السينمائيون العرب وجوائز «كانّ»

29-05-2013

السينمائيون العرب وجوائز «كانّ»

لم يكن التونسي عبد اللطبف كشيش (مواليد تونس العاصمة، 7 كانون الأول 1960) السينمائي العربي الأول الذي ينتزع جائزة من مهرجان «كانّ» السينمائي الدولي، المُصنّف «فئة أولى» إلى جانب مهرجاني برلين والبندقية. فعلى الرغم من فوزه بالجائزة الأولى والأهمّ في المهرجان الأول والأهمّ، إلاّ أن حصوله على «السعفة الذهبية» هذه تتويجٌ لمسار سينمائي عربي متواضع في «كانّ»، برز فيه سينمائيون حرفيون ومبدعون من دول عربية مختلفة، أنجزوا أفلاماً شكّلت محطّات أساسية في السياق التاريخي للسينما العربية. ومع أنه تفوّق على سابقيه إلى «كانّ» وجوائزها بنيله هذه الجائزة، إلاّ أن سابقيه هؤلاء صنعوا لحظات بهيّة في المشهد السينمائي العربي، بامتداده الدولي.
الفوز بإحدى جوائز المسابقة الرسمية لمهرجان «كانّ» مهمّ. لكن المشاركة في المسابقة نفسها لا تقلّ أهمية، لأنها تسم الحياة الإبداعية للسينمائيين، وتجعلهم في مرحلة لا شكّ في اختلافها عما سبقها من أعوام مليئة بالعمل والاجتهاد. أي أن الفوز بجوائز متفرّقة من «كانّ» مهمّ، لكن المشاركة مهمّة أيضاً، إذ إن سينمائيين عرباً عديدين شاركوا في المهرجان، سواء في المسابقة الرسمية أو في مسابقات أخرى، قدّموا ما اعتُبر سمات إبداعية أساسية في المشهد السينمائي العربي. آخر هؤلاء المصري يُسري نصرالله، الذي شارك فيلمه الأخير «بعد الواقعة» في المسابقة الرسمية لدورة العام الفائت، من دون أن ينال أية جائزة.
تمكّن «حياة أديل» للتونسي الفرنسي عبد اللطيف كشيش من انتزاع اعتراف دولي مهمّ، بحصوله على «السعفة الذهبية»، التي منحته إياها لجنة تحكيم ترأسها الأميركي ستيفن سبيلبيرغ، المعروف بميله المحافظ في أفلامه كلّها، الخالية من أية قبلة أو مشهد جنسي. ذلك أن «حياة أديل» مرتكز على قصّة حب بين امرأتين، وعلى تفاصيل عيشهما معاً، وسط الانقلابات الحياتية المختلفة. «جرأة» الفيلم كامنة، بحسب تعليقات نقدية أوروبية رصينة ومختلفة، في أنها منسجمة وسياق درامي يذهب بالحكاية إلى أقصى انفعالات شخصيتيها النسائيتين، ويضع هاتين الشخصيتين في مواجهة تحدّيات الحياة والجسد والمشاعر والهواجس.
لكن «جرأة» كشيش لا تختلف عن «جرأة» اللبناني الراحل مارون بغدادي، الذي حقّق «خارج الحياة» مطلع التسعينيات المنصرمة، والذي نال جائزة لجنة التحكيم، برئاسة رومان بولانسكي، في دورة العام 1991، مناصفة مع «أوروبا» للدنماركي لارس فون ترير. سؤال الخطف الذي تعرّض له مواطنون أجانب في لبنان الحرب الأهلية، بعينيّ مخرج تجاوز الغليان اللبناني الحاصل في المستويات كلّها، أيام التمزّق والانكسارات والخيبات، كي يقرأ البُعد الإنساني في العلاقة الملتبسة بين الخاطف والمخطوف. فوز بغدادي بهذه الجائزة جاء بعد أربعة وعشرين عاماً على نيل «ريح الأوراس» للجزائري محمد لخضر حامينا «جائزة العمل الأول» في دورة العام 1967، التي ترأّس لجنة تحكيمها الإيطالي أليسندرو بلازيتي: إنه زمن الاستعمار الفرنسي للجزائرومقاومته، وزمن الحكايات الفردية لأناس واجهوا وكافحوا وصبروا، من أجل حقّ وغد وتاريخ. بينما تفرّد الفلسطيني إيليا سليمان بجائزة لجنة تحكيم دورة العام 2002 برئاسة ديفيد لينش، عن فيلمه «يد إلهية». هنا أيضاً، ينبهر المُشاهِد بتلك الجماليات البديعة في قراءة اللحظة الفلسطينية داخل الكيان المحتلّ، وبتلك البراعة السينمائية في جعل الصورة انعكاساً لوقائع وحالات وتفاصيل.
أما الحدث الأبرز، فمتمثّل بحصول المصري يوسف شاهين على جائزة العيد الخمسين لمهرجان «كانّ» (1997) عن مجمل أعماله، هو الذي اعتاد المشاركة فيه هنا وهناك، عن أفلام صنعها بشغف الحرفي، فصنعت، أو ساهمت في صنع حكايته الإبداعية.


نديم جرجوره

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...