أين يكمن الشيطان في اتفاق أوباما - كلينتون على حقييبة الخارجية

24-11-2008

أين يكمن الشيطان في اتفاق أوباما - كلينتون على حقييبة الخارجية

الجمل: عاد اسم هيلاري كلينتون إلى الأضواء السياسية عندما تناقلت التقارير خبر موافقتها على تولي حقيبة الخارجية الأمريكية في إدارة أوباما الجديدة وتشير التحليلات إلى أن الأمر يحمل نوعين من الدلالات تتمثل الأولى في قبول الرئيس الديمقراطي المنتخب باراك أوباما لفكرة تعيين هيلاري كلينتون في هذا المنصب الفائق الحساسية، وتتمثل الثانية في قبول المرشحة الرئاسية السابقة هيلاري كلينتون تولي منصب وزير الخارجية. هذا، وعلى ما يبدو فإن الأمر يرتبط بالعديد من ملفات السياسة الخارجية الأمريكية.
* سردية هيلاري كلينتون:
ولدت هيلاري دياني رودمان، في 6 تشرين الأول 1947م، وأصبحت بعد زواجها من المحامي بيل كلينتون، الرئيس الأمريكي الأسبق، سيدة أمريكا الأولى. لمع اسم هيلاري خلال العشرة أعوام الماضية عدة مرات أمام الرأي العام الأمريكي والعالمي:
• عندما ظهرت بمظهر الزوجة – الأم الصابرة في مواجهة فضيحة "الصبية الحسناء" مونيكا لوينسكي، و"البهدلة" المخجلة التي تعرض لها زوجها الرئيس بيل كلينتون.
• عندما ظهرت بمظهر المعارض لتوجهات إدارة بوش الجمهورية داخل الكونغرس وعلى وجه الخصوص ملف احتلال العراق.
• عندما خاضت حملة انتخابية شعواء داخل الحزب الديمقراطي للحصول على تزكية الحزب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
• حالياً لمع نجمها للمرة الرابعة عندما برزت أخبار توليها المرتقب لحقيبة وزارة الخارجية الأمريكية في إدارة أوباما الديمقراطية الجديدة.
وعلى خلفية صعودها الأخير إلى منصب الخارجية الأمريكية تبرز العديد من التساؤلات المتعلقة بأسباب اختيارها لتولي حقيبة الخارجية ومن قام بتحديد اختيارها وكيف تم إقناعها إضافة إلى ماهية وطبيعة أجندة هيلاري كلينتون المتعلقة بالسياسة الخارجية الأمريكية وما هو الدور التفاعلي الذي ستقوم به وزيرة الخارجية الجديدة في إدارة علاقات الصراع والتعاون مع الرئيس أوباما إزاء توجهاتهما التي وإن كانت تحمل قدراً من التشابه والتطابق، فإنها وبإجماع الكثيرين تحمل في العمق الكثير من التناقض والتعاكس، بما سيجعل العلاقة على خط البيت الأبيض – وزارة الخارجية أكثر سخونة.
* اتفاق هيلاري كلينتون – باراك أوباما: أين يكمن الشيطان؟
رصدت التحليلات السياسية الأمريكية المعارضة لتوجهات إدارة بوش الجمهورية وجماعة المحافظين الجدد عملية الصعود البطيء الهادئ لنجم كلينتون وقد تم رصد صعودها بشكل متزامن مع بداية ظهور نتائج الاستطلاعات الأمريكية التي أشارت إلى الآتي:
• إن أغلبية الرأي العام الأمريكي تفضل الانسحاب من العراق.
• إن أغلبية الرأي العام الأمريكي لا تفضل توجهات إدارة بوش إزاء العالم وإزاء أمريكا نفسها.
• إن شعبية الرئيس بوش والحزب الجمهوري أصبحت أكثر انخفاضاً بفضل تآكل السند الشعبي الذي اعتمد عليه الرئيس بوش في الصعود إلى البيت الأبيض.
فسرت معظم التحليلات آنذاك صعود كلينتون أنه بسبب مواقفها المعارضة لإدارة بوش ولكن القليل من التحليلات أشار إلى أن صعود كلينتون هو بالأساس عملية "تصعيد" تسعى إلى ترتيب انتقال السلطة وحلول هيلاري الحليفة غير المعلنة لمعسكر مشروع القرن الأمريكي، محل إدارة بوش الحليف المعلن لمعسكر مشروع القرن الأمريكي. ومن ثم، فإن الهدف يتمثل في محاولة معسكر مشروع القرن الأمريكي تطبيق استراتيجية تؤدي في نهاية الأمر إلى الحصول على "الشيء ذاته" بحيث تكون النتيجة واحدة سواء كانت الإدارة القادمة ديمقراطية أم جمهورية. ولكن عند تطبيق سيناريو الحصول على "الشيء ذاته"، كانت القضية الكبرى أمام هيلاري كلينتون هي المرشح باراك أوباما، الذي نجح في قطع الطريق أمام كلينتون إلى البيت الأبيض.
* ترويض إدارة أوباما: هل هي الخطة "ب"؟
خلال فترة الصراع الانتخابي داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي بين هيلاري كلينتون وباراك أوباما، كان صراع الأجنحة محتدماً داخل الحزب الديمقراطي، وتقول التسريبات بأن جماعة المحافظين الجدد وجماعات اللوبي الإسرائيلي كانت من جهة تدعم صعود المرشح الجمهوري جون ماكين باعتباره يمثل الأفضلية، ومن الجهة الأخرى تدعم صعود كلينتون لتمثل البديل الديمقراطي المناسب، ريثما تصعد إدارة جمهورية جديدة، أو ينجح جناح جماعة المحافظين الجدد في التغلغل داخل الحزب الديمقراطي والإدارة الديمقراطية الجديدة. وبالفعل:
• دعمت مراكز دراسات جماعة المحافظين الجدد حملة ترشيح كلينتون داخل الحزب الديمقراطي وفي الوقت نفسه كانت تعمل على إفشال تقدم المرشح باراك أوباما.
• دعمت أجهزة الإعلام التابعة لجماعة المحافظين الجدد ترشيح هيلاري كلينتون وعملت على التقليل من مصداقية باراك أوباما كمرشح للديمقراطيين.
• دعمت كيانات المجمع الصناعي – العسكري والكيانات النفطية ترشيح كلينتون داخل الحزب الديمقراطي.
برغم ذلك، وبعد معركة ضارية داخل الحزب الديمقراطي، انهار مشروع البديل الديمقراطي المناسب، لجهة الحلول محل المرشح الجمهوري جون ماكين في حال خسارة الجمهوريين في الانتخابات.
* جماعة مشروع القرن الأمريكي الجديد ومشروع السيطرة على الإدارة الأمريكية بالوسائل الأخرى:
انهزم المرشح الجمهوري جون ماكين وفاز المرشح الديمقراطي باراك أوباما، وكان ذلك معناه بوضوح أن إدارة ديمقراطية جديدة ستحل محل الإدارة الجمهورية ولكن على المستوى الأعمق كان ذلك يعني بالنسبة لجماعة مشروع القرن الأمريكي الجديد، القيام بالمزيد من العمليات الاستباقية التي تهدف إلى استخدام آليات السيطرة البيروقراطية، بما يؤدي في نهاية الأمر إلى تحقيق السيطرة السياسية على توجهات الإدارة الأمريكية. أما أبرز آليات السيطرة البيروقراطية فتتمثل بالآتي:
• الإمساك بالمفاصل الهيكلية التنفيذية الأساسية الأمريكية الجديدة وعلى وجه الخصوص: البيت الأبيض، وزارة الخارجية الأمريكية، وزارة الدفاع، وزارة الخزانة، ومجلس الأمن القومي.
• الإمساك بالمفاصل الهيكلية التشريعية الأساسية وعلى وجه الخصوص لجان الكونغرس الأمريكي التابعة لمجلس النواب ومجلس الشيوخ الأمريكي بما فيها لجان السياسة الخارجية ولجان الأمن والدفاع ولجان المالية والاقتصاد.
• إعادة تنظيم اللوبيات وجماعات المصالح الضاغطة ضمن ترتيب جديد يقوم على أساس تجميع العناصر التي تمثل "يمين الحزب الديمقراطي" مع عناصر الحزب الجمهوري، وهو الدور الذي نجحت منظمة الإيباك في القيام به بتجميع أعضاء الكونغرس الديمقراطيين اليهود مع أعضاء الكونغرس الجمهوريين اليهود، ضمن تكتل أصدقاء إسرائيل داخل الكونغرس الأمريكي والذي نجح في تجميع حوالي 40 عضواً وهو عدد يمثل 15% تقريباً من إجمالي عدد أعضاء الكونغرس المكونة من مجلسي النواب والشيوخ.
خلال هذه الفترة التي أعقبت إعلان فوز أوباما وبدءاً من اللحظات الأولى، بدأت التحركات لاختيار طاقم الإدارة الأمريكية الديمقراطية الجديدة واستطاع معسكر أنصار مشروع القرن الأمريكي الجديد أن يحقق النقاط الآتية:
• اختيار الرئيس الجديد هيئة موظفي البيت الأبيض الذين تبين أنهم من اليهود الأمريكيين الأكثر إخلاصاً لإسرائيل ومن الضالعين في أنشطة منظمة الإيباك وجماعات اللوبي الإسرائيلي.
• اختيار هيلاري كلينتون لمنصب وزيرة الخارجية الأمريكية.
الخياران الجديدان يحملان المزيد من الإشارات الجديدة القائلة بأن الحصول على نتيجة "الشيء ذاته" في السياسة الخارجية الأمريكية في أسلوب إدارة عمل البيت الأبيض قد أصبحت نتيجة قاب قوسين أو أدنى.
* جدول أعمال وزير الخارجية هيلاري كلينتون:
على خلفية تولي كلينتون منصب وزير الخارجية تشير التوقعات إلى أن أجندة أعمالها ستتضمن الآتي:
• ملف روسيا: الاستمرار في أجندة عرقلة نمو القوة الروسية إلى مستوى القوة العظمى.
• ملف الصين: الاستمرار في أجندة عرقلة نمو القوة الصينية إلى مستوى القوة العظمى.
• ملف آسيا الوسطى والقوقاز: الاستمرار في أجندة تعزيز الآتي:
- سيطرة الشركات الأمريكية على مخزونات النفط والغاز.
- بناء التحالفات والروابط لإكمال تطويق روسيا.
• ملف الاتحاد الأوروبي: الاستمرار في أجندة تعزيز الآتي:
- عرقلة مشاريع تعاون البلدان الأوروبية مع روسيا.
- استخدام الوسائل المالية والنقدية لإكمال السيطرة على اقتصاديات الاتحاد الأوروبي.
- دعم أجندة توسيع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو شرقاً.
- ربط توجهات السياسة الخارجية وسياسة الأمن والدفاع الأوروبية بتوجهات السياسة الأمريكية.
- الدفع باتجاه عدم إلغاء مشروع نشر الدفاع الصاروخي في أوروبا.
• ملف الشرق الأوسط:
- الحفاظ على الروابط الأمريكية – الإسرائيلية ذات الطبيعة الخاصة.
- الالتزام بتأمين حماية إسرائيل وضمان تفوقها الاستراتيجي في المنطقة.
- إنهاء البرنامج النووي الإيراني.
- إبقاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق والخليج.
- تصعيد الحرب في أفغانستان.
- دعم حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط.
- إبقاء الحشود العسكرية الأمريكية الموجودة في مناطق الخليج العربي.
- تصعيد أزمة إقليم دارفور.
- الالتزام بمشروع سلام الشرق الأوسط والدفع باتجاه المفاوضات بين أطراف الصراع.
وباستعراض أجندة جدول أعمال وزيرة الخارجية الأمريكية الجديدة ستكتشف هيلاري كلينتون أنها صورة طبق الأصل لأجندة جدول أعمال وزير الخارجية السابقة كوندوليزا رايس، والفرق الوحيد بين الاثنتين هو اختلاف الصياغة التي تحمل بين سطورها نتيجة "الشيء ذاته".
إضافة لذلك، ستسعى السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط في ظل الوزيرة كلينتون إلى القيام بعملية "إعادة ترتيب" أولويات جدول أعمال السياسة الخارجية الأمريكية السابقة التي كانت في ظل الوزيرة السابقة، وبكلمات أخرى:
• الإشارة في بادئ الأمر إلى التخلي عن مخطط ضرب إيران واستبداله بالضغوط الدبلوماسية والعقوبات وإن فشلت اللجوء إلى خيار ضرب إيران.
• الإشارة في بادئ الأمر إلى عدم السماح لإسرائيل بالتصعيدات العسكرية في المنطقة واللجوء إلى دعم عملية السلام وإجراء المفاوضات وإن فشل ذلك لا حرج من قيام إسرائيل بالتصعيد العسكري.
• سحب القوات الأمريكية من العراق وإنهاء الحرب ولكن مراعاة المصالح الأمريكية ومصالح حلفاء أمريكا العراقيين والتصدي لخطر التمدد الإيراني في العراق فإن سحب القوات الأمريكية سيتم بشكل يصاحبه إعادة انتشار القوات الأمريكية في العراق.
وتأكيداً على صحة النقاط السابقة نشير إلى أن الإدارات الديمقراطية السابقة ظلت دائماً تقوم بعملية تمهيد وإعداد المسرح الذي يتيح للإدارات الجمهورية التي تعقبها القيام بإكمال السيناريو، ومن الأمثلة على ذلك:
• رتبت إدارة كلينتون الديمقراطية السابقة المسرح البلقاني عن طريق اتفاق دايتون وقصف يوغوسلافيا ثم جاءت إدارة بوش وأكملت سيناريو التقسيم والاعتراف باستقلال كوسوفو.
• رتبت إدارة كلينتون الديمقراطية السابقة المسرح العراقي عن طريق فرض العقوبات وعزل العراق ثم جاءت إدارة بوش الجمهورية وأكملت السيناريو.
لقد تمت عملية اختيار هيلاري كلينتون لمنصب وزيرة الخارجية ضمن صفقة ديمقراطية – ديمقراطية (بين أجنحة الحزب الديمقراطي المتصارعة)، وصفقة جمهورية – ديمقراطية (بين الزعماء الجمهوريين والديمقراطيين المتوافقين مبدئياً على أجندة مشروع القرن الأمريكي)، وصفقة داخل الكونغرس بين الديمقراطيين والأعضاء الجمهوريين الذين وعدوا بالتعاون مع الديمقراطيين في المسائل والمواقف التي تتطلب إجازتها داخل الكونغرس الحصول على أصوات 66% وهي النسبة التي لا يملكها الحزب الديمقراطي الآن. إضافة لهذه الصفقات، فقد تمت صفقات أخرى جانبية لا تقل أهمية وهي:
• التزام الإيباك وجماعات اللوبي الإسرائيلي بتحقيق الضغط على الإدارة الأمريكية الجديدة.
• التزام لوبيات الإعلام الأمريكي بعدم تشغيل ماكيناتها بما يزعج ويعكر الأجواء داخل أمريكا في مواجهة الإدارة الجديدة.
ولكن بعد كل ذلك، فمن المؤكد أن صراع الأجنحة داخل الحزب الديمقراطي سيشتعل أكثر فأكثر إزاء الإخفاقات التي ستحدث من جراء عدم قيام الإدارة الديمقراطية الجديدة بإحداث التحولات والتغيرات المطلوبة التي أقام الحزب الديمقراطي حملته الانتخابية على أساسها، وقبل الرأي العام الأمريكي مساندتها، فهل ستلتزم الإدارة الأمريكية بتنفيذ وعودها للشعب الأمريكي بما يضمن الفوز بالإدارة القادمة أم أنها سوف لن تلتزم بشيء وتعرض نفسها للسقوط لصالح الجمهوريين الذين سوف لن يترددوا في استغلال أخطائها.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...