في ختام مهرجان القاهرةللإعلام:تملّق مصري للسودان لكسر شوكةالجزائر!

18-11-2009

في ختام مهرجان القاهرةللإعلام:تملّق مصري للسودان لكسر شوكةالجزائر!

حاولت كثيراً أن أنأى بموضوع زاوية هذا الأسبوع، عما حدث ويحدث في صراع التأهل إلى مونديال كأس العالم بين مصر والجزائر... لاعتقادي أن الموضوع لم يعد يحتمل أي كلام عقلاني أو غير عقلاني يضاف بعد كل ما كتب وقيل منذ الإعلان عن (مباراة الكراهية) كما أصبحت تسمى في الصحافة العالمية وللأسف!

جوائز المهرجان وعشق السودان!

وقررت من أجل ذلك... أي من أجل الهروب من الموضوع، أن أتجنب متابعة كل النشرات الرياضية والملاحق الإخبارية في المحطات العربية، وألا أشاهد (منبر الجزيرة) وألا ترف عيني على (تسعين دقيقة) وألا أحوم حول (العاشرة مساء) وألا أقترب من صخب كل برامج 'التوك شو' المصرية التي راحت تأكل وتشرب على مائدة هذا الموضوع الساخن منذ أيام كي لا أصاب بما أصاب تلك البرامج من مس وجنون وهستيريا... وعندما وجدت الفضائية المصرية الرسمية وهي تقوم بنقل حفل ختام مهرجان القاهرة للإعلام العربي (الإذاعة والتلفزيون سابقاً) وهو حفل عادة يأخذ زمناً طويلا لأن جوائز المهرجان وفيرة جداً، وتوزيعها على الهواء مباشرة يحتاج لصبر وطولة بال. وقلت في نفسي (ويجعل الله من بعد ضيق مخرجاً) فأنا أعرف هذا المهرجان جيداً... وأعرف كواليسه الحافلة بكل أمراض الإعلام العربي وحرتقات وفوده الرسمية حين يعز عليها أن (تخرج من المولد بلا حمص)... فتهدد بالانسحاب إن لم تعط الحصة التي ترى أن أعمالها تستحقها من كعكة الجوائز... كما أنني أعرف معظم الأعمال المشاركة فيه، وخصوصاً الأعمال السورية التي انحدر مستواها هذا العام، مثلما تضاءل عددها... ورغم ذلك ما زال معظم الفنانين يرددون (الدراما السورية ما تزال في المقدمة) دون أي اهتمام بالحفاظ على البقاء في هذه (المقدمة) قبل أن يتجاوزنا الآخرون كما سبق وتجاوزنا غيرنا!!
وهكذا جلست أتابع حفل توزيع جوائز مهرجان القاهرة للإعلام العربي، وأنا معجب بالوزير المصري الذي افتتح المهرجان بكلمتين وبسملة فقط... ولم يجلدنا بخطاب مليء بالثرثرة والوجدانيات والإنشاء السياسي كما يفعل وزير الإعلام السوري محسن بلال كل مناسبة يفتتحها أو مهرجان يرعاه... لكن أملي خاب حقاً في مسألة الهروب من الموضوع إياه... فما هي إلا دقائق حتى أعلنت المذيعة عن الترحيب الخاص بوصول السفير السوداني إلى القاعة... وطلبت من الحضور التصفيق له بحرارة، ثم ذكرتنا أن السفير السوداني ضيفنا في القاهرة... وسنكون غدا ضيوفا في السودان الشقيق مع المنتخب المصري في معركة (أم الحواسم).
كان الاستقبال والحفاوة ولقطات (الكلوز) القريبة التي حظي بها السفير السوداني في الحفل، وأثناء النقل التلفزيوني المباشر له... غير مسبوقين، ولوهلة ظننت أن الإعلام المصري يحتفي بوجود السفير الأمريكي في القاعة... وليس السوداني (مع احترامي العميق للسودان الشقيق) فمسار العلاقات بين مصر والسودان لم يكن بمثل هذا الدفء منذ أيام الملك فاروق الذي كان ملك مصر والسودان... ويا سبحان الله على المودة التي انبثقت فجأة، وعلى علاقات الجوار التي صارت مبعث اعتزاز، بدل أن تكون مبعث تناحر على (حلايب) وغيرها!
وجلس السفير السوداني معززاً مكرماً، ووجهه يشع بالطيبة السودانية النقية، وتابع الحفل توزيع جوائزه الوفيرة على الأشقاء العرب... التي يختلط فيها كالعادة الصالح بالطالح، فينال المخرج السوري نبيل المالح عن استحقاق وجدارة جائزة أفضل إخراج عن فيلمه الرائع (الكريستال المقدس) في الوقت الذي ينال فيه السيد مظهر الحكيم جائزة أفضل سيناريو وحوار عن مسلسل له للأطفال يعرف الجميع مستواه ومستوى صانعه الثقافي والفني... وتنال الفنانة السورية سلافة معمار جائزة أفضل ممثلة عن دورها في مسلسل (العار) وهو الدور الذي أجمع الكثيرون أنه جاء على قدر من التميز إلى درجة أنه يمكن أن يكون (دور عمرها) في الوقت الذي يمنح فيه الفنان سلوم حداد جائزة أفضل ممثل عن دوره الكارثي في مسلسل (الدوامة) الذي أجمع معظم من يعشقون سلوم حداد ويحترمونه، أنه واحد من أسوأ أدواره!
وما بين (الصدمة والترويع) التي يشعر بها متابع المسلسلات إزاء هذا التخبط في توزيع الجوائز بالحق حيناً وبالباطل أحياناً إلى درجة تضيع معها معايير التقويم السليم، تعود مباراة مصر والجزائر لتطل عبر حفل الختام مجدداً، فيظهر أحد الممثلين المصريين الصاعدين على المنصة، مستعيراً مايكروفون مذيعة الحفل، ليهدي الجائزة التي نالها في المهرجان، إلى شعب السودان الشقيق ومنتخب مصر الوطني... وتضج القاعة بالتصفيق مجدداً ويصبح (السودان الشقيق) في حفل توزيع جوائز مهرجان القاهرة للإعلام، ضيف الشرف الذي يضيء عتمة الحفل، ونجم النجوم الذي يسعى الجميع للتمسح والتبارك به والتقاط الصور التذكارية معه.. والتوأم الشقيق الذي لا ينسى الشعب المصري أفضاله في السراء والضراء... ولو كان هناك متسع من الوقت لدى لجان تحكيم المهرجان... لأنشأوا جائزة خاصة لأفضل بلد عربي شقيق مجاور لمصر على مجرى نهر النيل، تمنح بالتزكية الحصرية للسودان طبعاً، ولجعلوا البامبو السوداني نشيد ختام المهرجان لتأكيد حالة العشق الحقيقي التي أصابت المصريين فجأة تجاه كل ما هو سوداني!

ماض مشحون بالشوفينية والاستعلاء!

تأملت هذا (الذكاء المصري) في محاولة كسب كفة السودانيين في معركتهم الكروية مع الجزائر... وتذكرت ما عرضته إحدى القنوات الفضائية منذ أشهر قليلة في سلسلة وثائقية عن وادي النيل، تناولت العلاقة بين مصر والسودان... وكيف أن هذه العلاقة، كانت على الدوام محل تنازع مرة على السيادة، وأخرى على مياه النيل، وثالثة على مناطق حدودية، ورابعة بسبب مشاعر التفوق العنصري... وتذكرت أيضاً العديد من الأشقاء السودانيين الذين طالما التقيت بهم في الخليج وطالما تحدثوا عن النكات العنصرية التي يطلقها المصريون ضدهم... والتي تجعل الكثير منهم، لا يرتاح للتعامل مع المصري بسبب هذه الشوفينية المتأصلة... حتى في العلاقة مع أقرب الجيران وأكثرهم تقاطعاً في التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك!
ولابد من القول طبعاً أن كل عربي يتمنى أن تكون العلاقة بين أي شعبين أو بلدين عربيين أفضل مما هي في الواقع، وبعيدة عن الحساسيات والمنازعات التي كثيرا ما تنشأ بين بلدان الجوار أكثر من غيرها... لكن هذه العلاقة لن تصبح أفضل بعبارات المجاملة والنفاق الإعلامي من أجل كسب معركة كروية... ومن المؤسف أن يحاول المصريون أن يبيضوا صفحتهم مع أشقائهم السودانيين لمجرد أن مباراة فاصلة في كرة القدم ستقام على أراضيهم!
وهكذا بمقدار ما أضحت مباراة القاهرة هي (مباراة الكراهية) بين المصريين والجزائريين، فإن مباراة الخرطوم هي مباراة (الود المصطنع) بين المصريين والسودانيين... وفي مثل هذه الأجواء المشحونة والمجنونة، فإننا ننصح ألا يقف الأشقاء السودانيون بطيبتهم ودماثتهم المعروفة على الحياد في المباراة التي يستضيفونها اليوم على أراضيهم... لأنهم إن فعلوا فإنهم لن يرضوا أحداً ولن ينجوا من غضب شعبي الفريقين معاً... أما إذا انحازوا لأحد الفريقين... فإنهم سيخرجون بأقل الخسائر ويكسبون رضا فريق واحد على الأقل!

موسيقى رأفت الهجان وإلهاب الشعور القومي!

أطرف ما شاهدته ضمن سيل المواد والبرامج والأخبار والندوات وفترات البث المفتوح التي تخصصها القنوات المصرية للحديث عن المباراة الفاصلة في السودان بين مصر والجزائر، وإلهاب الشعور الوطني والقومي إزاءها باعتبارها (حلم 80 مليون مصري) كما تردد جميع القنوات والبرامج بلا استثناء... هو بروموشن بثته قناة (الحياة) الخاصة عن المباراة، تستخدم فيه موسيقى المسلسل المصري الشهير رأفت الهجان!
البروموشن يقدم لقطات بطولية للفريق المصري في مواجهة شقيقه الجزائري، أين منها بطولات رأفت الهجان في اختراق وإذلال إسرائيل... وعلى الإيقاع الموسيقي الحار والمؤثر... نرى لقطات للفراعنة في حالات الترقب والأمل والمعاناة والحلم بالنصر... أي منها مشاعر رأفت الهجان وهو يتلقى خبر عبور القوات المصرية خط بارليف في حرب تشرين(اكتوبر) 1973!
المقارنة تفرض نفسها على مرجعية الموسيقى والحدث والمناخ (إلهاب الشعور الوطني) ويا حبذا لو ترك 'المونتير' الذي قام بمونتاج هذا الفاصل، مشهد الفنان يوسف شعبان، وهو يوصي العميل السري ويشحذ همته قائلاً: (مصر أمانة برقبتك)... فمثل هذه المقاربة اللاهية والعابثة تحتاج لمثل هذا الإسقاط الحرفي بالتأكيد... لكن المعيب والمؤلم حقيقة... أن الطرف الذي سينتصر عليه فريق رأفت الهجان الرياضي هو المنتخب الجزائري الشقيق!

تساؤلات فقط!

أخيراً السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا لو فازت مصر ليس بالتأهل لمونديال كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا... بل بكأس العالم نفسه؟! هل ستقل نسبة البطالة؟! هل سينخفض عدد الجياع؟! هل ستتقدم مصر في مؤشر منظمة الشفافية العالمية لقياس نسبة الفساد؟! هل ستصبح مصر عضواً دائماً في مجلس الأمن؟! ولو كانت مثل هذه المباراة الفاصلة مع منتخب إسرائيل... هل ستتأثر علاقات (السلام) بين مصر وإسرائيل بسبب المباراة على النحو الذي تأثرت به علاقات (الأخوة) مع الجزائر؟!

محمد منصور

المصدر: القدس العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...