مهرجان الشعرالسادس في الرقةوسؤال الحداثةالمُضيّع بين الخطابةوالمنبر

05-05-2010

مهرجان الشعرالسادس في الرقةوسؤال الحداثةالمُضيّع بين الخطابةوالمنبر

أطفأت مديرية الثقافة في الرقة شموع مهرجان الشعر العربي في دورته السادسة، والتي أقيمت تحت عنوان ' سؤال الحداثة في الشعر'، مُتضمناً مشاركات حوالي عشرين شاعراً من ثماني دول عربية، إضافة لمشاركتين من تركيا، وثالثة من إسبانيا، شكلوا تنويعاً جميلاً في حضرة الشعر العربي. كما تضمّن المهرجان أربع جلسات نقدية سعت للإجابة على سؤال ' الحداثة في الشعر' دون أن تدركه، كما ورد في البيان الختامي للمهرجان.
لكنّ هذه الدورة وسّعت مساحات التلقي الشعري حين أقامت أربع أمسيات شعرية في قاعة ' العجيلي' ضمن مديرية ثقافة الرقة، وأمسيتين في مدينة الثورة / الطبقة، ومثلهما في كل من كلية الآداب وكلية التربية التابعتين لجامعة ' الفرات' الخاصة، في محاولة لتجسير المسافة بين الفعل الثقافي الإبداعي وبين الجامعة والجسد الطلابي فيها، والذي يبدو أنه ما زال بعيداً عن هذه الاهتمامات.
كما أقامت مديرية الثقافة بهذه المناسبة معرضاً للكتاب لدار ' الينابيع' وآخر للرسم شارك فيه الفنانان التشكيليان ' عصام حتيتو' و' مصطفى الصافي'، إضافة لأمسية غنائية على هامش المهرجان للفنانة ' بادية حسن'، كانت الأكثر تميّزاً بين النشاطات الموازية للمهرجان، حيث أدّت فيها من ألحانها أغنيتين، الأولى كانت ' مديح الظل العالي' من شعر الراحل ' محمود درويش' والثانية من شعر ' جورج جرداق'، كما غنّت ترنيمة كنيسة من كلماتها وألحانها باسم ' مريم البتول'، والتي سبق وأن حازت عليها الجائزة الأولى في مهرجان ' قيثارة الروح' في دار الأوبرا في دمشق، ثمّ أتحفتنا أخيراً بأغنية ' الأطلال' لكوكب الشرق ' أم كلثوم'.
******
بالعودة إلى شعراء المهرجان وما سمعناه من قصائد فإننا نلاحظ تبايناً بين ما قرىء من شعر وبين عنوان هذه الدورة الذي استهدف سؤال الحداثة، إذ فوجئنا بكم كبير من المشاركات التي ما زالت تنتمي إلى القصيدة الكلاسيكية، ليس في مستوى الصيغة العامودية أو قصيدة التفعيلة لأنّ ' أبا تمام' كان حداثياً في عصره وكذلك ' المتنبي' وإنما في ابتعاد أغلب الشعراء المشاركين عن روحيّة العصر الذي نعيشه، والاتكاء على نمط من الوعي وآليات التفكير الماضوية، كما لاحظنا اتكاء أكثر من شاعر على الخطابة التي قتلت الكثير من الشعر في ما سمعناه. خطابيّة تتقاطع مع شحنات أيديولوجية مكانها بالتأكيد خارج حرم القصيدة.
بالطبع لا يعني هذا خلو المهرجان من مشاركات حداثية في مبنى القصيدة ومحتواها كما لاحظنا عند أكثر من شاعر في هذا المهرجان، لكننا نسجّل تغييب قصيدة النثر أولاً بنسبة كبيرة، وتغييب المشاركات الشبابية ثانياً، فعن أي حداثة تتحدثون؟! أم أنه الشرخ القائم في مجمل حياتنا وإنتاجنا الثقافي بشكل خاص، بين ما نرفع من شعارات وبين الدروب المغايرة التي نغذّ السير إليها باستمرار، دون أن تفلح الجلسات النقدية الأربع في هذا المهرجان في تجسير المسافة بين تلك المكوّنات المتناقضة في حياتنا وفي ثقافتنا.
فإذا سمحت لنفسي بالرجوع قليلاً إلى الوراء وذكرنا الدورة الرابعة لمهرجان ' الشعر العربي' سنلاحظ حضوراً قوياً لقصيدة النثر، وبؤس النقد الأكاديمي المرافق لها. لذلك يبدو تراجع المشاركات الشعرية في هذه الدورة السادسة غير مُبرّر على الإطلاق، ممّا يُلقي بظلال المسؤولية على عاتق اللجنة العلمية التي كان يُفترض بها أن ترتقي بسويّ المشاركات الإبداعية والنقدية أيضاً لخدمة المحور الذي وضعته تلك اللجنة عنواناً لهذه الدورة ألا وهو ' سؤال الحداثة في الشعر'. وقد أشار البيان الختامي للمهرجان إلى هذه الإشكالية حين قال: تناولت الندوات النقدية سؤال الحداثة من جوانب عدّة، تمثلت في البُعد التاريخي والاجتماعي والجمالي، كما طرحت إشكاليّة الحداثة العربية من مختلف جوانبها. لكن إضاءة سؤال الحداثة في الشعر ظلّت محدودة.
لذلك أكدّ المشاركون في هذه الدورة وفي التوصية الأولى على ما يلي:
1.بما أنّ سمات الحداثة في القصيدة العربية المعاصرة بعد أكثر من نصف قرن من نموّها وتطوّرها ظلّت محدودة التناول في هذا المهرجان في جانبه النقدي، يوصي المشاركون بمتابعة الندوات النقدية التي تتصل بهذا الموضوع في مهرجانات قادمة.
مع أنني أعتقد أنّ محدودية التناول للحداثة في القصيدة العربية لم تقتصر في هذه الدورة على الجانب النقدي بل تعدّته إلى الجانب الإبداعي، وهو ما لم يُشر له البيان الختامي، وكان يجب أن يلحظ في التوصيات المرفوعة إلى المعنيين بتنظيم هذا المهرجان، رغم اليقين بأنّ الكثير من التوصيات لن تجد طريقها إلى الترجمة العملية، كما نلاحظ في البندين التاليين من تلك التوصيات، واللذين ينصان:
2. يوصي المشاركون بإعادة النظر في بُنية الندوات وتنظيمها بحيث تُقدّم البحوث المشاركة مُسبقاً بمدة كافية لتعرض على اللجنة العلمية التي تحدّد مدى صلتها بمحور المهرجان. كما يقترحون أن يُضاف على المحاضرين معقبون قرؤوا المداخلات مُسبقاً، ويُعقب كل منهم بما لا يزيد عن خمس دقائق.
3. يوصي المشاركون بطبع الأبحاث النقدية أو استنساخها قبل بداية المهرجان ليتم توزيعها على المشاركين والمهتمين أسوة بما هو معمول به في المهرجانات الأخرى.
ونلاحظ أنّ هذه الملاحظات جميعها قد تكرّرت في كل الدورات السابقة دون أن تتمكّن اللجنة المنظمة للمهرجان من ضبط المشاركات وفق إيقاع المحور المطروح في دورة المهرجان. ومع ذلك نحن نأمل أن تتم الاستفادة مُستقبلاً من هذه التوصيات وأن نتابع في الدورة السابعة مهرجاناً للشعر العربي يُعنى حقاً بسؤال الحداثة في الشعر العربي إبداعاً ونقداً، لأنّ العالم كلّه يشتغل في ما يُعرف بـ ' ما بعد الحداثة' كما أشارت الدكتورة ' شهلا العجيلي' ونحن لم نتمكن بعد من مقاربة سؤال الحداثة.
مقاطع شعرية من مهرجان الرقة:

الغريبة
شعر بروين حبيب / الإمارات العربية

اتْركْ مرفقي،
اتْركني،
أمرُّ إلى فؤادي..
وحدي، هنا، في شمس أيامي،
وفي ظلِّ البنفسج
ضوعَ أمسيةٍ قديمة.

لا وجهَ لي،
لا اسمَ،
لا وطناً يلمّ تراب أغنيتي
اتركني، هنا، في غربتي الأولى
وفي شمس كلامي
لي من شذا اللغة الغريبة
عندما يهوي المساء
على فؤادي
باءٌ بكت راءً
وواوٌ أورقت ياءً على الألواح،
والشمس خمرةُ فكرةٍ في كأسِ نونْ.

فاتحة الطين
شعر مليحة علي الأسعدي / اليمن
يا رحمةَ الله..
كيف تستَلُّني الكلماتُ التي
غادرت من صلاتي
لترقص
في زحمة الانتماء.

كيف تصغي حروفي
لأرغفةِ الدمع!!
حين تجوع معي
تحتويني
لأحصدَ من ثمرِ السهدِ
ضيقَ المدى
وسلالاً من الخيرِ للفقراء.
كيف أغفو!!
وروحُ القصائدِ
مثقلةٌ
بهمومي السمانْ.
هل سأخرجُ من كمدي المرمري؟!
هل سأخرج من فسحةِ الموتِ
للموتِ
من وجعي الأبدي ؟!
هل سأخرج من جسدي الأنثويّ؟!
هل سأبكي
أُرتّلُ فاتحةَ الطينِ
عندَ الختام.
هل سأمتشقُ الريح
بعدَ انطفائي
وأقذفُ مبخرةَ الخوفِ عني
وعن مفردات الرحيلِ الجميل.
هل سأنجو ؟

حوار
شعر رسمية محيبس زاير/ العراق
ماذا نرسم فوق اللوحة
شجراً يمشي؟
لا.. الأشجار هنا واقفة
والريح تسير
نرسم عصفوراً ليطير
نرسم إعصاراً
أو قنبلة
أو فوهة مدفع
نرسم ألغاماً وجنوداً
وجسوراً تنسف
نرسم معطف
لا.. نرسم قافلة
تتزود من تربة وطن يقتل
نرسم منجل
نرسم أسرى ونجوماً
ومساءً أعزل
نرسم أطفالاً وأراجيح
نرسم فوق الصمت المطبق
جرساً كي تقرعهُ الريح.

إلى ولدي الجواهري
شعر حسين القاصد / العراق
مني ابتدتْ هذه الدنيا ومن قلمي
تحدثتْ.. ثم سارت .. فوقَها علمي
وقيل للماء كن ماءً فكان يدي
وقيل للصبح كن صبحاً فكان فمي
وابيضت الأرضُ، شاختْ، كيف أتركها؟
فسرتُ احملُ شيب الكون في قممي
أمشي ونزفي نخيلٌ في مرابعهِ
حتى تفرّعَ آل البيت من ألمي

قائد الأوركسترا
حلمي سالم / مصر
سرُّ التعاويذ باتعٌ
يا مريضة تمشي إلى قتل النَّفْس
كما يمشي المطربون إلى محطة صوتِ العرب.
صدِّقي الوَدَعَ:
ستهرب الشياطينُ من غرفة الطعام،
ستهرب الشياطينُ من سرير الأم،
ستهرب الشياطينُ من دورةِ المياه.
صدِّقي الوَدَعَ
والبسي الثوبَ المزركشَ الذي اشتراه الأقربون.

سدرة القيظ
عبد الله الخشرمي/ السعودية
طرقنا الغوائل بالشمس
حتى استدارتْ
عروش الفراديس
من غير قوتْ
وأذعن جوع المدائن منتحراً
فاسترابَ الزمان الصموتْ
وأنبتت الريح فينا
سؤال النخيل الكفيفة
فارتجت الأرضُ
من هولهِ والوقوت
أمايزُ ما بين وجهك
والتربة الروح
عمداً.. تداهمكَ البيدُ
في حملقاتِ الضَّواري
وتوشِمُكَ الطرقاتُ
بأرزاء حزنِ البيوتْ
أنت والربُّ
مُختصمان..
ومن خلف ' سدرتك / القيظ'
صبح يجيء وقد لا يجيء
ولكنه العشق
ينْفُثُ في قامة المدنِ الطّلقِ
والقرية الطل
أوردةً لا تموتْ

أنور بدر

المصدر: القدس العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...