جون إسبوسيتو ...من «التهديد الإسلامي خرافة أم واقع؟» إلى «مستقبل الإسلام»

21-02-2016

جون إسبوسيتو ...من «التهديد الإسلامي خرافة أم واقع؟» إلى «مستقبل الإسلام»

جون إسبوسيتو؛ أستاذ العلاقات الدولية والدراسات الإسلامية في جامعة جورج تاون، وعلى مدى عشرين عاماً أصدر عدداً من الدراسات عن الإسلام والمسلمين كان أبرزها «الإسلام والسياسة» عام 1984، و«الإسلام الطريق المستقيم» عام 1988. غير أن أهم إصدارته كان كتاب «التهديد الإسلامي... خرافة أم واقع؟» الذي ناقش فيه وفنَّد عدداً من المفاهيم الخاطئة عند الغرب عن الإسلام. وفي سياق الاهتمام والقلق الغربي من الأصولية الإسلامية وعلاقاتها بالإسلام كعقيدة، أوضح أنه إذا كان العالم يربط الأصولية بالإسلام، فإن نسبة صغيرة من المسلمين هي التي تنتمي إلى هذا التيار المروج للإرهاب وأن الإسلام أكثر تنوعاً من هذه المجموعة. ودلَّل إسبوسيتو على ذلك بأن وجود أطباء وأساتذة ومهندسين مسلمين نابغين يقدم أساساً صلباً للتنوع والطبيعة الآمنة للإسلام.

وفي شباط (فبراير) 2010 أصدر إسبوسيتو كتابه «مستقبل الإسلام»، وفيه يناقش نطاقاً عريضاً من القضايا والأسئلة التي تتعلق بالإسلام والمسلمين في أميركا والغرب ويجيب عليها ويوضح من خلال التاريخ والواقع الإسلامي الالتباسات والتشوش الذي يحيط بهما الغربُ الإسلام. ومن هنا كان الكتاب مناقشة لأسئلة تسيطر علي رؤية أميركا والغرب للإسلام: لماذا لم يكن هناك إصلاح في الإسلام، وأين الإصلاحيون المسلمون ولماذا لا يتكلمون؟ وما موقف الإسلام من الديموقراطية، والمرأة وتمكينها في المجتمع، ولماذا يكره المسلمون الغرب؟ ولماذا لم يدن المسلمون وعلماؤهم أحداث 11 أيلول (سبتمبر) وأحداث الإرهاب الأخيرة، وما مكان ودور الجماعات المسلمة في أميركا والغرب، وهل اندمجوا في هذه المجتمعات واحترموا قوانينها وقيمها، وإذا كانوا لم يفعلوا ذلك فلماذا، وإذا كانوا قد فعلوا فإلى أي مدى؟

ويبدأ إسبوسيتو كتابه بتأثير هجمات 11 أيلول (سبتمبر) الإرهابية وكيف أنها حوَّلت القرن الواحد والعشرين إلى عالم تسيطر عليه الحرب التي تقودها أميركا ضد الإرهاب العالمي وقدمت صورة الإسلام كدين وشعب يجب أن يخاف منه وأن يحارب. وفي هذا تحدث البعض عن صدام الحضارات وتساءل آخرون ما الخطأ؟ ولماذا يكرهوننا؟ وبالنسبة إلى كثيرين في العالم الإسلامي بدت الحرب ضد الإرهاب حرباً ضد الإسلام والعالم الإسلامي ونظر إلى أميركا باعتبارها منخرطة في محاولة استعمارية جديدة لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط في ضوء مصالحها السياسية والاقتصادية وجاءت إجراءات الاعتقال بلا محاكمة، وسوء معاملة المسجونين الإسلاميين والإسهامات بتدنيس القرآن والحط من شأن الإسلام وتعذيب سجناء أبو غريب وغوانتانامو، وتآكل الحريات المدنية للمسلمين من خلال الشهادات السرية ومواد قانون الوطنية، جاء هذا لكي يقوض ادعاءات إدارة بوش بأنها تدافع وتروج للديموقراطية وحقوق الإنسان. وينبه إسبوسيتو إلى أنه من المهم من البداية أن نتذكر أن موضوع الإسلام والمسلمين هو موضوع سياسي وديني، فالإسلام اليوم ليس فقط عقيدة تلهم التقوى الشخصية ويقدم معنى ومرشداً لهذه الحياة والآخرة، ولكنه أيضاً أيديولوجية ووجهة نظر عالمية تعلم السياسات الإسلامية والمجتمع، وتناشد الحكومات الإسلامية وكذلك حركات المعارضة والقادة الدينيين الذين يستخدمون العقيدة لإضفاء الشرعية على معتقداتهم وسياساتهم وأفعالهم، وحيث تستقطب المجتمعات الإسلامية اليوم بين الاتجاهات العلمانية والاتجاهات الأكثر تديناً.

ويقول إسبوسيتو إنه يكتب عن الإسلام باعتباره مستقبلنا جميعاً، فالإسلام والمسلمون اليوم هما لاعبان متكاملان في التاريخ العالمي، كما أنه في عالم نخضع فيه جميعاً للثنائية؛ «نحن»/ «هم»، وهو ما يدفعنا إلى العلو عليه، وإن لم ننكر خلافاتنا وتأكيد إنسانيتا المشتركة سواء كرهاً أو اختياراً متصلين بعضنا ببعض ومعتمدين على بعضنا ونخلق بشكل مشترك مجتمعنا وعالمنا. ويذكر إسبوسيتو أنه في الثقافة الغربية، إذا كانت مجموعة من اليهود أو المسيحيين مسؤولين عن ضرب مركز التجارة العالمي، فإن قلة فقط هي التي ستُرجع هذا إلى معتقدات التيار الديني الرئيسي لليهودية أو المسيحية، فبينما لم ينسب اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي رابين بواسطة أصوليين يهود إلى التيار الرئيسي لليهودية، كذلك يرتكبون جرائم شنيعة على أنهم يمثلون المسيحية أو اليهودية، والأفراد الذين يرتكبون هذه الجرائم يرفضون غالباً كمتطرفين أو مجانين أكثر من وصفهم كأصوليين مسيحيين أو يهود. وعلى النقيض من هذا فإن غالباً ما تصور بيانات وأفعال المتطرفين المسلمين على أنهم جزء لا يتجزأ من التيار الرئيسي للإسلام. ولا ينكر إسبوسيتو أن مسلمين يرتكبون أعمال عنف تثير الغضب، ولكنه يتساءل عن الطريقة التي تحدد وتسوي هذه الأعمال مع عقيدة معظم المسلمين.

ويريد إسبوسيتو أن يروي قصة كيف وصلنا إلى ما نحن عليه، وما الذي نريد أن نفهمه وأن نفعله ليتحقق ما سماه الرئيس أوباما؛ «طريق جديد إلى الأمام»، فمن الأسئلة العديدة التي يطرحها في هذا السياق: هل مستقبل الإسلام في الإصلاح أم في الثورة وهل يتعارض الإسلام مع الحداثة، وما مدى تمثيل الأصولية الإسلامية، وهل هي تهديد للمجتمعات الإسلامية وللغرب، وما الذي يعنيه الإسلام بالنسبة للمساواة بين الجنسين، وحقوق الإنسان؟ وهل يمكن أن تكون الأقليات المسلمة على ولاء للبلاد التي تعيش فيها في أميركا والغرب؟

وفي فصل «الوجوه المتعددة للإسلام والمسلمين»، يقدم المؤلف شكلاً موجزاً للإسلام مقابل الغرب، والإسلام في الغرب. وعند إسبوسيتو أن ما هو أساسي في فهم مستقبل الإسلام هو تنوعه دينياً وثقافياً وسياسياً، وهو يتساءل من وأين المسلمون وماذا يعتقد المسلمون؟ كذلك يعتبر أنه من المهم الإجابة عن التساؤلات: لماذا لم يتكلم المسلمون (أحداث 11 سبتمبر) وهل هناك خطر في أن الإسلام سوف يكتسح أوروبا ويحولها إلى ما سماه البعض Eurobia؟ الإجابة تتطلب نظرة جادة على المسلمين في الغرب وما هي التجارب والتحديات التي يواجهها المسلمون الأميركيون والأوروبيون؟ وهل تكيَّفوا؟ وإن لم يكن فلماذا؟ وإذا كانوا قد تكيفوا فكيف؟

وينبه إسبوسيتو إلى أنه في الوقت الذي يتحدث فيه عن «الإسلام»، فإنه يوجد أكثر من إسلام وتفسير للإسلام، فصور الإسلام والمسلمين متعددة ومتنوعة: دينياً، وثقافياً واقتصادياً، وسياسياً، والمسلمون غالبية في 57 بلداً وهم يمثلون قوميات ولغات وعرقيات عدة. ويناقش إسبوسيتو ظاهرة الإسلاموفويبا فيعتبرها عبارة جديدة عن ظاهرة تنتشر الآن، إلا أنه ليست هناك عبارة مقارنة لوصف العداء والتحيز والتميز الموجَّه إلى الإسلام وللبليون ونصف بليون مسلم. وعندما أجرت مؤسسة «غالوب» استطلاعاً عام 2005 تضمن سؤالاً عما يعجبون به في الإسلام. أجاب 57 في المئة من الأميركيين: «لا شيء»، أو «لا أعلم». ومن المفهوم أن الكثير من الاتجاهات السلبية قد تأثرت بأحداث 11 أيلول (سبتمبر) وتهديد الإرهاب العالمي، ولكن الفجوة في معرفة أميركا والغرب، الإسلام والمسلمين في عالم ما بعد 11 أيلول قد مُلئت بجانب واحد وغالباً بمعلومات مثيرة تؤدي بنا إلى الخوف ونبذ هؤلاء «الغرباء». ويلاحظ إسبوسيتو أن اندماج المسلمين في أوروبا أكثر صعوبة منه في أميركا. فعلى النقيض من المسلمين الذين جاؤوا إلى أميركا بخبرة وتعلم ومهارات، فإن الذين هاجروا إلى أوروبا تحت ظروف مختلفة جداً من العمال ومن ذوي الياقات الزرقاء عندما كانت أوروبا في حاجة شديدة إلى العمال الأجانب، ونتيجة لذلك، فإن المسلمين في ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وهولندا يعيشون في أحياء منغلقة ومنغمسون في الفقر والجريمة والعصابات. وفي أوروبا، تصور الروايات الصحافية والإعلامية الإسلام على أنه الديانة التي تنمو بسرعة. وحيث نما المسلمون في أوروبا من 12 إلى 20 مليوناً، كما نما عدد المساجد في بلدان مثل بريطانيا وألمانيا وإيطاليا في شكل دال.

ويطرح إسبوسيتو سؤالاً حاسماً تردد في الولايات المتحدة كقضية مفتوحة: لماذا لم يدن علماء المسلمين هجمات 11 أيلول؟ ويوضح أنه في الوقت الذي ساهم فيه الإعلام في شكل مباشر وغير مباشر بربط المسلمين بصورة سلبية، فإن ما تم تجاهله هو صدمة التيار الرئيسي للمسلمين. ووفقاً لاستطلاع «غالوب» فإن 91 في المئة من المسلمين الذين جرى سؤالهم اعتبروا أن الهجمات غير مبررة أخلاقياً، وكذلك كان ما تم التعتيم عليه حقيقة أن 358 موظفاً مسلماً قتلوا في مركز التجارة العالمي وقلة من وسائل الإعلام هي التي غطت عندئذ آلاف بيانات لقادة مسلمين ومنظمات إسلامية، تدين الهجمات الإرهابية. ويتساءل إسبوسيتو: لماذا لم تُسمع هذه الأصوات؟ ويجيب: إن بيانات المواقف العلنية للغالبية في التيار الرئيسي الإسلامي ليست أخباراً تصنع مانشيتات الصحف وغالباً ما تعتبر أنها لا تستحق، أما الذين يبشرون بالسلام وحل الصراعات، فإنهم يلقون تغطية قليلة وربما تدفن في الصفحات الأخيرة. وكان من نتيجة ذلك أن ساد الاعتقاد بأن المسلمين لم يتحدثوا ضد العنف والإرهاب. وهكذا فإن أفعال الأقلية الخطرة من المتطرفين المسلمين والإرهابيين أصبحت هي المنظار المشوه والذي يرون ويفهمون من خلاله المسلمين وديانتهم.

ويطرح إسبوسيتو تساؤلات حول كيف وصلنا إلى الحد الذي اعتبر فيه أن الحرب الأميركية على الإرهاب هي حرب ضد الإسلام والمسلمين؟ وما هي الأسئلة التي يمكن تعلمها؟ ما هي الأحداث الكبيرة التي صاغت السياسات الإسلامية وتصوراتها عن الإسلام والعالم الإسلامي؟ وهل الحركات الإسلامية السياسية والاجتماعية تمثل وحدة متراصة ومتماسكة الآن وفي المستقبل؟ وما الأسباب الرئيسية للإرهاب، وما هو الدور الذي يلعبه الدين؟ وماذا يعني التحول من الجهاد المحلي أو العالمي بالنسبة إلى الأجيال القادمة؟ وكيف أثرت السياسة الخارجية الأميركية في الصورة عن أميركا ومستقبل العلاقات مع الإسلام؟

يقرر إسبوسيتو أن الكثيرين في العالم الإسلامي يرون حرب أميركا على الإرهاب العالمي ذريعة لتوسيع طموحاتهم الإرهابية الجديدة، وخلق نظام عالمي جديد وإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط لاستغلال موارد العالم الإسلامي، ووفقاً لهذا التصور فإن العداء لأميركا قد تنامى في شكل كبير ليس فقط من الأقلية المتطرفة ولكن أيضاً من غالبية التيار الرئيسي للمسلمين الذين يدعون المسلمين المعتدلين والذين أصبح وجودهم موضع تساؤل. وعند اسبوسيتو، فإن قدراً كبيراً قد تغيَّر في أوائل القرن الواحد والعشرين، فقد انتشر التطرف الديني والإرهاب العالمي بتصاعد تدخل الولايات المتحدة والغرب في العالم الإسلامي، حيث يزداد العداء لأميركا في شكل كبير وانتشرت الهجمات الإرهابية في العراق وأفغانستان وباكستان وأوروبا، وعلى رغم دعم إدارة بوش لمزيد من الديموقراطية فإن الكثير من حلفاء أميركا خصوصاً مصر وباكستان أصبحوا أكثر شمولية، بينما آخرون مثل مراكش والأردن حددوا خطوات إلى الخلف في طريقهم للديموقراطية، وكان الفشل في الاستجابة للأسباب الجذرية للإرهاب قد غيَّر كثيراً شكل تصورنا للعالم ولسياستنا الخارجية.

استخلص الكثير في العالم الإسلامي أن الاعتماد الزائد على الغرب كنموذج للتقدم قد يضعف أكثر من أن يقوي العالم الإسلامي، هذه الأزمة فرضت شعوراً سائداً بالعجز والدونية لكن الكثير من المسلمين الذين كانوا نتاجاً لقرون من السيطرة الأوروبية والتي تركت كراهية عميقة لتوغلها واستغلالها، كل هذا هو الذي غذى دعوة الكثيرين للعودة إلى المبادئ الإسلامية والإصرار على أن المسلمين يجب أن يستعيدوا ميراثهم العربي والإسلامي وثقافتهم وقيمهم. هذا الطلب أو السعي لهوية تاريخية حقيقية هو الذي أشعل إعادة إحياء الدين والسياسة والمجتمع عبر العالم الإسلامي وهي القوة التي تستمر في التأثير على السياسة الإسلامية اليوم، وهي السبب في أن الانتخابات الديموقراطية التي أجريت أنتجت مرشحين لهم توجه إسلامي في المستويات العليا للحكومات، وهو ما حدث في تركيا حصن العلمانية وماليزيا وإندونيسيا، وقد استمر هذا الاتجاه في القرن الواحد والعشرين.

السيد أمين شلبي

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...