إسرائيل تنسحب مُجبرة من قطاع غزة

06-08-2014

إسرائيل تنسحب مُجبرة من قطاع غزة

أبلغ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أعضاء المجلس الوزاري المصغّر، أنه قرّر قبول المبادرة لوقف النار لمدة 72 ساعة. ظاهرياً الخبر عادي لكنه فائق الاستثنائية، إذا أخذنا بالاعتبار القرارات التي أعلنها المجلس الوزاري المصغّر قبل أيام، والتي تعلن أنه لا هدنة بعد اليوم ولا وقف لإطلاق النار من غير جانب إسرائيل، والأهم لا مفاوضات مع حماس.
ومعروف أن وقف النار لـ72 ساعة هي خطة أميركية ـ مصرية تقضي بالشروع فوراً بمفاوضات لتثبيت وقف النار وللتفاوض على إعادة إعمار غزة وفك الحصار ومطلب إسرائيل تجريد غزة من السلاح في مقابل ذلك.جنود إسرائيليون خلال انسحابهم من غزة أمس (رويترز)
وقد حاولت إسرائيل الإيحاء أن وقف النار هذا هو جزء من الخطة الإستراتيجية بعد «اتمام تدمير الأنفاق». وقالت إن وقف النار تم من دون شروط مسبقة، لكن الجميع يعرف أن إسرائيل أخلت قواتها من أراضي القطاع. وبخجل، قالت مصادر إسرائيلية إنه «إذا ساد الهدوء، فسوف نبحث في الاقتراح المصري لإرسال وفد إلى القاهرة. هذه ايام اختبار لحماس. في هذه الأثناء قواتنا تبقى في المنطقة».
وفي كل حال، فإن الشعور العام في إسرائيل تجاه وقف النار، هو خليط من الإحباط وتفويت الفرصة. فالجمهور الإسرائيلي الذي لا يعرف جيداً ما كان يدور على الأرض يريد من قيادته أن تأمر الجيش بأن يفعل في القطاع ما كان يفعله في أماكن أخرى.
لكن الجيش والقيادة السياسية، بغالبيتها، يعرفان أن الظروف تغيرت وأن عوامل كثيرة بعضها يتعلق بالجيش الإسرائيلي نفسه وبالقوة الفلسطينية وبعضها الآخر في الظروف الدولية تحول دون تكرار الماضي.
مع ذلك يصرّون في مكتب وزير الاقتصاد الإسرائيلي نفتالي بينيت على التوضيح، أنه لو عرض الأمر على التصويت في المجلس الوزاري المصغّر لاعترض زعيم «البيت اليهودي» عليه.
ويعرف آخرون أن هذا القول يمكن أيضاً أن يسري على زعيم «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان الذي اعتبر أن الحال الراهن هو «ليمبو»، أي وضع ما بين الجنة والنار، وأنه لا يفضل ذلك. وبديهي أن في الليكود وزراء يعلنون صبح مساء رفضهم لوقف النار بالطريقة التي تمت وبالظروف القائمة والتي لم تحقق فيها إسرائيل نصراً حاسماً.
ومع ذلك، فإن قائد الجبهة الجنوبية الجنرال سامي ترجمان طلب من سكان غلاف غزة العودة إلى بيوتهم بهدوء. لكن هذه الدعوة تصطدم بشعور كبير بالإحباط والخيبة في صفوف المستوطنين الذين يعرفون أن النيران من غزة لم تتوقف إلا قبل دقائق من سريان الهدنة. ويزيد الخيبة حدة الشعور بأن الحديث عن تدمير الأنفاق مبالغ فيه وأن أوساط الجيش نفسها تتحدث عن أنه برغم تدمير 31 نفقاً إلا أن هناك أنفاقاً أخرى لا يزال في وسع حماس استخدامها.
والواقع أن إعلان الهدنة ووقف القتال فتح الباب على مصراعيه للتفكير في ما حققته هذه الحرب وهل أنجزت إسرائيل شيئاً أم لا. والواقع أن وزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان في عرضه اقتراح نقل إدارة قطاع غزة إلى الأمم المتحدة كان يبدي شكوكه بشأن أي اتفاق لوقف النار.
ومعروف أن ليبرمان أيضاً، طالب باجتياح غزة وإسقاط حكم حماس. وفي نظره فإنه «من الأنباء الاخيرة من القاهرة ومن مطالب العصابات المسيطرة في غزة، واضح لنا أن هذا ليس نقطة منطلق. علينا أن نفكر كيف نحقق الأهداف التالية: الهدوء في بلدات غلاف غزة، تصفية التهديد الصاروخي ومنع تعاظم حماس. توجد ثلاثة خيارات: ترتيب، إخضاع حماس وليمبو، أي أن يطلقوا النار هم ونحن نرد. الخيار الثالث، الليمبو، غير ذي صلة. فهكذا أنت تبقي لدى حماس المبادرة متى تفتح النار. فالدولة لا يمكنها أن تدار بحسب قرارات منظمة إرهابية».
وهناك من يعتبر أن وقف النار ليس سوى استراحة محارب بانتظار الجولة المقبلة. وهكذا يشير المراسل العسكري لـ«يديعوت أحرونوت» أليكس فيشمان إلى أن «الهدنة التي تلوح تباشيرها لا تشتمل حتى على أدنى الأهداف التي وضعتها حماس لنفسها قبيل الحرب لرفع الحصار عن غزة بحيث لا يوجد لقادة حماس أي سبب يدعوهم إلى الاحتفال فوق أنقاض الشجاعية ورفح». وفي نظره طلبت حماس الكثير لكنها لن تنال إلا «هدنة بنفس الصيغة بالضبط التي حصلت عليها بعد عملية عمود السحاب، وهي وقف النشاط العسكري في البحر والجو والبر وفتح محدود للمعابر، أما سائر الشروط كلها فستُبحث بحضور وفد إسرائيلي يأتي إلى القاهرة بعد وقف إطلاق النار».
وواضح أن فيشمان ينطلق من أن وقف النار يشكل انتصاراً لإسرائيل، وهو ليس الشعور السائد في أوساط الجمهور وحتى الجنود. وقد أشارت وسائل الإعلام إلى تنظيم سكان غلاف غزة تظاهرات وإقامة مخيمات احتجاج ضد قرار الحكومة الذي لا يوفر الهدوء ويترك الجميع تحت رحمة الفصائل الفلسطينية.
ويرى فيشمان، مثل كثير من المتحدثين بلسان الجيش من المعلقين أن إسرائيل «فاجأت» حماس بسحب قواتها من غزة، الأمر الذي قلّص الاحتكاك ودفع حماس إلى إعادة دراسة خطوط النار الجديدة والواقع الجديد الذي يصعب فيه إدارة حرب استنزاف.
ويشير المحرر الأمني في «معاريف الأسبوع» يوسي ميلمان إلى أن مشكلة وقف النار والحرب التي جرت أظهرتا أن «على حكومة إسرائيل أن تفهم ـ ويوجد فيها منذ الآن وزراء يفهمون ـ أنه من دون تسوية سياسية بعيدة المدى مع السلطة الفلسطينية، فإن احتمالات انتفاضة ثالثة تتعاظم. أحداث أمس، في القدس هي مجرد تلميح أولي لما سيأتي في حالة الفراغ السياسي. إلى الرؤوس القاسية لبعض من وزراء المجلس الوزاري يجب أن يتسلل الاعتراف بأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس ليس المشكلة، ويحتمل أن يكون الحل للطريق المسدود. زعيم فلسطيني معتدل لن نحصل على أفضل منه».
وتكمن المشكلة طبعاً في حقيقة أن الجميع يعلم أن حكومة نتنياهو أعجز من أن تتحرك نحو تسوية سياسية مع الفلسطينيين.
أما المراسل العسكري لـ«هآرتس»، عاموس هارئيل فيكتب أن «امتحان نتائج الحرب سيكون هو نوع التسوية التي ستُحرز بعد أن تنتهي، وطول مدة التهدئة بعدها. ومن المستحيل تقريبا أن نتنبأ بذلك مسبقاً لأن الأمور ليست متعلقة فقط بعظمة الأضرار وقوة الردع بل بتطورات في المستقبل أيضاً. فعلى سبيل المثال غيّر تولي الجنرالات الحكم في القاهرة قبل سنة تغييراً أساسياً العلاقات بين القوى في المثلث إسرائيل ـ غزة ـ مصر وأفضى بصورة غير مباشرة الى نشوب أحداث العنف في الشهر الماضي».
ولخّص هارئيل الموقف الراهن بالقول إن «صرخات النصر التي تُسمع الآن من الجانبين يحسن أن تُستقبل بحذر وشك. فهذه معركة نفسية موجهة في الأساس إلى الجبهة الداخلية بغية إقناعها بأن التضحية والجهد لم يكونا عبثاً. وفي إسرائيل حفظ صورة النصر الآن مهم لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي أصبح خصومه من الساسة يشمون الدم، ولهيئة القيادة العامة التي تهاجَم بسبب أدائها، ولقادة الألوية ـ الذين يخرجون في الحقيقة من القطاع مع شعور بالنجاح ـ لكن يجب عليهم أن يعززوا روح القتال عند مقاتليهم استعداداً لما يأتي».
ويعترف هارئيل بأنه لا يوجد شعور بالفشل كالذي ساد بعد حرب لبنان الثانية، لكن الجمهور «يشعر في الحقيقة بقدر من الشك وخيبة الأمل من انجازات الحرب لكن يبدو أن ذلك لن يُفصح عن نفسه باحتجاج شديد من رجال الاحتياط كما حدث في صيف العام 2006. وقد كان التنسيق بين القيادتين السياسية والعسكرية هذه المرة حسناً ولم تحدث معارك بالسكاكين وانهيارات في الأداء وعزل. لكنه ما زالت تُسمع دعوات الى إجراء تحقيق».

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...