تأثيرات الأزمة المالية على الدراما السورية

02-08-2009

تأثيرات الأزمة المالية على الدراما السورية

تعد الدراما اليوم من أهم الصناعات المؤثرة على السياقات الإعلامية والثقافية والمعرفية للمجتمعات وخاصة بعد ظهور ثقافة الصورة وآلياتها المتحكمة في عقول المتلقين ومشاعرهم.

ومع تبني الكثير من التلفزيونات مبدأ التسلية والترفيه وزيادة ساعات العرض شهدت قطاعات الإنتاج التلفزيوني وبالأخص ما يتعلق بالدراما نشاطاً وحضوراً مميزين.

وخلال عقدين من الزمن استطاعت الدراما السورية أن تسجل حضوراً وانطباعاً متميزاً عند المشاهد العربي لما طرحته هذه الدراما من قضايا مهمة وجريئة لكن مع دخول العالم إلى نفق الأزمة الاقتصادية كثر الحديث عن تراجع ملحوظ في عدد الأعمال الدرامية لهذا العام.. الأمر الذي يدفعنا إلى السؤال عن تأثير الأزمة الاقتصادية على الدراما السورية وعن مشكلات هذه الدراما وحاجتها إلى آليات جديدة وخطط مستقبلية وهل سيؤثر الانكماش في عدد الأعمال المنتجة على السوية الفنية والنوعية للأعمال السورية.

وقال فراس دهني مدير الإنتاج التلفزيوني في التلفزيون السوري لنشرة سانا الثقافية إن الإنتاج الخاص تأثر بشكل واضح ومباشر بالأزمة المالية العالمية من خلال انخفاض رأس المال المخصص للإعلان من قبل الشركات العربية المستثمرة في الإنتاج الدرامي السوري فعدد الأعمال المنتجة لهذا العام انخفض إلى النصف مقارنة بالعام الماضي، حيث تجاوز عدد المسلسلات 47 عملا العام الماضي بينما لم يتجاوز هذا العام 23 عملاً.

وأشار دهني إلى أن بعض الشركات الخاصة والتي تستثمر برأس مال وطني قد أنتجت هذا العام ضعف ما أنتجته العام الماضي مضيفاً إن الإنتاج العام والذي تنتجه مديرية الإنتاج التلفزيوني أثرت على نفسها لأنها لم تنفذ سوى أعمال قليلة جدا هذا العام.

وأوضح دهني أن إدارة التلفزيون ليس لها علاقة مباشرة بالإنتاج الدرامي إلا من خلال استراتيجيات الإنتاج الدرامي التي توضع ضمن خطة المديرية مشيراً إلى أن مديرية الإنتاج بدأت بوضع خطة مستقبلية وطموحة لتنشيط القطاع العام وإعادة تأهيله ليتمكن من وضع بصمته على خارطة الإنتاج الدرامي.

وعن السوية الفنية للأعمال المنتجة ومدى تأثر هذا الجانب بالأزمة المالية أوضح دهني أنه لا يمكن القول بأن الإنتاج السوري دائما على سوية عالية ونوعية ممتازة فهذا شبه مستحيل لأن الإنتاج الدرامي يحتكم إلى ساعات العرض ومتطلبات القنوات والتي لا يهتم البعض منها بالجانب النوعي بقدر هاجسها لملء ساعات البث مؤكداً أهمية بعض الأعمال السورية التي أنتجت خلال الأعوام السابقة.

وعن المؤسسات السورية القائمة على الشأن الدرامي ودورها في الحد من تأثيرات الأزمة المالية قال دهني إن دور نقابة الفنانين ولجنة صناعة السينما ومديرية الإنتاج التلفزيوني يقتصر على رعاية الإنتاج وعدم التدخل في مسألة التسويق مطالباً بتأسيس هيئة لتسويق الأعمال السورية التي يعتبر عدم وجودها إحدى مشكلات الدراما السورية التي تعاني أيضاً من عدم توفر الحماية لها إلى جانب عدم التنسيق بين الجهات المنتجة فالكل يعمل بطريقة الموضة أي إذا نجح المسلسل التاريخي نصنع عشرين مسلسلاً تاريخياً وإذا نجح المسلسل الكوميدي نصنع عشرات المسلسلات الكوميدية مشيراً إلى ضرورة العمل كفريق واحد وضمن إستراتيجية واضحة لمعرفة ما تريده الدراما السورية وما نريده نحن من الدراما السورية.

بدوره قال مروان ناصح مدير قناة الدراما السورية إن الأزمة المالية أثرت على مجمل النتاج الفني في العالم ولم يقتصر هذا التأثير على الدراما العربية فقط ومن ضمنها الدراما السورية فقد لوحظ هذا العام انخفاض عدد الأعمال المنتجة إلى الأقل من النصف مقارنة بالعام الماضي والسبب يعود إلى خفض المحطات الخليجية حجم ميزانياتها المنفقة على شراء الأعمال العربية وتفضيلها لعرض الأعمال الخليجية.

وأضاف ناصح إن انعكاس الأزمة ظهر بوضوح من خلال قلة الإنتاج وصعوبة التوزيع لذا اعتقد أن الدراما السورية تخوض امتحاناً عسيراً جداً وأتمنى أن تخرج من هذا الامتحان بقوة أكبر.

وحول تأثير الانخفاض الكمي للأعمال المنتجة على النوعية والسوية الفنية قال ناصح إن النوعية لا تتأثر لأن سوق الإنتاج أصبحت واضحة وتعرف طبيعة الموضوعات الآسرة لدى الجمهور مضيفاً أن شركات الإنتاج تبحث دوما عن مطالب الجمهور.

وأبدى ناصح مخاوفه من الانخفاض الكمي للأعمال الدرامية فاستمرارية هذه الأزمة بملامحها الحالية ستجعل من التقشف وقلة الإنتاج الشعار الدائم للإنتاج.

وعن دور القطاع العام للإنتاج في إدارة الأزمة قال ناصح إن هذا القطاع عانى في السنوات الأخيرة من انكماش واضح في الإنتاج وعلى المستويين الكمي والنوعي واعتقد أن المرحلة القادمة سيقودها القطاع العام فهناك أكثر من مشروع لدعم هذا القطاع ودفعه إلى الحياة من جديد مضيفا ان التغير الأخير الذي حصل في مديرية الإنتاج ستتلوه خطوات هامة على صعيد بناء مؤسسة إنتاجية ذات طابع خاص وبأموال القطاع العام يمكن من خلالها قيادة الحركة الإنتاجية في سورية.

من جهته قال المخرج السوري ثائر موسى إن الانخفاض الدراماتيكي في عدد الأعمال الدرامية المنتجة لهذا العام لا تقف وراءه الأزمة المالية فقط فالدراما السورية تعاني ومنذ سنوات من أزمة التسويق التي دفعت ببعض شركات الإنتاج إلى الانكفاء والتقليل في إنتاجها الدرامي بالإضافة إلى الصعود الكمي الواضح للدراما الخليجية التي أخذت مكان الأعمال غير الخليجية بما فيها السورية الأمر الذي قلل من فرصة تسويق الأعمال السورية إلى جانب المنافسة القوية مع الدراما المصرية المدعومة من مؤسسات كبيرة تتبنى خططا تنظيمية محكمة لترويج أعمالها وعلى أعلى المستويات بينما الشركات السورية المنتجة تضارب فيما بينها في ظل عدم تنسيق جماعي ينظم عملية التسويق والترويج للأعمال المنتجة.

وتساءل موسى عن دور المؤسسات السورية القائمة على آليات تسويق الدراما السورية ومدى فاعليتها مشيراً إلى أن الأعمال السورية يتم تسويقها من خلال الذين يتواصلون مع القنوات بشكل شخصي مضيفاً أن هذا الواقع المؤسف تم الحديث عنه منذ سنوات وعن ضرورة خلق آليات ونظم جادة للارتقاء بعملية تسويق الأعمال لكن دون جدوى.

وأكد موسى ضرورة وضع المؤسسات السورية القائمة على شأن الدراما الخطط التنظيمية والعملية منوها أن عقلية البعض في تعاملهم مع المنتج الدرامي على أنه منتج لا يحمل أي رسالة فنية وإنسانية بقدر ما يدر أموالاً رابحة قد أثرت على الدراما بإنتاج أعمال لا ترتقي إلى المستوى المطلوب مشيراً إلى وجود بعض الشركات السورية المهمة التي قدمت أعمالاً مهمة وأضاف أنه يتفهم رغبة المستثمرين للربح المادي لكنه نوه إلى أهمية أن يكون هذا المال مدعوما ومزوداً بخلفية ثقافية تنظر إلى المنتج الدرامي على أنه منتج يتضمن رسالة حضارية وثقافية ذات قيمة عالية تؤثر على الذائقة العامة.

ونوه موسى بأن الدراما السورية لا ينقصها المخرجون والممثلون بقدر حاجتها إلى نصوص درامية مهمة وخاصة ما يتعلق بالجانب الاجتماعي.

بدوره قال وسام العمر نائب مدير شركة إيبلا الدولية للإنتاج الفني إن الأزمة المالية أثرت على مجمل القطاعات الاقتصادية بما فيها قطاع الدراما مضيفا ان شركته تأثرت بنسبة 60 بالمئة.

وأوضح العمر أن رأس مال الدراما السورية يكمن في مواردها البشرية والفكرية من المخرجين والكتاب والممثلين والفنيين الذي لن يتأثر بالأزمة معتبراً تقلص عدد الأعمال المنتجة سيؤثر سلباً على نوعية الأعمال لأن الصورة الدرامية تحتاج إلى البذخ.

يذكر أن عدد الأعمال الدرامية السورية المنتجة لعام 2008 هي 37 عملاً بحسب إحصائية لجنة صناعة السينما والتلفزيون بينما لم ينتج سوى 22 عملا هذا العام.

كما يمكن تلخيص متطلبات الدراما السورية حسب المختصين اليوم في وجود مهرجان إذاعي وتلفزيوني يعمل على تسويق الأعمال السورية أسوة بالكثير من الدول العربية وإنشاء اتحاد للمنتجين السوريين وتفعيل دور مديرية الإنتاج التلفزيوني لتصبح هيئة مستقلة كذلك تأسيس مدينة للإنتاج الإعلامي والدرامي لتستقطب الإيرادات وتزيد من حجم الاستثمارات في مجال الدراما.

عماد مصطفى

المصدر: سانا

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...