ليبيا : برلمانان وحكومتان إسلاميتان

26-08-2014

ليبيا : برلمانان وحكومتان إسلاميتان

دخلت الازمة الليبية، أمس، منعطفاً خطيراً ينذر بتكريس الانقسام السياسي، في موازاة الانفلات الامني الذي بات يُغرق البلاد في مستنقع الفوضى، منذراً بتحوّلها إلى نموذج لـ"دولة فاشلة"، إذ أعلن المؤتمر الوطني الليبي، الذي يهيمن عليه الإسلاميون المتشددون، استئناف أعماله، وتكليف عمر الحاسي بتشكيل حكومة "إنقاذ وطني"، في وقت تقدّمت دول الجوار الليبي، بمبادرة تدعو إلى نزع تدريجي لسلاح الميليشيات، وتعهدت بتقديم الدعم لـ"السلطات الشرعية" المنبثقة من الانتخابات الماضية والمساعدة في تأمين الحدود.طائرة مدمّرة على مدرج مطار طرابلس الدولي، امس الاول (رويترز)
في هذا الوقت، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، أن مصر والإمارات نفذتا، سراً، غارات جوية استهدفت مواقع لميليشيات إسلامية في طرابلس، وذلك من دون إبلاغ الولايات المتحدة بالأمر، مشيرة إلى ان هذه الضربات، بالإضافة إلى الدعم العسكري الذي توفره قطر للإسلاميين، ينقل الصراع الدائر في ليبيا من حرب بالوكالة بين القوى الإقليمية، إلى تدخل عسكري مباشر.
وأعاد الإسلاميون، يوم امس، إحياء المجلس الوطني الليبي، الذي يفترض انتهاء ولايته بعد إجراء الانتخابات التشريعية في حزيران الماضي. واستأنف المجلس المنتهية ولايته جلساته، في طرابلس، وكلّف عمر الحاسي، وهو إسلامي التوجه، تشكيل "حكومة إنقاذ" وطني، مع العلم ان ثمة حكومة مؤقتة قائمة حالياً وتدير شؤون البلاد.
يُذكر ان عمر الحاسي هو أستاذ في العلوم السياسية في جامعة بنغازي، وليس عضواً في المؤتمر الوطني. وكان الحاسي مرشحا لمنصب رئيس الوزراء الذي انتخبه المؤتمر في حزيران، لكنه خسر أمام احمد معيتيق، في استحقاق ألغاه القضاء، ما أجاز لعبد الله الثني مواصلة إدارة الحكومة الانتقالية.
ولفتت قناة "النبأ" التلفزيونية، المقربة من الإسلاميين، الى ان الحاسي كُلّف تشكيل "حكومة الإنقاذ" خلال اجتماع للمؤتمر الوطني عقد في طرابلس، من دون ان تشير الى عدد أعضاء المؤتمر الذين صوّتوا لمصلحة هذا القرار، علماً أن القناة ذاتها أكدت، في وقت سابق، ان النصاب لم يتوفر خلال اجتماع البرلمان المنتهية ولايته، والذي يتطلب حضور 94 عضواً، لكنّ وسائل إعلام ليبية أشارت الى انضمام أعضاء الى الجلسة خلال انعقادها.
وعُقدت جلسة المؤتمر الوطني تلبية لدعوة من الإسلاميين الذين ينفون أي شرعية للبرلمان الجديد الذي يتخذ مقراً في طبرق على بعد 1600 كيلومتر شرقي طرابلس.
وبحث المؤتمر الوطني في جلسته الدعوة التي وجهها برلمان طبرق الى تدخل أجنبي لحماية المدنيين فيما البلاد غارقة في الفوضى والعنف. واعتبر الاسلاميون هذه الدعوة "خيانة وطنية".
وبعد اتهام الاسلاميين الحكومة المؤقتة والبرلمان بالتواطؤ لشن غارات جوية على عناصرهم نفذتها الامارات ومصر، سحبوا ثقتهم من هاتين المؤسستين، وأعادوا إحياء المؤتمر الوطني.
في هذا الوقت، دعت ست دول مجاورة لليبيا، الى نزع متدرج لسلاح الميليشيات، مؤكدة رفضها أي تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية الليبية، ومتعهدة بتقديم المساعدة على "تأمين الحدود".
وفي ختام اجتماع عقد في القاهرة، وحضره وزراء خارجية ليبيا ومصر وتونس والجزائر وتشاد والسودان، بالاضافة الى ممثل للنيجر، طالبت دول الجوار الليبي بـ"الوقف الفوري لكل العمليات المسلحة من أجل دعم العملية السياسية، وتعزيز الحوار مع الأطراف السياسية التى تنبذ العنف وصولا لتحقيق الوفاق الوطني والمصالحة ووضع دستور جديد للبلاد".
وأكدت الدول الست، في بيان، "الدور الأساسي والمحوري لآلية دول جوار ليبيا وخصوصيتها في ما يتعلق بتطورات الوضع في ليبيا، وضرورة إشراكها فى مختلف المبادرات الإقليمية والدولية الهادفة إلى إيجاد تسوية توافقية للأزمة الليبية".
ودعت دول الجوار الليبي الى "تنازل جميع الميليشيات والعناصر المسلحة، وفق نهج متدرج المراحل ومتزامن من حيث التوقيت، عن السلاح والخيار العسكري فى إطار اتفاق سياسي بين كل الفرقاء التي تنبذ العنف، ووفق آلية مستقلة تعمل برعاية إقليمية من دول الجوار ومساندة دولية".
وتعهدت الدول الست، التي تخشى من انعكاسات النزاع في ليبيا على أوضاعها الداخلية، بـ"تقديم المساعدة للحكومة الليبية فى جهودها لتأمين وضبط الحدود مع دول الجوار وفق برنامج متكامل، ووقف كل الأنشطة غير المشروعة للتهريب بكل أنواعه".
وشددت دول الجوار في بيانها على دعمها "للمؤسسات الليبية الشرعية وعلى رأسها مجلس النواب المنتخب، لما يمثله من تعبير عن إرادة الشعب الليبي، والهيئة التأسيسية لصياغة الدستور".
إلى ذلك، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، أن مصر والإمارات تدخلتا سراً في الصراع الليبي مرتين على الأقل، خلال الأيام السبعة الماضية، من خلال سلسلة غارات جوية استهدفت ميليشيات إسلامية في طرابلس.
وأشار المسؤولون الاميركيون إلى ان السلسلة الاولى من الغارات نفذت الأسبوع الماضي، عند الفجر، واستهدفت مواقع للميليشيات الإسلامية في طرابلس، وأدّت الى مقتل ستة أشخاص وتدمير مستودع للأسلحة، فيما كان الهدف من السلسلة الثانية من الغارات الحيلولة دون سقوط مطار طرابلس في أيدي الإسلاميين.
وبحسب المسؤولين الأميركيين، فإن مصر قدمت القواعد الجوية التي انطلقت منها الطائرات لتنفيذ تلك الضربات، فيما قدّمت الإمارات الطيارين، الذي تلقوا تدريبات عالية في الولايات المتحدة، والمقاتلات الحربية المتطورة، وطائرات التزوّد بالوقود.
وقال المسؤولون الأميركيون انهم أصيبوا بالدهشة، حين علموا ان المصريين والإماراتيين تدخلوا بهذا الشكل في ليبيا من دون إطلاع الولايات المتحدة على هذه الخطوة، فيما وصف أحد هؤلاء المسؤولين البارزين هذا التدخل العسكري بأنه "خطوة غير بناءة".
وأشار المسؤولون الأميركيون إلى أن قطر سبق أن قدّمت الدعم والتسليح للميليشيات الإسلامية الليبية، وبالتالي فإنّ الغارات الجوية المصرية والإماراتية الجديدة، تعني انتقال الصراع الدائر في ليبيا من حروب بالوكالة، تخوضها دول إقليمية من خلال قوى محلية، إلى تدخل مباشر.
في هذا الوقت، دعت جماعة "أنصار الشريعة" الليبية الموالية لتنظيم "القاعدة"، والتي تعتبرها السلطات والولايات المتحدة "إرهابية"، قوات "فجر ليبيا"، التي تضم الميليشيات الإسلامية الاخرى، إلى الانضمام إليها.
وتوجّهت الجماعة الإسلامية المتطرفة، في رسالة نُشرت على شبكة الانترنت، الى الميليشيات الإسلامية الاخرى في ليبيا بالقول: "اتحدوا مع المجاهدين في بنغازي في الأهداف والغايات والمقاصد، فهم أعلنوها صراحة أنهم يرفضون كل المشاريع الغربية وطلاب السلطة والمتسلقين... وسيروا بسيرهم وارفضوا كل مشاريع العملاء والمندسين والمنافقين". وتابعت الرسالة "أعلنوا أن قتالكم من أجل الشريعة الإسلامية لا من أجل الشرعية الديموقراطية حتى يجتمع الجميع تحت راية واحدة وتزداد قوة أهل الحق وتضعف قوة أهل الباطل".
وتتكون قوات "فجر ليبيا" من مليشيات مدينة مصراتة (200 كيلومتر شرقي طرابلس)، وحلفائها من الإسلاميين في مختلف مناطق غرب البلاد، وتواجه ميليشيات الزنتان وحلفاؤها من التيار الوطني، الذين يتلقون دعماً من اللواء المتقاعد في الجيش الليبي خليفة حفتر، الذي يتخذ من بنغازي مقراً له، والذي يحظى بدعم مصري وخليجي.
ويقود حفتر منذ 16 أيار الماضي عملية عسكرية أطلق عليها اسم عملية "الكرامة" بهدف "تطهير" ليبيا من "الإرهاب"، وتخوض قواته معارك عنيفة ضد مسلحي "مجلس شورى ثوار بنغازي"، الذي يضم جماعة "أنصار الشريعة" وميليشيات إسلامية متشددة اخرى.
وتأتي دعوة "أنصار الشريعة" الى الإسلاميين لتوحيد الصفوف بعد التقدم العسكري الذي حققوه أمام ميليشيات الزنتان، وإعلانهم يوم السبت الماضي الاستيلاء على مطار طرابلس بعد معارك عنيفة.
وكان مجلس النواب الليبي الذي انتخب في 25 حزيران، والذي يرفض الإسلاميون والجهاديون شرعيته، قد اعتبر قوات "فجر ليبيا" وجماعة "أنصار الشريعة" مجموعات "إرهابية"، مؤكداً انه سيعزز الجيش الوطني الذي يشهد صعوبات في رص صفوفه.
واختار مجلس النواب الليبي المنتخب، مساء امس الاول، العقيد عبد الرزاق الناظوري رئيسا للأركان العامة للجيش ورقاه إلى رتبة لواء، ليخلف بذلك اللواء ركن عبد السلام جاد الله العبيدي، الذي وجه اليه البرلمان انتقادات حادة في 10 آب الحالي، لعجز الجيش عن إعادة فرض القانون والنظام في طرابلس وبنغازي.
والناظوري، وهو من مدينة المرج (1100 كيلومتر شرقي طرابلس)، كان يأمر "كتيبة الأوفياء" في مدينة بنغازي، وشارك بها في إطاحة نظام معمر القذافي في العام 2011، وهو قريب من اللواء خليفة حفتر.
وأعلن الناظوري "الحرب على الإرهاب في بلاده" عقب أدائه اليمين القانونية، أمس، أمام أعضاء مجلس النواب في مدينة طبرق.
وقال الناظوري في كلمة مقتضبة أمام النواب "اسمحوا لي بعد أذنكم أن أعلن، منذ هذه اللحظة، الحرب على الظلاميين والإرهابيين التكفيريين".
ويأتي ذلك وسط انقسام في المؤسسة العسكرية، إذ أعلن عدد من قادة الجيش، امس الاول، رفضهم تعيين رئيس جديد للأركان من قبل مجلس النواب، ما يعزز صعوبة الموقف أمام الناظوري الذي يسعى إلى بناء المؤسسة العسكرية شبه المنهارة في ليبيا.

المصدر: السفير+ وكالات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...