إسرائيل مصدر كل الشرور العالمية

28-06-2006

إسرائيل مصدر كل الشرور العالمية

في إحصاء متعجّل تنقصه الدقة العلمية (!!) يبلغ عدد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، حتى مساء أمس، تسعة آلاف وثلاثمئة بين رجل وامرأة وشاب وفتيان دون سن الثامنة عشرة من أعمارهم..
... وفي إحصاء متعجّل أيضاً فإن عدد شهداء الانتفاضة الأولى (1987 1992) يبلغ 1200 شهيد، أما شهداء الانتفاضة الثانية التي فجّرها تدنيس أرييل شارون حرم المسجد الأقصى (28 أيلول 2000) والمستمرة حتى اليوم، فقد وصل إلى أربعة آلاف وسبعمئة شهيد... أما الجرحى فأعدادهم بعشرات الألوف.
أما الشعب الفلسطيني الخاضع للسلطة تحت الاحتلال الإسرائيلي فيبلغ تعداده أكثر من ثلاثة ملايين، منهم ما يقارب مليوناً ومئتي ألف نسمة في شريط قطاع غزة (50 كلم طولاً * 7 كلم عرضاً!!).
أي أن إسرائيل تعتقل وتأسر وتحاصر وتطوّق بالنار شعباً بكامله، وتفرض عليه الجوع والمهانة والذل، فضلاً عن أنها ترفض «التفاوض» مع السلطة ورئيسها الذي وافق على شروط مهينة لتاريخ النضال الفلسطيني، فضلاً عن أنها لم تعترف لحظة ولم تترك لأي دولة عربية لها بها علاقة، أو لأي دولة أجنبية بالمطلق بالحكومة التي اختارها الفلسطينيون بانتخابات ديموقراطية على الطريقة الأميركية وبشهادة دولية مصدّقة..
وها هي إسرائيل تُشهد العالم جميعاً، بدول الديموقراطيات فيه، ملكية وجمهورية، بحكومات ليبرالية أو اشتراكية أو يمينية، على «حرب الجندي الأسير» التي باشرتها بطوق النار من حول غزة وخان يونس ورفح ومخيمات اللجوء الثاني والثالث.
وها هي دول العالم تتفق، على اختلاف توجهاتها السياسية، على إدانة عملية «تبديد الأوهام» التي استهدفت جنود الاحتلال في «كرم سالم» حيث يتحصنون خلف الأسلاك المكهربة، في دباباتهم وآلياتهم ووراء مدافعهم البعيدة المدى، انتقاماً للشهداء الأطفال الذين قتلتهم في قلب النهار قذائف المدمرات والطائرات والمدفعية الإسرائيلية، ومعهم الكثير الكثير من ذويهم: إنها عملية إرهابية، يقولون.. أما الحملة الانتقامية فمبرّرة ومشروعة ولو أبادت شعباً مقابل الجندي الأسير!
.. وها هي الدول العربية بأكثريتها الساحقة ومع استثناءات محدودة جداً تشيح بنظرها بعيداً، لتتابع مباريات المونديال، لا ترفع يدها أو صوتها باستنكار أو باعتراض، فضلاً عن التلويح مثلاً!! بسحب سفرائها أو معتمديها لدى دولة العدو (أرسل الأردن سفيره الجديد، أمس، حتى لا يخطئ أحد في قراءة موقفه الرسمي)، أو بالتوسل لدى واشنطن كي تتدخل لمنع المذبحة... أما حكاية اللجوء إلى مجلس الأمن، والعياذ بالله، فلا يمكن أن تخطر ببال عاقل، لأن عقوبتها قاسية جداً!
بل إن هذه الدول التي لم ترفع صوتها بالاحتجاج على تساقط الشهداء، يومياً، ولم تهزّها صور الأطفال المذبوحين، وصور الشعب المجوّع تحت الحصار، قد التزمت بالقواعد الإسرائيلية لحصار التجويع فامتنعت حتى عن محاولة إرسال بعض الطحين والمعلبات والمياه (ناهيك بأموال الالتزامات المقرّرة أو التبرعات الشعبية التي قدمها الناس العاديون ولم يعثر المعنيون، بعد، على طريقة لإيصالها إلى من جُمعت باسمهم)..
... وحين أقدمت الحكومة الفرنسية على تصرّف أخرق إذ احتجت على أسر الجندي الإسرائيلي مستذكرة أنه يحمل الجنسية الفرنسية، لم تجد من ينبّهها إلى أن عملية الأسر لم تتم في مطعم باريسي، بل في قلب قاعدة عسكرية إسرائيلية تصادف أن هذا الجندي الشجاع كان يتخذ موقعه القتالي فيها من غير أن يظلله العلم الفرنسي المثلث الألوان!
بالمقابل فإن بعض الدول العربية تشارك عملياً في محاصرة شعب فلسطين، جنباً إلى جنب مع الإسرائيليين، فتقفل حدودها في وجوه من قد يحاول النجاة بجلده، حتى لا تتهم بالانحياز إلى من هم في حكم «رعاياها»، حتى لا نقول أهلها...
أي إنها لا تمتنع عن النجدة فحسب، ولا تتدخل بضغط معاهدات الصلح والمصالح المشتركة لتمنع الاجتياح، بل هي تساهم عملياً في إتمامه!
الآن وقد انتبه قادة السلطة، في الرئاسة والحكومة، إلى أنهم جميعاً «أسرى» يتهددهم المصير ذاته، فلا بد من التنويه بما أعلن من مقدمات التوافق على «وثيقة الأسرى» كقاعدة لتجديد الوحدة الوطنية وتوحيد السلطة التي فرض عليها الاحتلال أن تكون في الخندق ذاته مع شعبها، وأن تكون مهددة جميعاً بالنار الإسرائيلية التي لن تميّز بين الفلسطينيين بحسب مواقفهم العقائدية أو السياسية..
... وفي انتظار بدء الهجوم الإسرائيلي المدمّر كان بإمكان العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً أن يتابعوا خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية أمام الكنيست، وقد نقلته بعض الفضائيات العربية حيّاً ومباشراً بالصورة والصوت مع ترجمة فورية دقيقة.
ولعلهم اليوم سيتابعون البث المباشر لانتصارات الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر على مخيمات اللجوء الفلسطيني الثالث في قطاع غزة، وربما في الضفة الغربية أيضاً...
وما قد يزعجهم أن الحرب الإسرائيلية هذه قد تصرفهم، ولو قليلاً، عن متابعة «المونديال» حيث يتفرجون على «المنتصرين» من موقع المهزوم حتى في رياضة الأقدام!

 

طلال سلمان

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...