الغرب وتقنيات تشويه الأنظمة المتمردة: سوريا نموذجاً

05-06-2012

الغرب وتقنيات تشويه الأنظمة المتمردة: سوريا نموذجاً

الجمل-  ترجمة رندة القاسم: أضحى الاغتصاب و التعذيب سلاحين أساسيين ضمن ترسانة بروبوغندا وسائل الإعلام الغربية. فالتقارير من منظمات مثل Human Rights Watch  و مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، و التي  تدعي توثيق اللجوء النظامي للتعذيب و الاغتصاب من قبل "أعداء" الغرب، أصبحت أمرا معتادا ضد من تختار الامبريالية الهجوم عليه. و قد رأينا استخدام هذه الادعاءات لمنح الشرعية للعدوان ضد العراق و ليبيا و الآن سورية.
في مقال نشرته ( The Telegraph)، استخدم الكاتب بدهاء اقتباسا عن نائب مزينب الحصني حية ترزق بعد ان قطع رأسها وسلخ جلدهادير Human Rights Watch و فيه تصريح عام حول اللجوء إلى الاغتصاب في المعتقلات بغرض الاهانة و الاذلال و زرع الخوف. و لكنه ، لم يشر مباشرة إلى  سورية، و مع ذلك حاولت المقالة بوضوح الوصول إلى ربط تجريدي. و في الواقع، و مع متابعة القراءة، ترى أن الادعاءات بالاغتصاب و التعذيب على يد قوات الأمن السورية جاءت على لسان "ناشطين" (و هي العبارة المعتادة لوصف أي صوت يقدم شهادة تكرر كالببغاء وجهات النظر الغربية تجاه الأسد و النظام) هربوا من سورية. و هؤلاء المسمون ناشطين، و في حالات كثيرة، ما هم سوى إرهابيين مطلوبين، هربوا من سورية لا خوفا من الاضطهاد ولكن خوفا من مثولهم أمام القضاء بسبب جرائمهم.
و من المهم ملاحظه أنه ، و رغم الانحياز الواضح من قبل "شهود العيان" و كاتبي المقالة، لم يكن هناك أي ذكر لقوات سورية فعلية متورطه بهذه الأفعال. بل كانت الاشارة الى "ميليشيات موالية لنظام الأسد" ، و هو اختلاف هام من الملائم أن يمر دون الافصاح عنه بشكل واضح. و في الواقع، الحديث عن "قوات الأمن" المتورطة في هذا النوع من  السلوك يضاف ضمن قوسين من قبل كتاب المقالة أنفسهم. و هذا يظهر كيف تتلاعب وسائل الإعلام باستمرار بالاقتباسات و الحقائق و تصوغها بما يتناسب مع  الروايات التي يريدها صناع البروبوغندا الغربيون.

الأحداث السابقة في ليبيا:
مع  التحضير للاعتداء الامبريالي ضد ليبيا السنة الماضية، زرعت في أذهان العامة كذبة أن قوات القذافي تستخدم الاغتصاب كسلاح، و ذلك لشرعنة أعمال مثيري الحرب الغربيين و منح الناتو غطاء إنسانيا كان بحاجة ماسة له لأجل تدخله. و بالطبع، و كما يحدث دائما في هذه الحالة، تم المرور عن حقيقة أن هذه الادعاءات ثبت كذبها فيما بعد و أسقطت من الروايات الرسمية. و لكن الى أن تم فضح الخرافة كان الضرر قد وقع: فالقذافي كان وحشا، و "متمردو" بنغازي و المجلس الوطني الانتقالي كانوا مقاتلي الحرية الأبطال و ليبيا كانت بأمس الحاجة الى قنابل الناتو الخيرة.
و في الواقع استقت الادعاءات أهميتها من أهمية مطلقيها . فمجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة و Human Rights Watch  و منظمة العفو الدولية و عدد لا يحصى من منظمات، تعتمد في تمويلها على الولايات المتحدة و حلفائها ، أسبغت المصداقية  على هذه الاتهامات، مانحة بيئة شرعية لادعاءات ما كانت لتعتبر في حالة أخرى أكثر من مجرد بروبوغندا من الناتو. و بهذه الطريقة ، هذه المنظمات شريكة في التحريض على الحرب و ما خلفها من دمار في ليبيا.إيمان العبيدي التي اتهمت جنود القذافي باغتصابها
و الاتهامات بالاغتصاب و التوزيع النظامي لحبوب الفياغرا على قوات القذافي كانت تخدم مهمة أخرى هامة و هي تجسيد الصراع في الذهن العام على أنه بين الخير و الشر، لا بين الحكومة و إرهابيين متمردين. و هذا تلاعب هام جدا، لأنه و لأجل صياغة الرأي العام لصالح الحرب، تحتاج قوى الامبريالية الغربية إلى أكثر من مجرد التبرير، انها تحتاج الى مناشدة عاطفية، لا تعتمد على عنف و حرب تستهدفان مقاتلين بل هدفهما من هم بلا حيلة ، أي النساء و الأطفال.

العراق:
ليبيا ليست المثال الأول على هذا النوع من التلاعب الهادف لمنح الشرعية لعدوان الولايات المتحدة.و الأمثلة الموثقة عن هذه البروبوغندا المزيفة بوقاحة كانت ما أدى الى الحربين الأولى و الثانية على العراق. لقد استخدم جورج بوش الأب القصة الخيالية عن قيام الجنود العراقيين بقتل أطفال رضع كويتيين في الحاضنات لأجل تبرير العدوان الأميركي ضد صدام حسين عام 1991. و هذا الادعاء، الذي تم فضح زيفه تماما اليوم، صور صدام حسين كهمجي شرس متعطش للموت و التعذيب. و تجريد العدو من الصفات الانسانية و ما يتبعه من رد عاطفي  و غريزي من قبل العامة، هو ما سمح لبوش بشن حربه العدوانية. و الأكثر من ذلك، هذا الأمر أشار بوضوح الى تورط العفو الدولية و "رقباء" آخرين في تسويق الحرب.
و كما فعل أبوه من قبله، استخدم جورج بوش الابن التكتيكات ذاتها ليطلق العنان للموت و الدمار في حرب العراق الثانية. و زعمت إدارته أن صدام حسين يدير سلسلة من سجون التعذيب، و كان هذا ببساطة التبرير الذي استخدم في العدوان ضد العراق لأجل مصالح اقتصادية و تأكيد سيطرة الولايات المتحدة على الشرق الأوسط.
و يجب ألا يفوت أي مراقب سياسي نفاق هذه الادعاءات. اذ بعد فترة قصيرة من خلع صدام حسين، أنشأت الولايات المتحدة سلسلتها الخاصة من سجون التعذيب، و ابو غريب كان فقط واحدا منها. و التقارير التي تتحدث عن تعذيب الجيش الأميركي و  الCIA  و Blackwater للعراقيين بدأت تنتشر أكثر فأكثر الى أن أمسى من الواضح تماما أن الولايات المتحدة تقوم بشكل نظامي بتعذيب السجناء و هو بالضبط الادعاء الذي استخدم ضد صدام حسين "المتوحش".

سورية...الضحية التالية لحرب البروبوغندا:
اللجوء الى أكاذيب التعذيب و الاغتصاب لأجل البروبوغندا يخدم عاملا محددا جدا، فهو يخلق بيئة تساعد على خلق الحرب عندما تنجح الحكومة بمقاومة كل المحاولات الأخرى الرامية للتدمير و زعزعة الاستقرار. و كحال حكومة القذافي قبل عام، تمكنت حكومة الأسد من البقاء في السلطة في وجه حرب دولية متعددة الجوانب شنت ضدها من كل الجهات.
سوزان رايس و هيلاري كلينتون و بقية مثيري الحرب الامبرياليين في واشنطن غضبوا من عدم سقوط الأسد بعد و الفشل التام لوكلائهم في الإرهاب. لذا لجؤوا إلى سلاحهم الأكثر فاعلية: الكذب. و كما رأينا مؤخرا في حالة مذبحة الحولة، شنت وسائل الإعلام الغربية، الناطقة ببروبوغندا الولايات المتحدة و الناتو، حملة إعلامية من الكذب لإقناع العالم بأن الأسد سفاح بلا قلب و لا إنسانية. و الادعاءات بأن القوات العسكرية السورية مسؤولة عن هذه المذبحة الرهيبة دحضت و فضحت مرات لا تعد، بشكل اضطرت فيه وسائل الإعلام الغربية إلى إعادة صياغة الرواية و تغييرها باستمرار في وجه أدلة تثبت العكس.
و في حال كانت  الادعاءات حول الاغتصاب و التعذيب صحيحة فعلى الأرجح ارتكبت من قبل "المعارضة" الإرهابية المسلحة في سورية. و إذا كان علينا تصديق وجود شهود عيان على هذه الأفعال، كما ورد في مقالة Telegraph المذكورة أعلاه، عندها من الواضح أنها تمت على يد تلك الميليشيات التي لا ترتبط بالحكومة السورية و لا الشعب السوري و هي جزء من حملة تدمير عالمية. ففرق الموت، كحال سابقيها في وسط آسية و العراق، مدربة من قبل الغرب و وكلائه في الشرق الوسط لأن الامبرياليين يعلمون أنهم لا يستطيعون تنفيذ أجندتهم بطريقة أخرى.
من الضروري، و في الواقع من الأساسي، للولايات المتحدة و حلفائها شن حرب بروبوغندا. فمن غيرها، ربما أدت العقلانية و التفكير السياسي الصحيح إلى إبعاد الرأي العام عن الحرب و إعادته إلى فكرة أن سورية ملك للسوريين. و هذا التصور قد يخرج كل القطار المتجه نحو الحرب عن مساره، و يمنع السعودية و قطر و تركيا و الولايات المتحدة من فرض إرادتهم على الشعب في سورية و الاستمرار في سيطرتهم الامبريالية على المنطقة.

*بقلم ايريك دريستير و هو محلل جيوسياسي مستقل مقيم في نيويورك
عن موقع Land Destroyer

الجمل: قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...