مؤتمر بوش للسلام: عزل سورية سيؤدي إلى عزلة المؤتمر

26-08-2007

مؤتمر بوش للسلام: عزل سورية سيؤدي إلى عزلة المؤتمر

الجمل:    تغايرت وتنوعت ردود الفعل، والتحليلات والتعليقات حول مبادرة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش لعقد مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط، وذلك على النحو الذي ترتبت عليه الكثير من ردود الأفعال المتضاربة في منطقة الشرق الأوسط.
• ردود الأفعال داخل إسرائيل والأراضي الفلسطينية:
انقسمت ردود أفعال السياسيين الإسرائيليين والفلسطينيين حول جدوى عقد المؤتمر الدولي، إلى متفائلين، ومتشائمين.
- المتفائلون: ويعتقدون أن المبادرة سوف تؤدي بالضرورة إلى إعادة الحيوية والنشاط إلى العملية السياسية، وذلك لأن انخراط الأمريكيين سوف يؤدي إلى التقليل من احتمالات الصراع. كذلك يرى المتفائلون بأن المبادرة في حد ذاتها تمثل نقطة البداية في الخطة الأمريكية الهادفة إلى التخلي عن أسلوب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ارييل شارون، الذي يقوم على أساس اعتبارات مبدأ العمل من جانب واحد، والعودة إلى أسلوب العمل المتعدد الأطراف الذي ظلت تعتمده الإدارات الأمريكية السابقة.
- المتشائمون: وينظرون بالكثير من الشكوك وعدم الثقة إزاء مدى مصداقية وموثوقية دوافع الإدارات الأمريكية الحالية، ومدى قدرتها على القيام بإنجاز أي شيء إيجابي في الشرق الأوسط.
هذا وتنبع الشكوك بشكل رئيسي من جراء غياب أي توجهات أمريكية جديدة إزاء العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية. وبكلمات أخرى لا يوجد أي شيء جديد يتميز بتأثيره البارز الملحوظ على السياسات والأداء السلوكي الإسرائيلي الهادف لتقوية وتعزيز الاحتلال وضم الأراضي. ويرى المراقبون والمحللون أن وجود مثل هذا النوع من التغيير في مثل هذه الأوقات، بمثابة المعيار الذي يقدم الدليل والمؤشر على مدى جدية مبادرة الولايات المتحدة الأمريكية الجديدة. وبكلمات أخرى: لو كانت الإدارة الامريكية تريد أن تطرح شيئاً جديداً في هذا المؤتمر، لانعكس ذلك بالضرورة على الأداء الميداني السلوكي الإسرائيلي الجاري حالياً.
• ردود الأفعال على المستوى الإقليمي:
المراقبون والمحللون السياسيون، وبالاجماع، يرون أن استبعاد سورية من المؤتمر من جهة، والنقاش الجاري حول العلاقات السورية- الإسرائيلية من جهة أخرى، هما أمران يلقي حدوثهما المتزامن الكثير من الغموض على المبادرة الأمريكية. ويجمع المراقبون والمحللون أيضاً على أن غياب سورية سوف يؤدي بالضرورة إلى حالة عدم الانسجام وعدم التوافق العربي، وذلك لأن وجود سورية في حد ذاته لا يؤدي إلى الانسجام والتوافق العربي وحسب، وإنما يؤدي إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق السلام الدائم الشامل بالمعنى الذي أشارت إليه مبادرة السلام العربية، والتي أشارت وحددت بصريح العبارة: السلام الدائم الشامل والتطبيع مقابل الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة بما في ذلك مرتفعات الجولان.
إن محتوى ومضمون مبادرة السلام العربية، لا يمكن مطلقاً أن يصل إلى أي خطوة إيجابية، دون مشاركة سورية الحقيقية والفاعلة. ويرى جميع المحللين والمراقبين أن عدم إشراك سورية في هذا المؤتمر هو أمر ينطوي في حد ذاته على أبرز المؤشرات الدالة على فشل المؤتمر قبل انعقاده.
• المؤتمر وتوازنات القوى داخل إسرائيل والأراضي الفلسطينية:
في مجرى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يوجد عاملان يعملان معاً ضد السيناريوهات المتفائلة بنجاح المؤتمر، وإمكانية أن يؤدي المؤتمر إلى حدوث اختراق حاسم في هذا الصراع خلال الفترة المتبقية من عمر إدارة الرئيس بوش.
- العامل الأول: ويتمثل في التجاذبات التي تسود وتسيطر على المسرح السياسي الإسرائيلي الداخلي، فرئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت يواجه مصاعباً سياسية حقيقية بسبب نشر نتائج تقرير لجنة فينوغراد، المتعلق بمسؤولية حكومة اولمرت بما حدث للجيش الإسرائيلي من هزيمة على يد مقاتلي حزب الله اللبناني في حرب الصيف الماضي. وقد أدت نتائج هذا التقرير إلى دفع ايهود باراك زعيم حزب العمل، وبنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود، على تكثيف جهودهما من أجل الفوز بالانتخابات القادمة طالما أن حزب كاديما الذي يتزعمه ايهود اولمرت قد انخفضت شعبيته على النحو الذي أضعف احتمالات فوزه مرة أخرى بالانتخابات الإسرائيلية. وعلى هذه الخلفية سوف يعمل حزب الليكود وحزب العمل من أجل إغلاق السبيل وعدم إعطاء اولمرت وحزب كاديما أي فرصة لتحقيق اختراق حقيقي ينقذ كاديما وأولمرت من خطر السقوط عبر صناديق الانتخابات القادمة.
وبالنتيجة يرى المراقبون والمحللون أن ما يحدث حالياً على المسرح السياسي الإسرائيلي غير موات لأولمرت وحكومة كاديما للقيام بإحداث أي تغيير في مجرى السياسات والممارسات، على النحو المطلوب لإجراء أي تسوية حقيقية وإحراز التقدم نحو السلام المطلوب تحقيقه بواسطة المؤتمر. وعلى سبيل المثال لن يستطيع اولمرت إزالة المستوطنات، إضافة إلى أنه لن يستطيع حتى مجرد وقف توسيع المستوطنات وعمليات الاستيطان الجارية حالياً، كذلك لن يستطيع اولمرت القيام بأي دور إيجابي في الحد من القيود المفروضة على الفلسطينيين، إضافة إلى أن أولمرت سوف يظل عاجزاً عن إيقاف الاستمرار في عمليات بناء الجدار العازل غير الشرعي الجارية حالياً.
- العامل الثاني: الأوضاع في الأراضي الفلسطينية لا تشجع على القيام بعملية سياسية حقيقية، وذلك لأن عزل حركة حماس المسيطرة على قطاع غزة، لن يؤدي بالنتيجة إلى تقليل نفوذ حركة حماس على الشارع الفلسطيني. وحركة حماس من خلال سيطرتها الكاملة على قطاع غزة، فإنها برغم ذلك ماتزال تتمتع بالدعم والتأييد من قبل أغلبية الفلسطينيين الموجودين في الأراضي الفلسطينية بما في  ذلك الضفة الغربية، التي تسيطر عليها حركة فتح والسلطة الفلسطينية التي يترأسها محمود عباس.
يقول المحللون والمراقبون بأن حماس قادرة على الاستيلاء عسكرياً على الضفة الغربية  إذا كانت المواجهة سوف تكون حصراً بينها وبين حركة فتح، ولكنها لا تنوي القيام بذلك في الوقت الحالي بسبب الوجود العسكري الإسرائيلي المكثف في الضفة الغربية، إضافة إلى عدم رغبة حركة حماس بالدخول في عداء مكشوف مع النظام الأردني. وبرغم ذلك فإن حركة حماس سوف تظل على المدى المنظور قادرة على إفساد كل تحركات محمود عباس متى رغبت في ذلك. وسوف تقوم بعملية الإفساد عاجلاً أم آجلاً، إذا استمرت عملية تجاهلها ومحاولات عزلها في الساحة الفلسطينية والإقليمية والدولية.
هناك إجراءان ضروريان يتوجب القيام بهما على الجانب الفلسطيني قبل البدء في أي عملية سياسية، هما:
أ‌- الإجراء الأول: إحداث تبديل في ميزان القوى بين فتح وحماس، وهو أمر يتطلب من السلطة الفلسطينية التي يتزعمها محمود عباس القيام بما هو أكثر من عملية دفع الرواتب للعاملين في السلطة. وبكلمات أخرى يتوجب على محمود عباس القيام بعملية إصلاح وتوحيد حركة فتح.
ب‌-  الإجراء الثاني: الدخول في حوار داخلي مع حركة حماس، وذلك على النحو الذي يعطي لحركة حماس دوراً مقبولاً ومحدداً في إدارة الأوضاع والترتيبات المتعلقة بالشأن الفلسطيني الداخلي، وذلك لأنه طالما كانت حركة حماس تتمتع بتأييد أغلبية الرأي العام الفلسطيني، فإنه من المستحيل تجاهلها عند القيام بالترتيبات التي يمكن أن تؤدي إلى إحداث التطورات الاستراتيجية الهامة في مسار القضية الفلسطينية.
وعموماً: إذا ارتكبت الإدارة الأمريكية خطأ عدم إشراك سورية في المؤتمر، فإن الأمر لن يؤدي إلى (عزل سورية) عن المجتمع الدولي والبنية الإقليمية الشرق أوسطية، بل سوف يؤدي إلى (عزلة المؤتمر) عن موضوعات الأجندة التي انعقد المؤتمر من أجل نقاشها، وإذا كانت  إدارة بوش تحاول دائماً –كما عودتنا- التهور والاندفاع غير المحسوب النتائج، فإن عدم إشراك سورية في هذا المؤتمر سوف يؤدي بإدارة بوش وبالسياسة الخارجية الأمريكية الخاصة بالشرق الأوسط إلى أن تفقد أي مصداقية للقيام بأي دور حقيقي مؤد للسلام في الشرق.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...