أرمن القدس يخشون الفناء

30-06-2010

أرمن القدس يخشون الفناء

في حيّ الأرمن في القدس المحتلة، مكتبة تحوي مذكرات ثمينة، هي كل ما بقي من مئات الأرمن الذين قتلوا في تركيا قبل قرن في واقعة تاريخية يصفها كثيرون بأنها «إبادة جماعية». ويخشى الأرمن المقدسيون اختفاء وجودهم المسيحي الذي يعود إلى 1500 سنة في المدينة.
ويواجه المجتمع الأرمني في القدس خطر أن يلحق بهم ضرر مباشر بسبب الصراع الديموغرافي بين إسرائيل والفلسطينيين على الأرض والسلطة في المدينة المقدسة.خلال قداس للارمن الارثوذكس في القدس المحتلّة
وتشتكي أرشالويس زاكاريان (97 عاماً)، وهي من الأرمن، بينما كانت تجلس مع عائلتها وأصدقائها في حديقتها بالقرب من كاتدرائية سانت جيمس في القدس، قائلة «إنه مجتمع يحتضر. وحدها الكنائس تقوّينا».
وتهيمن كاتدرائية سانت جيمس بشعائرها المميزة وترانيم عشرات الرهبان المتّشحين بالسواد فيها على الحي الذي يعيش فيه الأرمن، وعددهم ألفان، منذ أيام الحكم العثماني للقدس، إلى جانب أحياء أكبر في البلدة القديمة مثل الحي الإسلامي والحي المسيحي والحي اليهودي.
ويؤيد مسؤولو الكنيسة في بطريركية الأرمن في القدس رأياً تتبناه غالبية من الفلسطينيين المسلمين، وهو أن إسرائيل تستغل وصفها لكل المدينة بأنها عاصمة الدولة اليهودية، وسيطرتها على تراخيص الإقامة والبناء فيها بالضغط على العرب والآخرين من غير اليهود في القدس، حتى يستسلموا ويرحلوا عنها.
وقال جورج هينتليان، وهو مؤرخ كان سكرتيراً سابقاً للبطريركية، «سحب بطاقات الهوية أصبح خطيراً للغاية». وأضاف إن «خمسة من الأرمن المولودين في القدس حرموا الشهر الماضي من حقوق الإقامة في المدينة».
ويملك غير اليهود، ويمثلون ثلث تعداد السكان في القدس وهو 750 ألف نسمة، حقوق الإقامة من دون المواطنة منذ أن استولت إسرائيل على القدس الشرقية التي يعيش فيها العرب، بما في ذلك البلدة القديمة من الأردن في حرب عام 1967. وتقول إسرائيل التي تشجع الهجرة اليهودية للقدس إنها غير ملزمة بمنح سكان آخرين هاجروا من المدينة حق العودة إليها.
في المكتبة، تصفّح هينتليان كتباً تحتوي على مذكرات لأسماء وعائلات وحكايات وخطط ومعلومات مختصرة عن مجتمعات الأرمن السابقة في تركيا، والذين ينحدر منهم لاجئون أتوا إلى القدس بعد الحرب العالمية الأولى، ما أدى إلى زيادة عدد الأرمن في المدينة. وأضاف «ما بقي من أرمينيا التاريخية هو هذه الكتب. وبالنسبة إلى أناس تعرضوا للإبادة الجماعية، فإن هذا أمر مهم جداً».
وعلى الرغم من شعور الكثير من اليهود بالتعاطف مع الأرمن الذين يلقى ما تعرضوا له من تشتت ومعاناة صدى لديهم، فإن الأرمن يشعرون بالحذر من الدولة الإسرائيلية. وقال هينتليان «بالنسبة إلى الإسرائيلي العادي، نحن ناجون من إبادة كاملة. أما بالنسبة إلى البيروقراطية الإسرائيلية، فنحن فلسطينيون قلباً وقالباً».
ويخشى كثيرون من تخطيط للأراضي في حي الأرمن الذي يمثّل سدس الكيلومتر المربع داخل أسوار القدس، لكنه يضم نزراً يسيراً من تعداد سكان البلدة القديمة، وهو 40 ألف شخص. ويقع حي الأرمن بجوار الحي اليهودي الذي تعرض للتخريب أيام الحكم الأردني بعد عام 1948، لكن الإسرائيليين عملوا على إعادة بنائه وتوسيعه منذ عام 1967.
بحلول منتصف الأربعينيات من القرن العشرين، وصل عدد الأرمن في القدس وغيرها من المدن أيام الاحتلال البريطاني، إلى 16 ألف شخص. وكثير من الأرمن اللاجئين من تركيا أحيوا اللغة الأرمنية بين نظرائهم الذين استوعبوا اللغة العربية. وجلب اللاجئون معهم أيضاً أعمال السيراميك الملوّن التي لا تزال تملأ محالّهم حتى الآن.
وكاتدرائية سانت جيمس بالقدس جوهرة صافية تزينها المصابيح الفخمة والكنوز التي يتبرع بها الأرمن هنا وهناك وتلفّها ترانيم الرهبان. ولكنيسة الأرمن وضع متساو في الأماكن المقدسة للمسيحيين في القدس، حيث توجد الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية، وهما أكبر بكثير، ويعيش ستة آلاف من أتباعهما من العرب الفلسطينيين في الحي المسيحي بالقدس. ويضمن تاريخ كنيسة الأرمن ودخلها من الإيجارات المحلية والهدايا من الأرمن في الشتات مستقبلاً لها في القدس.
لكن الناس العاديين الذين يعيشون حول الكنيسة، يشككون في بقاء الأجيال في القدس في المستقبل، ويقولون إن الأرمن يشعرون بعدم المساواة في الحصول على عمل عند اليهود أو العرب، فيسافرون إلى الخارج ثم يواجهون رفض إسرائيل السماح لهم بالعودة.
ويخاف الأرمن أيضاً أن يحيي مفاوضو السلام لإسرائيل والفلسطينيين فكرة لتقسيم السيادة على البلدة القديمة في القدس، عن طريق ضم الحيين الإسلامي والمسيحي إلى دولة فلسطينية، وتسليم حي الأرمن لإسرائيل. وذكر كبير الأساقفة نورهان مانوجيان، الذي جاء إلى القدس من سوريا قبيل حرب 1967، أن سقوط الشيوعية في أرمينيا كان طوق نجاة لكنيسة الأرمن لأنه أدى إلى ظهور رهبان جدد من الدولة السوفياتية السابقة. لكن مانوجيان الذي عاد الآن بعد عشرين عاماً قضاها في الخارج، يواجه مشكلة تتعلق بتجديد ترخيص إقامته في القدس. وتساءل «أيّ حرية عقيدة هنا»؟
قد تكون الحياة خارج جدران الدير غير مريحة. وقال مانوجيان إن «العلاقات مع المسلمين هدأت، بينما توجد نزاعات بين الأرمن ورجال دين يونانيين حول قبر المسيح. ويعلن بعض المتشددين من اليهود عداوتهم للأرمن». لكن التاريخ الذي شهد صمود الأرمن في وجه حصار وأنظمة أكثر عنفاً في القدس عبر القرون، يعطي مانوجيان الثقة، فيقول «بعد أربعين عاماً أخرى سنظل هنا».
ورغم كل مشاعر القلق والحنين إلى الماضي في جلسة الشاي في حديقة أرشالويس زاكاريان، فإن هناك نبرة تحدّ مبهجة حيث تقول المعلمة المتقاعدة: «عاش الأرمن حياة صعبة، لكنهم صامدون».

المصدر: رويترز

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...