إسرائيل تتخوّف من "حرب استنزاف" في غزة

05-08-2014

إسرائيل تتخوّف من "حرب استنزاف" في غزة

مع دخول الحرب الإسرائيلية على غزة أسبوعها الخامس، ليس في الدولة العبرية حتى الآن إجابة عن السؤال البسيط: هل انتهت الحرب أم أنها جارية ومتى ستنتهي؟
 ورغم شدة النيران غير المسبوقة التي أصلت بها إسرائيل مدن قطاع غزة وقراه ومخيماته، فإن أياً من أهداف العدوان لم يتحقق. فلا الهدوء، في نظر الإسرائيليين، عاد ليس إلى مستوطنات غلاف غزة بل أيضا إلى منطقة تل أبيب الكبرى، وتقريبا إلى كل مكان في الكيان، ولا تآكلت إرادة القتال عند المقاومة. فيوم أمس، الذي أعلنته إسرائيل هدنة إنسانية من طرف واحد، وقتلت فيه عائلات بأكملها، شهد إطلاق ما لا يقل عنفلسطيني ينتحب بعد رؤيته جثمان قريب له استشهد في العدوان الاسرائيلي في مستشفى كمال عدوان في غزة امس (ا ب ا) 80 صاروخاً حتى ساعات المساء.
ورغم أن إسرائيل أعلنت متلعثمةً عن نهاية العملية البرية، وقالت إن قواتها خرجت من معظم مناطق الحدود في القطاع، عدا منطقة رفح حيث لا تزال تبحث عن أنفاق، لا يجد الجيش سبيلا لإعلان انتصار. فوزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون، وقائد الجبهة الجنوبية الجنرال سامي ترجمان، لم يجدا على لسانيهما كلاماً يضمن لمستوطني الجنوب العودة، سوى التأكيد أن بوسع إسرائيل الرد على كل الهجمات. وأكدا أنه ليس هناك ضمانة مئة في المئة ألا تسقط عليهم الصواريخ، أو ألا تصل إليهم أنفاق أو هجمات.
وبدا للكثيرين أن المخرج الوحيد من الوضع الراهن هو الاتفاق على وقف إطلاق النار. ورغم أن إسرائيل أعلنت رسمياً أنها لن تفاوض "حماس"، ولن تفاوض على وقف النار وأنها باتت حرة من الانجرار خلف الحركة، إلا أنها تبذل جهوداً جبارة للتوصل إلى ترتيب لوقف النار. فالجميع في إسرائيل يعلم أنه من دون ترتيب وقف النار، ومن دون توافر قدرة على ردع الفصائل الفلسطينية في غزة، فإن البديل هو "حرب استنزاف". وهذا ما ترفضه غالبية القوى الإسرائيلية التي تراهن على أن استمرار الوضع الراهن كفيل بأن يغرق إسرائيل في وضع اقتصادي واجتماعي بالغ الصعوبة.
ولهذا السبب يجد قلة من المتطرفين أنه ليس أمام إسرائيل سوى العودة إلى احتلال قطاع غزة، وذلك لتجنب البقاء تحت رحمة صواريخ "حماس" إذا استمر القتال، أو تحت رحمة إملاءاتها إذا تم التوصل إلى اتفاق. ولكن هذه القلة لا تجد آذاناً صاغية، لا في الجيش ولا حتى في الكابينت الإسرائيلي الذي اتخذ قراراً بالإجماع يوم الأربعاء الماضي بالخروج من غزة والبحث عن سبل أخرى.
وكان المبرر الأكبر الذي عرضته إسرائيل أمام جمهورها لإنهاء العملية البرية هو ادعاء أن الثمن الذي دفعه القطاع باهظ جدا، وأن "حماس" تلقت درساً لن تنساه، وأن الإنجازات عظيمة وغير مسبوقة. وإضافة إلى ذلك تبرر القرار بوجود ضغوط دولية متعاظمة بسبب أعداد الضحايا المدنيين في القطاع (ارتفع عدد الشهداء إلى 1865 فلسطينيا، والجرحى إلى 9400) والأزمة الإنسانية الوشيكة، جراء تشريد حوالي نصف مليون من بيوتهم، وشبه انهيار منظومات الصحة والكهرباء والماء، ما يهدد بانتشار أوبئة. لكن الكل يعرف أن هذا ليس سبب قرار إسرائيل، التي واصلت سياسة القضاء على عائلات بكاملها، كما حدث أمس مع عائلة البكري في مخيم الشاطئ في غزة.
تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل، رغم إعلانها هدنة من طرف واحد، فقد انتهكتها مرات عدة، وسارعت فور انتهائها الساعة الخامسة من بعد ظهر أمس إلى شن المزيد من الغارات. وأشار المراسل العسكري للقناة العاشرة ألون بن دافيد إلى أنه من المقرر أن يدمر الجيش ليلة أمس آخر نفق يعرفه في رفح، وأن تنسحب القوات الإسرائيلية من هناك. وقال إن انسحاب القوات من شمال القطاع ووسطه قلص تقليصاً حاداً الاحتكاك الميداني مع مقاتلي "حماس" لكن لم يقلص إطلاق الصواريخ.
عموماً إسرائيل تريد وقف النار، وبديهي أن السبيل الأبرز لذلك هو إشراك الولايات المتحدة، رغم كل الانتقادات، في الجهد الداعي لوقف القتال والبحث عن مخارج. وهناك محاولة إسرائيلية للاستفادة من التحالف العربي القائم ضد جماعة "الإخوان المسلمين" في المنطقة. ولذلك هناك عودة إلى المبادرة المصرية مع تعديلات تحاول، حتى أميركا، إدخالها عليها.
وليس صدفة أنه قبل ساعات من إشارة مصادر فلسطينية ومسؤول مصري إلى قرب إعلان القاهرة مبادرة لوقف النار لمدة 72 ساعة، كان التلفزيون الإسرائيلي يتحدث عن عودة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى مبادرته التي كان قد أعلنها مع الأمم المتحدة لهدنة إنسانية لمدة 72 ساعة. وثمة اعتقاد أن ما أفشل تلك الهدنة التي أعلنت الجمعة الماضي ليس أسر الضابط الإسرائيلي هدار جولدن، بل وجود الجيش الإسرائيلي في غزة. لهذا السبب يعتقد أن الجيش الإسرائيلي سيسحب ما تبقى من قواته داخل القطاع، بحيث يمنع أي احتكاك ويسهل تنفيذ الهدنة الجديدة.
وأعلن مسؤول مصري أن إسرائيل والفلسطينيين اتفقا على تهدئة في غزة لـ72 ساعة، على أن تبدأ الهدنة اعتباراً من الساعة الثامنة صباحاً. وهناك تأكيدات أن كل ما يجري في القاهرة يتم بعلم واطلاع الجهات الإسرائيلية، التي، حسب التلفزيون الإسرائيلي، "تجلس على حقائبها بانتظار مكالمة من القاهرة". وأشار المسؤول المصري إلى انه تم دعوة وفود إسرائيلية وفلسطينية إلى القاهرة لإجراء محادثات بشأن وقف إطلاق نار دائم في غزة.
ومعروف أن الموقف الذي أعلنته الحكومة الإسرائيلية عن عدم إرسال وفد إلى القاهرة أثار انتقادات واسعة في أوساط الخبراء، واعتبر مجرد حالة نزق أكثر مما هي موقف سياسي. فإذا كانت إسرائيل تريد تسوية في غزة فإن الطرف الوحيد الذي يمكنها إبرام التسوية معه هو "حماس" والمقاومة. وقال خبراء إسرائيليون إن السلطة الفلسطينية في المفاوضات الجارية في القاهرة ليست أكثر من ورقة تين لتسهل على الأطراف المعادية لحركة "حماس" التفاوض معها. ومعروف أن منظمة التحرير شكلت وفداً، ضم عزام الأحمد رئيساً وماجد فرج وممثلين عن "حماس" و"الجهاد الإسلامي" والجبهتين "الشعبية" والديموقراطية" للتفاوض حول وقف النار. واتفقت هذه الفصائل على ورقة موحدة تشكل أساساً لموقف فلسطيني موحد وعرضتها على القاهرة. وكانت كل الأطراف المشاركة في المفاوضات قد أبدت تقديرات إيجابية عن احتمال التقدم بالمفاوضات نحو وقف النار.
وبحسب المعطيات المتوافرة، إذا انسحبت القوات الإسرائيلية من القطاع الليلة فإن هذا يشكل في نظر البعض تلبية لشرط وقف العدوان، كما أن الاتفاق الأولي على فتح المعابر، من دون اشتراطات واسعة وكبيرة، يسهل الاتفاق على وقف النار. لكن كل ذلك لا يمنع وجود مصاعب جدية، خصوصا أن المطروح حالياً هو إنهاء الحصار وإعادة إعمار القطاع، وهو ما تضع إسرائيل مقابله اشتراطات جدية، أولها إيجاد منظومة دولية لمراقبة دخول المواد إلى القطاع لمنع "حماس" من إعادة بناء قوتها، كما تشترط تجريد غزة من السلاح مقابل فتح منافذ بحرية وجوية لها.
وتبحث إسرائيل منذ الآن عن سبل لإغراء غزة بالتخلي عن سلاحها، وبينها ما عرضه وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، أمس، من وضع القطاع تحت إدارة دولية باتفاق بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. كما أن وزراء، حتى من المتطرفين في إسرائيل مثل إسرائيل كاتس ونفتالي بينت، لا يعارضون مقابل نزع سلاح غزة منحها تحت رقابة دولية منافذ بحرية وجوية. وتنبع كل هذه الاقتراحات من واقع إدراك أن الحصار لم يجد نفعاً، وأن السبيل لمنع تركيز القوة بيد "حماس" هو خلق مصالح للناس في الانفتاح على العالم الخارجي، الأمر الذي يضعف، من وجهة نظر إسرائيلية، قوة "حماس" ويزيد في قوة المعتدلين.
من جهة ثانية، انتقل التوتر الناجم عن العدوان على غزة إلى القدس المحتلة، حيث قُتل مستوطن، وجرح خمسة، عندما صدم فلسطيني جرافة يقودها بحافلة إسرائيلية قبل أن يستشهد بنيران قوات الاحتلال.

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...