مستقبل السياسة التونسية بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية

26-10-2009

مستقبل السياسة التونسية بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية

الجمل: شهدت الساحة السياسية التونسية عقد جولة الانتخابات العامة الجديدة التي تمت بشكل مزدوج ضمن انتخابات رئاسية وأخرى برلمانية، فهل ستستمر تونس في توجهاتها السياسية ذاتها أم أنها ستعتمد المزيد من التعديلات والتوجهات السياسية الجديدة؟
* نتائج الانتخابات التونسية:
أعلن وزير الداخلية التونسي رسمياً نتائج الانتخابات التونسية ويمكن استعراض النتائج على النحو الآتي:الرئيس زين العابدين بن علي
• الانتخابات الرئاسية: تم خوض المنافسة حول منصب رئيس الجمهورية بين أربعة مرشحين وجاءت النتائج على النحو الآتي:
- زين العابدين بن علي (الرئيس الحالي): مرشح التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم وحصل على 89.28% من إجمالي الأصوات.
- محمد بوشيحة: حصل على 5.01% من إجمالي الأصوات.
- أحمد عينوبلي: حصل على 3.8% من إجمالي الأصوات.
- أحمد ابراهيم: حصل على 1.57% من إجمالي الأصوات.
• الانتخابات البرلمانية: تم خوضها حول 214 مقعداً في الغرفة الدنيا (مجلس النواب) للبرلمان وكانت النتائج على الشكل الآتي:
- حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم: 161 مقعداً.
- بقية الأحزاب المعارضة: 53 مقعداً.
وأضافت  المعلومات أن هذه الانتخابات تم إجراؤها بحضور 26 مراقباً تونسياً و16 مراقب من الاتحاد الإفريقي و11 شخصية تم توجيه الدعوة لها بواسطة السفارات التونسية في أوروبا والبلدان العربية.
أشارت الإحصاءات إلى أن عدد سكان تونس الإجمالي يبلغ 10.3 مليون نسمة سجل منهم للاقتراع 5.29 مليوناً وصوت منهم 4.7 مليون شخص.
* معطيات جولة الانتخابات التونسية:
تشير المعلومات إلى أن نسبة 89.28% التي حصل عليها الرئيس زين العابدين بن علي تعتبر الأقل التي حصل عليها منذ توليه السلطة بعزعيم المعارضة التونسية أحمد ابراهيمد الانقلاب الذي نفذه ضد الرئيس السابق الحبيب بورقيبة  وتشير الإحصاءات إلى أن النسب التي ظل يحصل عليها كانت تتراوح بين 99.2% و99.7% وقد اختلفت التفسيرات حول هبوط النسبة في الانتخابات الحالية ولكن أنصار الرئيس يقولون أن السبب يعود إلى أن بن علي سمح بهامش حرية للمعارضة السياسية الناشطة ضده وذلك بسبب الإصلاحات الديمقراطية التي قام بها خلال ولايته الرئاسية السابقة.
لاحظت العديد من الأطراف أن تسلسل ما حصل عليه المرشحون المعارضون كان مثيراً للاهتمام فقد حصل المعارض الرئيسي أحمد ابراهيم على 1.57% من الأصوات بينما حصل المرشح الأقل أهمية منه أحمد عينويلي على 3.8% أما أكثرهم ضعفاً وهو محمد بوشيحة فحصل على 5.01%. بكلمات أخرى جاء الترتيب بصورة عكسية بخلاف ما كان متوقعاً وعلى هذا فسرت النتائج على أنها تنطوي على تلاعب في فرز الأصوات أو الرغبة في إذلال المرشح الرئيسي أحمد ابراهيم الذي ينظر له الجميع باعتباره المنافس الحقيقي للرئيس بن علي.
لم تصدر حتى الآن أي ردود أفعال أمريكية أو أوروبية أو عربية أو حتى بواسطة المنظمات الدولية إزاء حصيلة الانتخابات العامة الرئاسية والبرلمانية التونسية ومن المتوقع أن تسعى واشنطن وبلدان الاتحاد الأوروبي الحليفة لنظام بن علي إلى عدم إثارة ملف الانتخابات التونسية.
* توازن القوى التونسي: إلى أين؟
نالت تونس استقلالها من فرنسا عام 1959 ومنذ ذلك الحين وحتى الآن لم تشهد تونس سوى رئيسين للجمهورية: الحبيب بورقيبة من عام 1959 حتى 1987، وزين العابدين بن علي من 1987 حتى الآن...
إضافة إلى أن زين العابدين بن علي تولى السلطة عندما استغل مرض الرئيس بورقيبة ونفذ انقلابه الذي أطاح بالرئيس من جهة وأبقى على النظام السياسي قائماً من جهة أخرى.
خلال الفترة الطويلة من حكم الرئيس بورقيبة (1959-1987) كان النظام السياسي التونسي مرتبطاً بشدة بشخص الرئيس نفسه وتوجهاته التي كانت تحاول استنساخ التجربة الأتاتوركية في تركيا وتطبيقها على الواقع السياسي والاجتماعي التونسي، وتشير معطيات التحليل السياسي المقارن أن الدستور التونسي هو عبارة عن نسخة عربية للدستور التركي الأتاتوركي. وعلى خلفية ذلك سعى بورقيبة إلى انتهاج المسارات السياسية الأتاتوركية في مجال السياستين الداخلية والخارجية، وبالرغم من أن تركيا انتقلت في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى التعددية الحزبية والانفتاح على القوى السياسية فقد ظلت تونس تحت حكم الرئيس بورقيبة وما زالت حتى الآن تحت حكم الرئيس بن علي الذي يعتبر استمراراً للنظام البورقيبي المستنسخ عربياً عن النظام الأتاتوركي العلماني الذي كان سائداً بين عامي 1929 و1945 في تركيا.
* السياسة الخارجية التونسية:
تعتبر السياسة الخارجية للنظام الحاكم في تونس مثيرة للاهتمام، فهي وإن كانت ترتبط من جهة بالمسار العام لقضايا السياسة الخارجية العربية العامة، فإنها من الجهة الأخرى تتبنى بعض المسارات الفرعية التي تتخطى المسار العربي وبكلمات أخرى فإن ما هو خاص في السياسة الخارجية تلك يتخطى ما هو عام.
تشير التحليلات إلى أن ظاهرة تخطي العام وتفضيل الخاص في السياسة الخارجية لنظام تونس تعود إلى طبيعة المذهبية السياسية الأتاتوركية التي وطد أركانها بورقيبة وما زال يسير على نهجها الرئيس زين العابدين بن علي الذي كان مخلصاً لأستاذه بورقيبة ثم انقلب عليه عندما أنهكه المرض.. أما أبرز خصائص توازن القوى في "العملية السياسية" التونسية فتقوم على الاعتبارات الآتية:
• استخدام الرئيس بن علي وحزبه للقبضة الحديدية في السيطرة على 75% من مقاعد مجلس النواب (الغرفة الدنيا) وعلى 100% من مقاعد مجلس الشيوخ (الغرفة العليا) الذي يراقب الأداء الحكومي.
• الاستخدام المحدود لهامش القوة الناعمة في السيطرة على المعارضة السياسية التونسية التي هي بالأساس معارضة تم تدجينها في المرحلة البورقيبية وما زالت تمارس العمل السياسي ضمن هامش حرية شديد التحديد لا يتجاوز في أحسن الأحوال سقفاً سياسياً في حدود 25% من مقاعد البرلمان بما لا يمكنها من طرح أي توجهات سياسية أو آراء معارضة فعلية إلا ضمن إطار الشرعية السياسية للنظام الحاكم واحتكاره شبه المطلق للسياسة وميادينها العامة.
تميزت السياسة الخارجية التونسية بأدائها السلوكي السياسي المزدوج لجهة الجمع بين المعلن وغير المعلن وعلى سبيل المثال لا الحصر:
• على المستوى المعلن تقف السياسة الخارجية التونسية مع الجانب العربي في قضاياه الهامة كالصراع مع إسرائيل ولكنها على المستوى غير المعلن تنخرط في علاقات وروابط عميقة مع إسرائيل.
• على المستوى المعلن تقف السياسة الخارجية التونسية مع الجانب العربي والإفريقي في رفض استضافة القوات الأجنبية ولكنها على المستوى غير المعلن تنخرط في ترتيبات عسكرية عميقة مع قوات حلف الناتو والقوات الفرنسية والبحرية الإسرائيلية والقوات الأمريكية وعلى وجه الخصوص الأسطول السادس الأمريكي.
إضافة لذلك فإذا كانت إسرائيل ترتبط بعلاقة خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية فإن تونس ترتبط بعلاقة خاصة مع فرنسا وهو الأمر الذي جعل من السياسة الخارجية التونسية تقوم بدور "حصان طروادة" الفرنسي داخل الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي.
* مستقبل السياسة التونسية:
حتى الآن لا توجد أي مؤشرات تفيد لجهة أن تونس ستشهد تحولاً اقتصادياً أو سياسياً حقيقياً خلال المرحلة القادمة، فالاقتصاد التونسي ما زال يعتمد بشكل رئيس على السياحة وعلى المعونات والمساعدات الفرنسية والأمريكية إضافة لتحويلات العمالة المهاجرة في الخارج أما القاعدة الإنتاجية الزراعية والصناعية فتتميز بالضعف والهشاشة إضافة لانكشاف قطاع الخدمات أمام صدمات الأزمات الخارجية وتزايد معدلات التضخم المستورد. وتشير التوقعات إلى أن السياسة التونسية ستشهد في الأعوام القادمة ما يليك
• عسكرياً: تعزيز الروابط مع حلف الناتو الذي تقول المعلومات أنه يسعى لإنجاز صفقة الحصول على ميناء بحري دائم على الساحل التونسي.
• سياسياً: على صعيد السياسة الداخلية ستواجه المعارضة التونسية المزيد من الضغوط والتضييق أما في السياسة الخارجية فسوف تصبح أكثر وضوحاً لجهة الارتباط بمحور المعتدلين العرب.
• اقتصادياً: ستسعى تونس إلى الحصول عل المزيد من القروض والمعونات لدعم قطاع السياحة.
تشير بعض التحليلات إلى أن تونس وجدت كل هذا الاهتمام الأمريكي والغربي خلال السنوات السابقة سبب وجودها إلى جوار ليبيا والجزائر وهما الدولتان المستهدفتان أمريكياً وفرنسياً، لكن على خلفية انفراج العلاقات الليبية – الغربية والجزائرية – الغربية فمن المتوقع أن تفقد تونس قدراً من قيمتها الاستراتيجية التي سيتحول الغرب عنها لبناء روابطه مع ليبيا والجزائر الغنية بالنفط والغاز في مقابل تونس التي لا تملك سوى "السياحة"، فإذا لم يهتم النظام التونسي بتنمية الموارد الاقتصادية الحقيقية فإن مستقبل علاقاته مع الغرب سوف لن ينطوي على أية خصوصية أو مزايا تفضيلية إيجابية لتونس.


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...