تونس تشيع البراهمي اليوم شرخ سياسي .. والسلطة تتهم تكفيريين

27-07-2013

تونس تشيع البراهمي اليوم شرخ سياسي .. والسلطة تتهم تكفيريين

سارعت السلطات التونسية أمس في محاولاتها لتثبيت اتهام الجماعات المتشددة باغتيال المناضل التونسي المعارض محمد البراهمي، لتظهر نفسها أيضاً ضحية محاولات «ضرب العملية الديموقراطية»، فيما بدت البلاد في حالة انقسام حاد وشلل شبه تام ولم تحركها سوى الاحتجاجات المناهضة للحكومة، كما المؤيدة.
وإذا كان اتهام «الجماعات التكفيرية» ليس مستبعداً بأي شكل من الأشكال، إلا أنّ ما تخفيه تصريحات الائتلاف المسيطر على السلطة «الترويكا»، ومن خلفه «حركة النهضة»، الفشل في إدارة التعددية والتسلط منذ أواخر العام 2011 عبر آليات العمل الديموقراطي والقفز فوق التوافق الوطني على الخطوط العريضة في مرحلة هي انتقالية وتأسيسية للمجتمع الديموقراطي. الناطق الرسمي باسم «الجبهة الشعبية» حمة الهمامي متحدثاً خلال مؤتمر صحافي أكد خلاله مقررات الجبهة السابقة، في تونس أمس (أ ب أ)
وبدت تونس، أمس، متوجهة إلى انقسام عمودي بين مؤيد لـ«حركة النهضة» ومعارض لها، في ظل شلل سببه الإضراب العام الذي دعت إليه اكبر نقابة في البلاد «الاتحاد العام التونسي للشغل» احتجاجاً على اغتيال النائب اليساري المعارض محمد البراهمي.
وكانت شوارع العاصمة التونسية مقفرة في ساعات النهار الأولى، حيث لم تفتح المؤسسات والمحلات التجارية والمقاهي أبوابها. وبدت حركة السيارات ضعيفة جداً، وسجلت حركة الترامواي حركة محدودة جداً أيضاً وكان معظمها خال بسبب عدم وجود مستخدمين لها.
ولم يقتصر الإضراب على الأسواق التونسية، فحتى رحلات شركة «الخطوط الجوية التونسية» وفرعها «الخطوط الجوية التونسية السريعة» ألغيت ولم تقلع أي طائرة، تلبية لدعوة الإضراب. كما ألغت شركات أجنبية مثل «اير فرانس» و«اليتاليا» و«بريتش ايرويز» رحلاتها من تونس وإليها بسبب إضراب الفنيين في المطارات.
وتظاهر المئات في العاصمة للمطالبة برحيل الحكومة التي تقودها «حركة النهضة»، هاتفين في جادة الحبيب بورقيبة «الشعب يريد سقوط الحكومة» و«النهضة يجب أن تسقط اليوم». كما رفع المتظاهرون أعلام تونس ورددوا هتافات معادية لزعيم «النهضة» راشد الغنوشي، فيما وصفه البعض بـ«القاتل».
ولتكريس مشهد الانقسام، احتشد الموالون للـ«النهضة» في شوارع تونس العاصمة وفي عدد آخر من المناطق للدفاع عن حكومتهم في مواجهة دعوات الاستقالة. وردد المحتجون هتافات قالوا فيها «الشعب يريد النهضة من جديد» و«لا للانقلاب على الديموقراطية» رافضين دعوات لاستقالة الحكومة وتشكيل حكومة وحدة وطنية، رافعين لافتات تعلن أنّ من اغتال البراهمي هم «أعداء الثورة».
أما الإضراب الوطني الواسع فهو الثاني منذ إطاحة الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي. وكان الإضراب الأول جرى بدعوة من هذا الاتحاد النقابي غداة اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد.
وفي هذا السياق، نفذت إضرابات واسعة في مختلف الولايات التونسية. وحتى في الولايات التي لم تشارك بشكل كبير، أضربت المصالح الرسمية وغالبية المؤسسات الخاصة من مصارف وغيرها.
وظهرت أضخم مظاهر الغضب والاحتجاج في ولاية سيدي بوزيد، مسقط رأس البراهمي، حيث أعلن عن عصيان مدني مفتوح إلى حين حل «المجلس الوطني التأسيسي» وكل السلطات المنبثقة منه، وفق ما جاء في بيان لـ«الاتحاد الجهوي للشغل» في الولاية.
ورفع المشاركون في المسيرة الشعبية الحاشدة، التي انطلقت من أمام مقر الاتحاد الجهوي للشغل في الولاية، شعارات تدعو إلى «إسقاط النظام» وأخرى مشددة على العصيان المفتوح.
في المقلب الآخر، خرج وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو ليعلن أن تونسييْن اثنين، احدهما «سلفي تكفيري»، اغتالا النائب المعارض محمد البراهمي بسلاح من نفس نوعية السلاح الذي قتل به المناضل شكري بلعيد قبل أقل من ستة أشهر، وفقاً له.
وقال بن جدو في مؤتمر صحافي إنّ «من اقترف عملية الاغتيال الشنيعة هما شخصان يمتطيان دراجة نارية سوداء اللون من نوع فيسبا ويرتديان لباساً اسود، وأحدهما يرتدي قبعة حمراء، وقد اقتربا منه (البراهمي) وهو بصدد امتطاء سيارته وأطلق عليه احدهما وابلاً من الرصاص».
وأضاف «أثبتت التحريات أن الشخصين المذكورين قد ترصداه من قبل ... وحاما حول منزله في الأيام السابقة»، مشيراً إلى أنّ «السلاح المستعمل سلاح نصف آلي من عيار 9 مليمترات، وهو نفس السلاح الذي اغتيل به الشهيد شكري بلعيد» في السادس من شهر شباط الماضي.
وتابع أنّ «الضالع في الاغتيال هو المدعو بوبكر الحكيم (30 عاما) وهو عنصر سلفي متشدد تكفيري سبق ان تورط في قضية مسك وإدخال أسلحة الى الجمهورية التونسية .. ولطفي الزين (35 عاماً)».
وفي سياق حديثه، أوضح أن الأمن التونسي اعتقل «في الأيام القليلة الماضية» مشتبهاً فيه رابعاً في اغتيال شكري بلعيد يدعى صابر المشرقي وأن الأخير «أكد ضلوع بوبكر الحكيم (المولود في باريس العام 1983) ولطفي الزين في حادثة اغتيال شكري بلعيد».
وقال «ثمة تقاطع من ناحية مشاركة بوبكر الحكيم في اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي وثمة تقاطع أيضاً في استعمال نفس السلاح الذي اغتيل به الشهيدان»، موضحاً أن عدد التونسيين المشتبه فيهم في مقتل شكري بلعيد أصبح 14، بينهم 4 معتقلون وهم صابر المشرقي ومحمد علي دمق ومحمد امين القاسمي وياسر المولهي، واثنان قرر القضاء «تركهما بحالة سراح» وهما طارق النيفر وحسام فريخة.
ولفت الى انه «ثبت أن بعض المشتبه بهم في اغتيال شكري بلعيد نشطوا في تنظيم انصار الشريعة» السلفي المتشدد الموالي لـ«تنظيم القاعدة».
من جانبه، أعلن مكتب مدعي الجمهورية أن تشريح جثة البراهمي كشف انه أصيب بـ14 رصاصة من عيار 9 مليمترات، «بينها ست في النصف العلوي من الجسم وثماني رصاصات في الساقين»، موضحاً أنه تم فتح تحقيق «بالقتل العمد والإرهاب».
وكان جثمان البراهمي نقل، أمس، من المستشفى في تونس العاصمة إلى منزله قبل تشييعه المقرر اليوم إلى «مقبرة الجلاز» في تونس، أي في المقبرة نفسها حيث ووري المناضل شكري بلعيد الثرى.
بدورها، أعلنت أرملة البراهمي مباركة البراهمي انه سيدفن اليوم في «مقبرة الجلاز» وسط العاصمة تونس «إلى جانب شكري بلعيد». وأوضحت أن «الجنازة ستخرج من منزل البراهمي في حي الغزالة، وسط العاصمة، الساعة العاشرة صباحاً (التاسعة بتوقيت غرينتش) وستمر عبر شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي وسط العاصمة لتنضم اليها الحشود». ورفضت الأرملة حضور ممثلين للائتلاف الثلاثي الحاكم الجنازة.
من جانبها، تحدثت ابنته بلقيس عن عملية الاغتيال، وقالت «ظهراً، سمعنا طلقات نارية ترافقت مع صرخات ألم والدي. خرجنا أنا وأخي لنجده جالساً خلف مقود سيارته ومصاباً بعدد من الرصاصات».
وفي حديثها عن تفاصيل اليوم الأخير مع والدها، أضافت «أعرف أنه كان يحضر استقالته من المجلس التأسيسي، مبرراً ذلك بقوله انه لا يريد التصويت على دستور يراد منه ترسيخ ديكتاتورية إسلامية». وتابعت «النهضة قتلت والدي، وأحمّل راشد الغنوشي شخصياً المسؤولية».
وإلى جانب الانقسام الذي ظهر في الشارع التونسي أمس، كان للاغتيال تداعيات على المؤسسات السياسية، إذ أعلن «حزب المبادرة»، وهو حزب علماني، استقالة أعضائه الخمسة في «المجلس الوطني التأسيسي». وفي وقت متأخر من ليل أمس، برز الإعلان عن اجتماع لعدد كبير من أعضاء المجلس، وسط أنباء عن نية انسحاب 42 نائباً من المجلس الوطني.
في سياق منفصل، توالت بيانات الإدانة لعملية الاغتيال وكان أبرزها تلك التي أصدرتها وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون والأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، إضافة إلى إدانة الحكومة القطرية.

المصدر: السفير+ كالات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...