أين ستسهر ليلة رأس السنة؟

29-12-2006

أين ستسهر ليلة رأس السنة؟

لا تختلف أيام السنة بعددها وعدتها بين إنسان وآخر إلا بمقدار ما حملته للواحد منهم من أحزان وأفراح, وعلى أعتاب العام الجديد, يقف الجميع بريئة نفوسهم من أحداث عام بأسره, يتركونه ليطرقوا باب جديد بمظاهر احتفالية أخذت شكل عيد, هو عيد رأس السنة.

هم جميعاً يغادورن الساعة الرابع والعشرين الأخيرة من عام يمضي, ويدخلون معاً الساعة الأولى من عام جديد, وما بين الذاهب والآتي تنصب النفوس بانتظار لحظة الصفر .‏

في دمشق يعلن جبل قاسيون بدء مراسيم الاحتفال برأس السنة الميلادية, بإطلاق الألعاب النارية, وفي الشوارع قد يتعدى الفرح حد الألعاب النارية , صوب عيارات نارية حقيقة, لا يفلح في توقيفها تعاميم وزارة الداخلية التي لا تكف عن تذكير المواطنين بعدم إطلاق العيارات النارية ليلة العيد.. إلا أن صوت العيارات لا تتوقف, يعرف من يطلقها إنه لا يخالف القانون وإنما فرحة العام تستحق رصاصتين أو أكثر.‏

تحت صوت الرصاص ينطفئ نور السنة الراحلة, ليضيء نور السنة القادمة المكان, ويملاً فضاء السهرة, بقبل الأحبة, بتباريك الأهل والأصدقاء بالسنة الجديدة وأمنياتهم بعام جديد يعمر بالسعادة والحب والخير...‏

هي لحظة ما بين عامين توحد السوريين جميعاً بالزمن, ليبقى المكان وحده من يفرق بينهم, ولكل منهم طريقته في استقبال العام الجديد, فتقام سهرات غنائية في المطاعم والمقاهي والفنادق السياحية ولكنها تبدو حصرياً لمن يملك نقوداً ويستطيع السهر في إحدى هذه الأماكن, وبعيداً عن سعير نار السهرات هناك, يفضل كثير من السوريون أن يقيموا احتفالهم في بيوتهم, فيجتمع الأصدقاء والأقارب في البيوت حيث يستقبلون العام الجديد سوية بالأكل والغناء والسهر ومتابعة مظاهر الاحتفال عبر شاشة التلفاز وما يحمله الريموت كنترول فيها.‏

-  المهندس علي هو عازب الشلة وهو مهندس سهراتها برأس السنة الميلادية بحكم عزوبيته, وضيف الشرف فيها, حيث تنتهي مهمته بتأمين مستلزمات السهرة التي سيلتحق بها أصدقاؤه المتزوجون بعد أن ينهون القسم الأول والأكبر من السهرة مع عائلاتهم, أما سعاد فهي تضمن سهرة كاملة مع زوجها كون (رفاق السهرة هم رفاق الدراسة أصلاً, فلا غياب ولا أغراب في حفلتهم).‏

في الأحياء الشعبية الفقيرة ثمة بيوت توقد شموع العام الجديد وحدها, ببساطة حالها, يحدثنا خميس ياسين عن احتفالات عائلته الصغيرة بعيد رأس السنة: (هو احتفال بسيط, تبدو فيه رأس السنة كما لو كانت عيداً للمائدة, فالعشاء لابد أن يكون دسماً بالإضافة إلى تعدد أنواع الفاكهة والحلويات ولاسيما الكاتو, ومن الممكن تمرير كيلو كستناء ليشوى على نار (صوبيا) المازوت لزوم السهرة ومتابعة احتفالات الناس في التلفزيون). ينتهي احتفال خميس وعائلته برأس السنة الميلادية مع انتهاء ما جادت به مائدته, ليقضي بقية سهرته متنقلاً بين القنوات الفضائية وما ترصده من مظاهر احتفال, قبل أن يذهب إلى سريره حالماً بفاتحة خير للعام القادم.‏

كان من المفروض أن تكون ليلة رأس السنة ليلة تحقيق الأماني, لكن الفقر, كما تقول السيدة أم ناجي, أحالها ليلة أمان لا أكثر.. تتنهد السيدة (أم ناجي ) و هي تقول: ( كل سنة أتأهب لاستقبال ليلتي الميلاد ورأس السنة على نحو يغاير السنة التعيسة التي مضت, فأضمر في نفسي تزيين الشجرة ,و رفع النجوم و الأجراس, كما تفعل البعض من جاراتي, لكن العيد يصادف أواخر الشهر. و مصروف الشهر يكون قد رفع رايته البيضاء, وأجد نفسي أمام أولويات من المعيب بل من الحرام تجاهلها و المضي نحو الزينة و ما شابهها من الأمور الثانوية, لذا أكتفي بعشاء خفيف أجهزه للعائلة, و نجلس نتابع التلفزيون, ونحن نعد أنفسنا بأن تكون ليلة العيد في السنة القادمة مشابهة لما نراه على الشاشة ....)‏

حديث السيدة أم ناجي بدا مثيراً لشجون جارتها أم فادي وحنينها لأيام مضت, فتلمع عيناها بينما تقص لنا ذكريات أيام زمان : ) والله كان لعيد رأس السنة بهجة لم نعد نحسها هذه الأيام, كان يجمعنا الاحتفال بالعام الجدي فنجلس نغني ونتسامر حتى الفجر, بعد أن نكون قد تناولنا أطايب الطعام المجهز في البيت, أما هذه الأيام فهم يحجزون في المطاعم, ويقضون أعيادهم في الطرقات المزينة بزينة تعمي العيون , أنا لا أحب هذه المبالغة , ولا يعجبني ما هو عليه العيد اليوم , فحتى الاتصال للتهنئة بالعيد يبخلون به, ويبعثون بالرسائل القصيرة عبر المحمول, وحتى هذه الرسائل ليست من بنات أفكارهم وإنما جاهزة, والرسالة الواحدة يتداولها ألف شخص..) أم فادي تمنت ( أن تتحسن أحوال الناس ليستطيع الجميع أن يحتفلوا بالعيد ويشعروا به, فمن الصعب أن يمر العيد ولا يلقي بظلال الخير على جميع الناس )‏

حال أم ناجي وجارتها هي حال الكثيرين من أبناء هذا البلد, يمر العيد على أحيائهم مروراً خاطفاً تاركاً لأهلها الأمنيات بسنة أفضل, يستطيعون على الأقل لمس رأسها بدلاً من أن تمر بلا رأس.‏

- البعض يعانق رأس السنة, فبدون عناقها لا سنة جديدة له, هو يوم واحد يستحق أن يكون مختلفاً, هكذا تقول ليال, وهي لحظات سعيدة مميزة لابد أن تجمعنا مع الأصدقاء في مكان يليق بالمناسبة يبرر قصي, وهي ليلة الفأل الحسن, أن لم تبدأ بسعادة عارمة نخشى ألا تكون أيام السنة كذلك..يدافع حنا.‏

ليال وقصي وحنا..سوريون يتمردون على حدود دخلهم المادي, على الأقل هذه الليلة, تماماً كما يتمردون على جدران بيوتهم التي لا يستوي انغلاقها مع انفتاح الروح و العمر على عام جديد, يريدونه جديداً بكل ما فيه.‏

السيدة ليزا قالت إنها تعودت منذ صغرها تمضية رأس السنة خارج منزلها, وقد أبقت على هذه العادة عند زواجها, فهذا(اليوم مميز في حياة أي عائلة, على حد تعبيرها, ويستحق احتفالاً مميزاً ). راما بدورها اعتبرت أن )اليوم الذي نغادر فيه عام قديم لنستقبل عام جديد هو يوم خاص لا يليق استقباله داخل المنزل, إنه يوم مميز يجب تمضيته مع الأصدقاء والتحرر من القيود والملل اليومي( بينما أكدت ريما إنها )لا تتصور عيد رأس السنة بدون رقص وغناء واحتفال حتى الصباح).‏

قناعات البعض بتميز العيد وبالتالي تميز الاحتفال به سرعان ما ستدخل بورصة باهظة الثمن تجعل من تكلفة ليلة واحدة تعادل راتب شهري لموظف حكومي وربما أكثر بكثير, في الشيراتون سيتوجب على الساهرين دفع 5500 ليرة سورية على الشخص الواحد, والمبلغ ذاته هو ما يطلبه فندق ميريديان للشخص الواحد مع تخفيض بسيط بنحو 500 ليرة سورية فقط عند ابتعاد المائدة عن منصة الغناء, مع تقديمه ل(open par) للساهرين, فندق فورسيزن سيحتل المرتبة الأعلى في تكاليف السهرة للشخص الواحد سبع آلاف فقط, بينما تتقدم كثيراً من المطاعم والفنادق الأخرى لتتباهى بانخفاض تكاليف السهرة لتصير فقط 3000للشخص الواحد.‏

الأسعار السابقة بدت انعكاساً لطلب الساهرين, حتى أن كثيراً من الفنادق أعلنت اكتمال حجوزات السهر فيها قبل عيد رأس السنة بنحو أسبوع.‏

أسعار الحجوزات السابقة لا تعني نهاية مطاف الدفع الاحتفالي بالعام الجديد, فثمة مظاهر احتفالية قد لا تقل غرابة عن ذلك المزاد الذي دخله العام الماضي وسام في إحدى مطاعم دمشق القديمة على ثمن زجاجة ويسكي, سيشرب نخبها على شرف حبيبته, وصل حد دفع خمسين ألف ليرة سورية ليكسب المزاد وتهنأ حبيبته.‏

وبكل الأحوال, ارتفعت اسعار الحجوزات أو انخفضت, بدأ اختيار المطاعم والفنادق والملاهي لقضاء سهرة ليلة السنة يزداد ويتسع عاماً بعد عام في سورية, ولكنه بقي دائماً محصوراً بفئة تستطيع أن تدفع, أو بفئة يمكن أن تغامر وتدفع.‏

- ربما يكون مثيراً للشجون, أن تقوم مؤسسات الحكومة بجرد سنوي لكل مشكلات المواطنين العالقة وطلباتهم ومعاملاتهم المتراكمة على مدار عام يمضي..‏

تصوروا أن ندخل العام الجديد بجردة حساب ورؤية واضحة لما أنجزناه خلال عام مضى من خطط وبرامج لتحسين وضع المواطن وما يستلزم منا أن ننجزه خلال عام قادم..تصوروا أن ندخل العام الجديد ونحن في مؤسساتنا الحكومية ننتظر معاملة جديدة هي الأولى في العمل الحكومي لنعالج مشكلتها, لا نراكمها فوق آلاف المعاملات المعطلة على مدار الأعوام...تصوروا وحلموا, لا ضرائب على الأحلام.‏

- لم تعد تشغله لعبة عد السنين, فالعمر منذ زمن بدأ يلملم أغراضه استعداداً لرحيل يأتي بعد حين, نسأله عن أمنياته بالعام الجديد, فيبتسم, فسؤال الذكريات لا الأمنيات هي ما تليق بعقود عمره الثمانية.. تروق له فكرة الأمنيات, فيتمنى موته واقفاً دون (أن يعوز أحداً)..سنوات (الركض والسعي خلف لقمة حلال لأولاده) أثقلت ظهره فانحنى, ورغم إنه عاشها ثمانين حولاً بمنتهى التفاصيل إلا أنه لم يعرف لأي منها رأساً.‏

في منتصف العمر يغفو على مقعد في الحديقة, مجانية المكان تجعل المقعد قصراً, وتترك الحلم مشرعاً على كل الاحتمالات.‏

نومه حال دون سؤاله عن أمنياته بالعام الجديد, ربما هي أمنية بمقعد خشبي أوسع في حديقة أكثر هدوء, أو أمنية بمعرفة سبب وجيه ليغادر هذا المقعد فلا يعود إليه..بكل الأحوال كان سيبدو ساذجاًً أن ننتشله من سلام النوم لنسأله كيف سيقضي ليلة رأس السنة هذا العام.‏

عام سعيد قلنا للطفل الخارج للتو من حاوية القمامة.‏

— سعيد في الزبالة ! علق الطفل وهو يلملم أكياسه ويمضي دون أن نسأله شيئاً.‏

ربما لا داع أن نسأل سنوات عمره القليلة عما ينتظرها غداً, فهو من أولئك الذين لا تعنيهم الأعياد,ولا يملكون الوقت ليضيعونها في مناسبات يجهلونها, أوربما لا يقدرون على نفقاتها المادية.‏

- في دمشق, في أحيائها الفقيرة والغنية, في الشوارع والمدارس والحدائق والبيوت, تسأل الناس عن أمنياتهم بالعام الجديد ?‏

سؤال يحتمل أجوبة مختلفة مشرعة أبوابها أمام الحلم ورغبة بريئة تجيء عفوية بسيطة كما أصحابها بعيداً عن المثاليات والشعارات التي عادة ما ترفع يافطات جاهزة لمثل تلك الأسئلة, إلا أنها ورغم اختلافها وغرابة بعضها وطرافة بعضها الآخر,كانت تلتقي عند أمنية واحدة على الأقل على نحو لم تخلو إجابة واحد من القول: ( أتمنى أن يحل السلام, وتعود لنا الأراضي المحتلة),و(أن تتحرر الجولان وكل الأراضي المحتلة),و(لأطفال فلسطين والعراق أن يعيشوا بسلام آمنين), و(تصير فلسطين حرة ), و(يكون العرب بخير)و(الناس في العالم كله بخير..).‏

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...