قصور النظرة الأوروبية لمسألة «مسيحيي الشرق»

04-01-2011

قصور النظرة الأوروبية لمسألة «مسيحيي الشرق»

التهديدات ضد المسيحيين في المشرق جدية. وقد لا تتوقف على كنائسهم في بغداد او الإسكندرية. الاستنفار الأمني في باريس وضع 19 كنيسة قبطية فرنسية تحت حراسة الشرطة. وحراسة مشددة خصوصاً على كنيسة القديس مرقص في شاتنيه مالابري. الحراسة فرضتها الشرطة بعد إيداع الأب جرجس لوقا ما تلقاه من معلومات من أحد افراد رعيته عن تهديد تنظيم «القاعدة» لكنيسة القديس مرقص في اقصى جنوب الحوض الباريسي. كنيسة القديس مرقص هدف معلن، على منبر الكتروني للقاعدة، من بين لائحة تضم كنائس أخرى في بريطانيا وألمانيا وفرنسا. مصريون أقباط يحملون أيقونة ملطخة بالدماء للمسيح خلال تظاهرة أمام كنيسة القديسين في الاسكندرية مساء أمس الأول
وسواء أكان التهديد للكنائس القبطية والمسيحية جدياً أم لا، فإنّ الاستنفار الأمني الذي يثيره يندرج من دون تردد، في سياق يجعل من مسيحيي الشرق والتساؤل عن مستقبلهم ملفاً مشتعلاً منذ اشهر. وهو ملف يعلو ويهبط على ايقاع الهجمات التي يتعرضون لها، لا سيما في العراق ومصر.
وإبعاداً لأي غموض، ومنعاً لأي التباس، يستبعد العنوان الذي تتلاقفه وزارات الخارجية الأوروبية والأحزاب والشخصيات السياسية المستنكرة، مصائر مسيحيي الأراضي المقدسة، وفلسطين التاريخية، والقدس بشكل خاص، من الأسئلة التي تطرح حول الخمسة عشر مليون مسيحي عربي حصراً. ولا تزال مفاعيل الاعتراف الفاتيكاني بإسرائيل، قبل عقد تعمل على تغليف مسؤولية الدولة اليهودية عن تهجير المسيحيين الفلسطينيين، قبل غيرها، و قبل أن تتفاقم الظاهرة، مع صعود إعادة الأسلمة، واشتداد العنف الأصولي.
واستقرت معالجة التهديدات التي يوجهها «القاعدة»، والهجمات التي تستهدف إحراج المسيحيين على اعتبارهم كتلة واحدة، من دون تمييز بين مكوناتها في مصر وبلاد الشام والعراق، وتحت عنوان جامع «مسيحيي الشرق». كما استقرت ردود الفعل على النظر من الشرق خالياً من دوله ومن مجتمعاته المدنية وكياناته، تشن على ارضه حرب دينية ضد المسيحيين «الذين لا تضطهدهم حركات متشددة، فحسب، كما في مصر، بل دول أيضاً».
وربما يكون صدور التهديد عن مرجعية ارهابية وحيدة، والعجز المحلي الصارخ عن التصدي لها، قد ساعد على توحيد النظرة إلى المسيحيين، ومعاملتهم ككتلة واحدة يهددها الصعود السلفي الإسلامي. وإذا ما توصلت المشاورات الجارية بين وزارات الخارجية الأوروبية إلى اتفاق على طرح قضيتهم على الاجتماع الوزاري للاتحاد الأوروبي، نهاية الشهر الحالي، ينضم ملف مسيحيي الشرق إلى لائحة طويلة لملفات وأزمات يتصدى الأوروبيون لمناقشتها والتدخل فيها.
وكانت الخارجية الفرنسية قد أعلنت انها لا تزال تدرس اقتراحاً بهذا الشأن، قدمه وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني. وتستعد وزارة الخارجية الفرنسية، بعد سيل من بيانات التضامن مع مسيحيي الشرق، الشهر الماضي، إلى إعلان موقف من الاقتراح بعد أيام. وتشكل الدعوة الإيطالية مناسبة فعلية، للخروج من مراوحة المكان والاتفاق على سياسة اوروبية موحدة تجاه المسيحيين في المشرق تستجيب على الأقل لمطالب الفاتيكان في تقديم حماية للمسيحيين على أرضهم التاريخية، وليس في اوروبا، وتوفر حداً أدنى لمقاربة أوروبية مشتركة.
وكان الفاتيكان انتقد السياسة القائمة على استقبال مسيحيي الشرق في اوروبا، وتقديم تسهيلات، ولو محدودة لهجرتهم، وذلك لحمايتهم من الهجمات الإرهابية، ومساعدة الجرحى العراقيين وعائلاتهم بشكل خاص. واعتبرت تصريحات البابا بندكت السادس عشر بعد الهجوم على كنيسة الإسكندرية رسالة مزدوجة: لدول المشرق التي تروّج فيها «سياسة التمييز وعدم التسامح الديني التي تستهدف بشكل خاص المسيحيين»، ودول الشرق وأوروبا التي يجب أن «تدفع الأحداث قادة أممها إلى الالتزام والتحلي بالمسؤولية».
وتدخل مسألة مسيحيي الشرق، منذ طرحها بصيغة جامدة، سوق المزايدات الداخلية السياسية الفرنسية، إذ وقع قبل عشرة أيام مئة نائب فرنسي عريضة تطالب الرئيس نيكولا ساركوزي باستصدار «قرار من مجلس الأمن يؤكد حق المسيحيين في الشرق بممارسة شعائرهم بحرية، وألا يكونوا أمام خيارين لا ثالث لهما: إشهار إسلامهم أو الموت في المنافي».
وفي ألمانيا حيث يعيش نحو ستة آلاف قبطي أكد متحدث باسم وزارة الداخلية أن الانبا دميان، رئيس الكنيسة القبطية في ألمانيا أبلغ السلطات، قبل اعتداء الاسكندرية، بوجود تهديدات لأبناء كنيسته ولا سيما لمناسبة عيد الميلاد.
من جهته، أدان المتحدث الرسمي باسم وزير خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، أحداث كنيسة القديسين بالاسكندرية، وقال في بيان «تشعر الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي بحزن عميق إزاء أنباء الهجوم على المصلين في الكنيسة القبطية بالاسكندرية، والذي أدى الى مقتل وإصابة عدد كبير من المدنيين الأبرياء»، ودعت آشتون الى ضرورة حماية «حق الأقباط في التجمع والعبادة بحرية».

محمد بلوط

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...