"خطوة صغيرة واحدة" قصة بين الأرض والسماء

01-06-2010

"خطوة صغيرة واحدة" قصة بين الأرض والسماء

تاريخ استكشاف أسرار الفضاء، وتنافس الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي للوصول الى الاقمار، وما انطوى عليه من فنون الدعاية وأساليب الحرب الباردة بين أعظم قوتين في القرن العشرين، كان محور المسرحية الإنكليزية الشيقة "خطوة صغيرة واحدة" التي عرضها المجلس الثقافي البريطاني بالتعاون مع مسرح أوكسفورد  ووزارة الثقافة السورية في مجمّع لقطة من المسرحيةدمر في دمشق يومي 22 و23 أيار (مايو) الحالي.

دمشق محطة في جولة المسرحية التي بدأت في شهر شباط (فبراير) الفائت، وهي جولة شملت لبنان وتونس والمغرب والأراضي الفلسطينية ومصر، وسوف تنتقل إلى الأردن والجزائر. وهي جولة والجولة وما يرافقها من أنشطة كورش العمل والحوارات المفتوحة بين الفنانين والجمهور تتمّ بدعم من برنامج "منابر الفنون الأدائية" التابع للمجلس الثقافي البريطاني.
"خطوة صغيرة واحدة" من تأليف ديفيد هاستينغ وإخراج توبي هولس، وهي تنتمي إلى مفهوم المسرح التعليمي التربوي الذي يخاطب أفراد العائلة كافة بالاعتماد على تقديم المعلومة المفيدة بأسلوب جذاب قادر على تحريض مخيلة المتلقي وانتزاع دهشته بغض النظر عن عمره ومستواه الثقافي. في ستين دقيقة روت المسرحية قصة السباق إلى الفضاء منذ اللحظة التي أطلق فيها الاتحاد السوفياتي أول كائن حي (الكلبة لايكا) إلى الفضاء على متن سبوتنيك في العام 7591، حتى لحظة هبوط الأميركيين على سطح القمر على متن "أبولو 11" في العام 9691.
إنها مرحلة تاريخية حاسمة وحافلة بالأحداث والتجارب والكشوف العلمية في ظل الصراع من أجل التفوق ما بين العالمين الاشتراكي والرأسمالي، قدّمها العرض بكل تفاصيلها وشخصياتها البارزة بدءا من رائد الفضاء السوفياتي الأول غاغارين في العام 1691، مرورا بالرواد الاميركيين الثلاثة الذين قضوا في محاولة سبر المجهول، وصولا إلى كارثة انفجار المحطة السوفياتية ووفاة مئة وثمانين شخصا من العلماء والمهندسين، انتهاء بمواقف وتصريحات الرئيس جون كيندي إزاء التفوق السوفياتي ومن ثمة وفاته، ثم حملة نيكسون الدعائية لغزو الفضاء.
وإذا كانت السينما قادرة على مقاربة موضوع كهذا، بما تملكه من تقنيات متطورة وأرشيف وثائقي وقدرة على توليد الخدع البصرية، فأي تحد واجه فريق العمل على خشبة المسرح المحدودة الإمكانات في ظل هذا المتن الحكائي المليء بالشخصيات المهمة والأحداث الدراماتيكية المشحونة بلحظات التوتر والترقب التي تدور في أكثر الأمكنة تطورا؟ ومن المدهش حقا أن يتم تجاوز التحدي بتجسيد العرض من خلال ممثلين اثنين فقط: روبن هيمنغز وأوليفر ميلينغهام، وبأسلوب كوميدي، وفي إطار المسرح الفقير، من دون التنازل عن أي شرط من شروط الفن الراقي القاضية بإثارة المتلقي وتحقيق المتعة والفائدة في آن.

فضاء بديل
كان منطلق فريق العمل في عملية تجسيد العرض توظيف شرطية المسرح بطريقة ذكية ومبتكرة من خلال إشراك المتلقي في لعبة التخييل وإنتاج فضاء بديل مختلف تماما عن الفضاء المرئي أمامه، وكان ذلك في حد ذاته كفيل بخلق مفارقات كثيرة مثيرة للضحك، فقد امتلأت الخشبة بأكوام غير متناسقة من الأغراض الفقيرة التي هي أقرب إلى النفايات، كطاولة قبيحة الشكل عليها آلة لعرض صور السلايد، علب كرتونية، مصابيح ليلية صغيرة، دلاء وأكياس وبالونات، وبين هذه الأغراض كان الممثلان يتحركان، ويتقمصان أدوار أهم شخصيات القرن العشرين، يبنيان محطات الفضاء، يصنعان أشهر المركبات أبولو وجيميني وسبوتنيك، يقطعان حدود الدول الكبرى، وينتقلان ما بين الأرض والسماء، يفعلان ذلك بطريق الإشارة والتلميح والسرد التوضيحي.
وفي ظل مساحة اللعب المشروطة بتحريض خيال المتلقي أظهر الممثلان طاقات مدهشة على صعيد اللياقة الحركية وحسن الأداء والتناغم فيما بينهما، وعلى صعيد القدرة على تقليد الشخصيات بالصوت والحركة، والانتقال ما بين اللهجات المحكية: الاميركية والبريطانية ولكنة الروس عند الحديث بالإنكليزية، بحيث استطاعا بأقل الإمكانات المتاحة أن يبدعا فضاء مسرحيا نابضا بالحياة بكل ما فيها من تفاصيل الفرح والحزن، النجاح والإخفاق.
في الحوار المفتوح بين فريق العمل والجمهور الذي تبع المسرحية، حضر المنتج أوستن لولر والممثلان روبن هيمنغز وأوليفر ميلينغهام. وقد سألنا المنتج لولر عن سبب تبنيه نص "خطوة صغيرة واحدة"، وإذا كان أسلوب المسرح الفقير هو حيلة لخفض تكاليف العرض، أم اقتراح للمخرج، فقال: قبول النصوص مرهون بقرار إدارة مسرح أكسفورد، وهو مسرح اكتسب سمعته الجيدة في بريطانيا من خلال تبنيه الأعمال المتميزة، ودعمه التجارب الجديدة والشابة منذ تأسيسه في عشرينيات القرن العشرين، وقد سمع المدير أن طالبا فقيرا يعمل في أوقات فراغه في المسرح، ويكتب بعض المقاطع حول تاريخ استكشاف الفضاء، فاستدعاه واتفق معه على إنجاز النص بالتشاور مع المخرج ومعي لوضع حلول إنتاجية قليلة التكلفة، وهكذا انطلق العرض.
سألنا الممثليّن عن حس الفكاهة الذي يسيطر على أدائهما، وعن مساحة الارتجال التي سمح بها المخرج؟  قال هيمنغز: توبي هولس مخرج وكاتب مسرحي متخصّص في العمل مع الجمهور العائليّ وفي سياق الموضوعات التعليمية التربوية، وكي تخرج هذه الموضوعات من صيغتها المدرسية المملّة، وتكتسب قالبا شيقا قادرا على التأثير بجمهوره، فهو يعتمد الأسلوب الكوميدي في إخراجها، والكوميديا تتطلب حدًّا معينا من ارتجال الممثل. 
وأوضح ميلينغهام أن المخرج هولس معروف بأنه يتيح كل إمكانات الارتجال أمام الممثل، كي يستخرج أفضل ما لديه، فهو يرى أن كل فكرة تستحق التجريب، تحديدا تلك التي تحمل روح الفكاهة، مع ذلك فهو متشدّد إزاء الالتزام بأحداث النص ومقولته الفكرية، فالإضحاك ليس غاية العرض، وإنما وسيلة لإيصال الأفكار والمعلومات إلى المتلقي، أما ارتجالنا على الخشبة أثناء العرض فغايته تلافي وقوع خطأ ما.
وفي الرد على أسئلة الحضور قال ميلينغهام: إن ما يجعل العرض يختلف بين مرة وأخرى هو العلاقة بالجمهور، بمعنى أن الوصول إلى عقل المتلقي هو التحدي الذي يبعد أي إحساس بالملل عن قلب الممثل من جرار تكرار دوره، وفي السياق ذكر لولر: أن الوصول إلى الجمهور هي غاية كل فنان، فالجمهور هو القادر على رفع الفنان وعلى تأمين دخل يكفل استمراريته، بينما رأى هيمنغز: أن الفن مسألة حب وشغف قبل أي اعتبار آخر، وإذا اتبع كل إنسان نداء ما يحبه، فسوف يكون العالم أجمل.

تهامة الجندي

المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...