل هو شيء مزيف، وهنا يبرز بوضوح دور الأهل في تربية الطفل وتوعيته على التفريق بين الواقع والخيال، وفي حقيقة الأمر هذا الموضوع يأخذ كثيراً من تفكير النقاد الاجتماعيين، وأهل الدراما، وفي الوقت نفسه عوامل ووضع المجتمع وبنيته تساعد على حدوث مثل هكذا حوادث وقضايا، خاصة “بعد الحروب”، وهناك أمران: الساحة العريضة لهذا النوع من المسلسلات، والتقليد لأفعال درامية التي تحدث عموماً، ولكن في فترات الكوارث والحروب تزداد، وبالنسبة لحادثة الطفلة المؤسفة تعتبر واحدة من قضايا كثيرة تحدث عموماً، فمشاهد العنف والقتل والاغتصاب والإعدام بكل أنواعه هي حد أمام إنسانية الإنسان، حد سلبي خطير، هذا الحد في فترة الرخاء الماضية نادراً ما سمعنا به، حيث لا حاجة للعنف المجتمعي، سواء كان عنفاً جسدياً، أو مادياً، أو رمزياً، وهنا يأخذنا الحديث لنذهب إلى ما وراء العنف، وما هي البيئة المؤسسة للعنف، لأن هذه الطفلة بالنتيجة هي نتيجة هذه البيئات، أو نتيجة بيئة معولمة لتجييش العنف، وهناك أمر مهم جداً أيضاً لابد من الحديث عنه هو التكامل بين المدرسة والبيت الذي بطبيعة الحال فقدناه وأصيب بشرخ، ففي الفترة الماضية القريبة فقدت الثقة بين الطرفين “الأهالي والمدرسة”، حيث الاتهامات المتبادلة بينهما، حتى إن المدارس أحياناً تكون على علم بالمشكلة، لا بل المشكلة بداخلها ولا تقوم بحلها، هذا ما كان يحدث بشكل عام، أو بالوقت الطبيعي، أما في الوقت الحرج، أو في الحروب والكوارث كالحرب التي نعاني منها، فلابد أن نعترف بأن المدرسة تنوء تحت عبء ثقيل من المشاكل المتبادلة ما بين المجتمع وبيئة المدرسة.

الدور المنوط بالمدرسة

مقررات الإعلام التي تربي وتهيىء الطفل موجودة ولها أنشطة، وهناك وحدات تعليمية قائمة على هذا الأمر، لكن تفعيل الأنشطة أحياناً له عقبات أهمها الأعداد الكبيرة، والازدحام في الصف، فعلى سبيل المثال الأعداد تصل في بعض مدارس حلب إلى ما يقارب مئة طالب في الصف الواحد، وهنا تكمن الصعوبة بالقيام بإجراء نشاط لهذا العدد الكبير، خاصة إذا أردناه “نشاطاً نوعياً”، حسب ما أوضح الدكتور حليم أسمر، “كلية التربية جامعة حلب” الذي شدد أيضاً على المحاولة قدر الإمكان من أجل تفعيل الأنشطة الصفية، وإعادة النظر في المسألة السكانية التي حتى الآن لا يوجد من يعطيها الانتباه الكافي، لأن النافذة السكانية في سورية مازالت خصبة، إذاً، حسب رأيه، حل المشكلة ببساطة يتمثّل بإعادة النظر بعدة أمور، منها عدد الطلاب في الصف، إضافة لطريقة الدروس، والتعاون الواضح بين المدرسة والمنزل، ومن ثم إعادة النظر بالمدرسة على أنها بيئة صفية آمنة للتنمية والتنوع والإبداع،والتأكيد على ضرورة تفعيل الإعلام التربوي في كل مدرسة، ثانياً لابد أن يكون الإعلام إعلاماً واقعياً يسلّط الضوء على ما يحدث، أي لا يكون إعلام مناسبات، عليه التحلي بالشفافية، فالإعلام واقعيته ضرورية جداً لحل المشاكل التي نواجهها لنتمكن من إعادة الثقة المتبادلة بينه وبين جمهوره.

إعلام متهم بترويج العنف!

أشار الدكتور عربي المصري، رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون في كلية الإعلام جامعة دمشق، إلى نقطة مهمة جداً هي أن وسائل الإعلام بشكل عام متهمة بأنها مروّج للعنف، وأن العنف مصدره التلفزيون، وأن هناك أكثر من اتهام دولي، آخرها كان التقرير الصادر عن اليونسكو الذي يقول إن الإعلام في الوضع الراهن يؤدي إلى تنشئة الأطفال بطريقة غير سوية، مشيراً إلى أن اليونسكو تتبنى مشروع التربية الإعلامية، بدليل أنها ترعى هذا المشروع وتضعه ضمن أهدافها الأساسية نتيجة الخطورة الناجمة عنه، وإذا رجعنا إلى أرقام وإحصائيات في سبعينيات القرن الماضي ستبيّن لنا الأرقام أن ما يقارب تسعمئة طفل كانوا “ضحايا” بين قتيل وإعاقة، حيث لقوا حتفهم بالتقليد الأعمى، وعلى أساسها دخل مشروع التربية الإعلامية، أيضاً يعتبر النداء الذي وجهه رئيس اتحاد الصحفيين الأسبق روبيرت غرين في كتابه الإدمان التلفزيوني، والذي يقول فيه لمخترعي التلفزيون: ماذا فعلتم بأطفالي؟.. دقاً لناقوس الخطر، لأنه يشير إلى أن الطفل يقضي حوالي أحد عشر ألف ساعة أمام وسائل الإعلام في مراهقته، بينما لا تتجاوز في كل مرحلته الدراسية أربعة آلاف إلى أربعة آلاف وخمسمئة ساعة فقط يقضيها على مقاعد الدراسة، إذاً، والكلام مازال للدكتور المصري، الإعلام يتحمّل النتيجة، ولكن بالمقابل من المفترض أن تكون هناك توعية لهذا النشء، سواء من أهاليهم، أو من مؤسساتهم، وبناء عليه نناضل من أجل إدراج منهج تربية إعلامية لصفوف مرحلة التعليم الأساسي، وبالعودة إلى حادثة الطفلة، يؤكد الدكتور المصري أن القناة تتحمّل المسؤولية، ولكن يجب أن تكون لدينا جمعيات لحماية الجمهور من وسائل الإعلام، فعلى سبيل المثال عندما تقوم إحدى المحطات بعرض أمور تتعلق مثلاً بالغيبيات والخزعبلات، يتوجب علينا مقاطعتها، وبالطبع نحن هنا لا ندعو إلى تقييد إبداعية الكتاب، خاصة مع الضغوط التي تعاني منها الدراما السورية، والجميع يعرفها، ولا قدرة القناة على جذب جمهورها، لأنه حق من حقوقها الطبيعية طبعاً، ولكن ندعو الجميع إلى تحمّل مسؤولياتهم.

ضوابط

أمام مشاهد تحتوي على قتل أو إزهاق روح، يحق للقناة مثلاً أن تنوّه، أو تحذف، وهذا ما كان على القناة فعله أثناء عرض المسلسل سابق الذكر، هذا ما أكده الدكتور المصري موضحاً: ما يحكمنا هو قانون الإعلام الوطني، إلا أن القانون الوطني في أية دولة، في حقيقة الأمر، لا يلبي إلا ما يقارب عشرين إلى ثلاثين بالمئة من احتياجات الجمهور، فالقانون لدينا يمنع نشر أي شيء يثير المذاهب والوحدة الوطنية، ويعاقب الوسيلة بسحب ترخيصها في حال قامت بإثارة الغرائز الطائفية، أو أي شيء يسيء إلى رموز الدولة.. إلخ، ولكن لا يتضمن القانون الوطني معاقبة أية وسيلة تعرض عنفاً زائداً، هذا لا يدخل ضمن أولويات القانون، لذلك لا توجد في قانون الإعلام أية مادة تدينني، ما يدينني هو الجزء الآخر الذي لا يستطيع أي قانون تغطيته في أية دولة، وهو الأخلاق والتقاليد والأعراف، هذا ما يغطي السبعين بالمئة، بمعنى ميثاق الشرف الدولي يمنع استخدام الطفل في الإعلام في سلعة غير سلعته، عندما نشاهد إعلانات لا تمثّل الطفل بل تسيء له كالإعلانات المتعلقة ببعض المواد الغذائية كالسمنة مثلاً لأنها تسيء استخدام الطفل، وتخرّجه خارج مظهره الحقيقي، وهنا تكون خالفت ثلاث مخالفات في إعلان واحد، ولكن لا أحد يتحدث عنها، ونحن في اتحاد الصحفيين السوري لدينا ميثاق شرف يجب أن يراعي ويدعو كل المؤسسات الإعلامية للتوقيع عليه.


ميثاق الشرف

الحلول حتى لا تتكرر حوادث مؤسفة كحادثة الطفلة تتمثّل، حسب رأي الدكتور المصري، بميثاق شرف صحفي يضمن حق الناس والطفولة، ويضمن العرض للفئات المستهدفة بما يناسب عمرها، وتوقّع عليه كل الوسائل الإعلامية الوطنية طالما هو صادر عن اتحادنا الوطني يكون بمثابة قانون يمكّن الاتحاد من محاسبتها في حال خالفت، إضافة إلى جمعية وطنية أهلية لمراقبة ما ينشر في الإعلام، وتوجيه الناس، وهذا ما فعلته الجمعية الأمريكية مع أشهر برنامج جماهيري على وجه الكرة الأرضية عندما قدم معلومة طبية خاطئة عن مرض السرطان، ما دفع القناة إلى قطع بثها، وتقديم اعتذار، أما الحل الثالث فيتمثّل بمنهج للتعليم الأساسي يكون عبارة عن جلسة ساعتين يشاهد فيها الطفل فيلماً، ويشرح ويفسر له من قبل اختصاصيين مؤهلين أن ما يعرض هو تمثيل وليس صحيحاً.

 


البعث -  لينا عدرة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...