دورة دولاب القمع السلطوي في إمارتي حماسستان وفتحستان

27-08-2007

دورة دولاب القمع السلطوي في إمارتي حماسستان وفتحستان

الجمل:     تداعيات حالة الانقسام في الأراضي الفلسطينية، ماتزال تلقي بتداعياتها، على شكل السيناريو الجاري، والقادم في الساحة الفلسطينية، وعلى ما يبدو فقد أصبح الانقسام أكثر عمقاً، وسوف تكون له تداعياته القصيرة والطويلة المدى.
• الانقسام الحالي:
في الماضي كان كل زعيم عندما تشتد خلافاته مع القيادة ويصبح حلها مستعصياً، فإنه يخرج من الاجتماع مغادراً التنظيم ومعه عناصره وحلفاءه، بحيث يقوم بتشكيل فصيل فلسطيني جديد، وقد تكرر حدوث هذه الظاهرة وعلى وجه الخصوص في الفترات الحرجة التي شهدها تاريخ النضال الفلسطيني المعاصر، مثل أحداث أيلول الأسود، والخروج من بيروت، وتوقيع اتفاقية أوسلو، وغيرها.. هذه المرة يختلف الانقسام الفلسطيني، وذلك بسبب الطابع الجيو- سياسي  الذي تميز به.
• الطبيعة (الخطرة جداً) للانقسام الحالي:
حماس تمثل حركة سياسية دينية إسلامية التوجهات، وهي حديثة النشأة عند مقارنتها بحركة فتح التي تعتبر المهد الحقيقي والبؤرة الأساسية لانطلاق النضال والكفاح التحرري الفلسطيني المعاصر. وفتح هي حركة بدأت يسارية التوجهات، ولاحقاً تحولت إلى حركة علمانية، ثم تحولت بعد ذلك إلى انتهاج الخط السياسي الذرائعي الذي يجمع الكثير من المتناقضات بما في ذلك الجمع بين العمل من أجل تحرير فلسطين على المستوى المعلن، والتعامل الداعم لأجندة الاحتلال الإسرائيلي على المستوى غير المعلن.. والذي أصبح لاحقاً شبه معلن.
لو كان الانقسام مذهبياً وعقائدياً، لكان ذلك أمر ممكن الحسم عن طريق الشعب الفلسطيني، والذي تعود على عمليات التسويق السياسي والمذهبي والعقائدي التي تقوم بها الفصائل الفلسطينية، والتي كان هذا الشعب صاحب الكلمة العليا في التعامل مع الخيارات والتفضيلات التي تناسبه، وقد كان الشعب الفلسطيني يقف في الماضي بأغلبية كبيرة إلى جانب فتح، ولكنه تحول في الوقت الحالي –وبواسطة صناديق الاقتراع- إلى جانب حماس.. ومن يدري فغداً قد يقرر الشعب الفلسطيني باعتباره صاحب الحق والكلمة العليا، اللجوء إلى أحد الخيارات والتفضيلات الأخرى المتاحة أمامه.
الطبيعة الخطرة جداً للانقسام الفلسطيني الحالي تتمثل في البعد الجيو- سياسي الذي اتسم به، لجهة الآتي:
- الأراضي الفلسطينية بحسب الإقرار الدولي الذي اكد عليه الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات تتمثل بالضفة الغربية وقطاع غزة.
- الضفة الغربية وقطاع غزة هما منطقتان تفصيل بينهما إسرائيل.
وحالياً تسيطر حركة حماس الإسلامية التوجهات على قطاع غزة، بينما تسيطر حركة فتح على الضفة الغربية، بحيث أصبحت فتح تشكل المعارضة إزاء سلطة حماس القائمة في غزة، وحماس تشكل المعارضة إزاء سلطة فتح القائمة حالياً في الضفة، وبالمقابل بدأت كل سلطة تستخدم أدوات دولاب القمع السلطوي في المنطقة الخاصة بها إزاء المعارضة من جهة، وتقوم من الجهة الأخرى بدعم المعارضة التابعة لها الموجودة في المنطقة الأخرى، بحيث تقوم حماس بدعم أنصارها المعارضين لفتح في الضفة، وتقوم فتح بدعم أنصارها المعارضين لحماس في قطاع غزة.. كذلك، الانقسام أدى إلى ترتيب وإعادة ترتيب الكثير من الأوراق والأجندة الإقليمية والدولية الخاصة بالمنطقة، وبالذات من جانب إسرائيل وأمريكا ومصر والأردن.
• منعطف القضية الفلسطينية وسيناريو المسار الفلسطيني الحرج:
يتمثل أفضل سيناريو في تحقيق الوحدة بين الفلسطينيين، وذلك لأن عدم وحدة الفلسطينيين تشير بطريقة أو بأخرى إلى عدم وحدة القضية الفلسطينية.
الوحدة الفلسطينية يمكن أن تتم بالكثير من الوسائل، فهي إما أن تتم بالتوافق بين حماس وفتح، أو بأن يقضي أحدهما على الآخر، ولكن بشرط أن يكون متمتعاً بالتأييد الشعبي الفلسطيني، وإذا كانت حماس تتمتع اليوم بالأغلبية، فلا أحد يستطيع أن يجزم بأن الشعب الفلسطيني قد يعود إلى قواعده ومواقفه السابقة، ويقدم تأييده ومساندته الكاملة لحركة فتح!!!
السيناريو الأسوأ هو أن تستمر الأوضاع الحالية بحيث يظل الفلسطينيون تحت ضغوط الأزمة، وهو أمر سوف يؤدي إلى الكثير من التوترات والدخول في متاهة اليأس والإحباط.
السيناريو الأكثر سوءاً يتمثل في تعميق الطابع الجيو- سياسي المذهبي القائم حالياً بين غزة وحماس وضفة فتح، على النحو الذي يؤدي إلى قيام دولتين فلسطينيتين. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن شبه القارة الهندية كان يمثل دولة واحدة، أو بالأحرى أمة تاريخية واحدة، وبسبب الخلافات المذهبية وتوتر العلاقات الهندوسية- الإسلامية تحولت شبه القارة الهندية إلى دولتين، هما الهند الهندوسية، وباكستان الإسلامية، ولاحقاً ولما كانت باكستان تتكون من قطعتين من الأرض، هما باكستان الغربية وعاصمتها إسلام اباد، وباكستان الشرقية وعاصمتها دكا، فإن الهزائم الباكستانية أمام القوات الهندية في الحروب التي اندلعت بين البلدين حول السيطرة على إقليم جامو- كشمير، قد أدت إلى خلافات مشابهة بقدر كبير لخلافات فتح وحماس، وقد انفصلت باكستان الشرقية إلى دول مستقلة حملت اسم بنغلادش بتأثير الدعم الهندي لنخبتها الحاكمة، وقد ساعد على انفصال بنغلادش عن باكستان الوضع الجيو- سياسي الذي كان سائداً، وكان يشبه إلى حد كبير الوضع الجيو- سياسي الحالي بين ضفة فتح وغزة حماس.
إن تحويل الأراضي الفلسطينية إلى دولتين مستقلتين، وتحويل الشعب الفلسطيني إلى شعبين، وهو حلم كل الإسرائيليين وليس حلم شارون وحدة.
• الموازنة بين حماس وفتح:
تقول مؤشرات ميزان القوى بين فتح وحماس بالآتي:
- تزايدت شعبية حماس على حساب شعبية فتح التي انخفضت بقدر كبير خلال الأعوام الماضية.
- توجهات حماس إزاء إسرائيل وأمريكا مثل التوجه العام السائد في المجتمع الفلسطيني إزاء تحرير أرضه وأجندة القضية الفلسطينية.
- تتميز حماس بالتماسك الداخلي والمذهبي، بينما تفتقر فتح إلى هذا النوع من التماسك.
- توجد معركتان سياسيتان، الأولى في الضفة الغربية بين أنصار فتح وحماس، والثانية في قطاع غزة بين أنصار حماس وفتح.. ولكن ما هو أعمق يتمثل في وجود معركة داخل فتح بين قمة فتح وقاعدتها، وهذه المعركة لا توجد أي مؤشرات لوجودها داخل تنظيم حماس.
- تجد حماس دعماً كبيراً من الفلسطينيين، بينما تجد فتح دعماً كبيراً من الأنظمة العربية المتحالفة مع أمريكا، وأيضاً دعم أمريكا وإسرائيل والاتحاد الأوروبي.
- الشارع العربي يتعاطف مع حماس، ولا يتعاطف –مطلقاً- مع فتح.
وعموماً، إن مستقبل القضية الفلسطينية، ومستقبل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي أصبح يعتمد بقدر كبير على الأقل في الوقت الحالي، الصراع بين فتح وحماس، وهو صراع يعتمد من جهة أخرى على التوازنات الفلسطينية الداخلية واتجاهات عمل القوى المجتمعية الفلسطينية الموجودة ضمن الشعب الفلسطيني، وذلك لأنه إذا استمر الدعم الشعبي الفلسطيني لصالح حماس فإن فتح مصيرها إلى زوال، وإن تحول الدعم الشعبي عن حماس إلى فتح فإن حماس مصيرها إلى زوال، وإن انقسم الشعب الفلسطيني بين حماس وفتح، فإن قيام دولة حماسستان في غزة، ودولة فتحستان في الضفة سوف يكون ظهوره مسألة وقت لا أكثر.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...