وفاة أم سورية كل يوم

24-12-2006

وفاة أم سورية كل يوم

في مبادرة هي الأولى من نوعها على مستوى القطر تعكس التزام الحكومة في تحسين الوضع الصحي للنساء والاستمرار في دعم برامج الصحة الانجابية لتخفيض معدلات وفيات الأمهات وصولاً الى الأمومة الآمنة..

نشرت وزارة الصحة خلال ندوة عقدتها الخميس الماضي في فندق الشام بدمشق دراسة أسباب وفيات الأمهات في سورية اكدت فيها أن النزف هو القاتل الأول لهن، وانه كل يوم تقريباً تتوفى أم نتيجة الإهمال ونقص الخبرة والتجهيزات الطبية داخل المشافي وخارجها.. وخلصت الدراسة التي أعدتها الوزارة وجامعة دمشق بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان الى عدة توصيات يمكن اعتبارها نظام عمل مهم للوزارة في المرحلة القادمة لتصحيح الأخطاء المرتكبة في هذا الأمر ومعاقبة المقصرين والمهملين خاصة اذا مالاحظنا لاحقاً ان 90% من حالات الوفاة كان يمكن تفاديها فيما لو توفرت الكفاءة والرعاية الطبية المطلوبة.. ‏

- وانطلاقاً من الأهداف النوعية المعلنة للدراسة والتي تتمحور حول استقصاء وتحديد الأسباب الطبية ( المباشرة وغير المباشرة) لوفيات الأمهات في عام 2003 واستقصاء الأسباب غير الطبية لتلك الوفيات لدى سيدات سوريات في سن الانجاب في العام المذكور وبالتالي اقتراح الأولويات المناسبة للتدخل الممكن على العوامل في تلك الوفيات.. ‏

فقد شملت الدراسة جميع محافظات القطر وغطت 129 وفاة أمومية تم تسجيلها في سجلات الأحوال المدنية 2003 في حين العدد المتوقع لوفيات الأمهات للعام المذكور حسب مسح صحة الأسرة هو /327/ وفاة. ‏

نفذ العمل الميداني في هذه الدراسة بدءاً من شباط وحتى تموز 2005 على يد /14/ فريقاً بحثياً اعتمدوا في تصميم استمارة الدراسة على منهجية تشريح الجثة الشفوي من خلال مقابلة زوج السيدة أو أحد أقاربها الذين يعرفون قصة الوفاة تماماً. ‏

- ونتيجة البحث توصلت الفرق الى نتائج خاصة بصفات السيدات المتوفيات منها أن متوسط أعمار المتوفيات 30.8 سنة وان اللاتي وصلن الى مرحلة التعليم العالي 7.8%.. ‏

أما النتائج الخاصة بالوفيات وأسبابها فتؤكد الدراسة ان 14.2 % من الوفيات حدثت أثناء الحمل و54.3% اثناء المخاض والولادة و31.5% بعد الولادة وقد تطلبت حالة السيدة ضرورة الاستشفاء في 76.7% من الحالات حيث قبلت السيدات في المشفى وكانت وسيلة نقلهن إليها السيارة الخاصة أو الأجرة في 85.8% من الحالات و5.1% فقط أي (5حالات) نقلن الى المشفى بسيارة الاسعاف. ‏

واحتاجت منهن 49.5% نقل دم تمت تلبية حاجة 85.4% من المحتاجات فقط وقد استغرقت عملية نقل الدم الى 80.5% منهن اكثر من ساعة والباقي بين /2 ـ 5/ ساعات. ‏

وأشارت الدراسة الى أن نسبة الولادات المنزلية كانت عالية من الوفيات التي حدثت أثناء نقل السيدة على الطريق /15 من 54 / كما لوحظ ان نسبة من وفيات المشفى /10 من 45/ حدث فيها نقل بين المشافي/عامة أو خاصة وعامة/. ‏

وحول الأسباب المباشرة للوفيات اشارت الدراسة الى أن مايقارب ثلثي الوفيات تنجم عن النزوف، تلته أدوار ارتفاع التوتر الشرياني أثناء الحمل بنسبة 11.4% ثم الخثارات والصمات 9.6% والجراحة والتخدير 8.8% والانتانات النفاسية 5.3% ‏

وفي أسباب الوفيات الطبية المباشرة وغير المباشرة فقد جاءت نزوف الخلاص مسؤولة عن 38.8% من جميع الوفيات تلتها تمزقات الرحم 13.2% والارجاح وماقبل الارجاح 10.1% ‏

في حين ارتبطت الأسباب غير الطبية للوفيات بمستوى الرعاية المقدمة للسيدات قبل الوفاة ومن الأرجح انها ارتبطت بالوفاة. ‏

- وفي مناقشة النتائج المذكورة اعلاه بينت الدراسة أن السبب الرئيسي للوفيات هو النزف (نزوف الخلاص والمرتبطة بتمزق الرحم) حيث كانت مسؤولة عن حوالي 65% من الوفيات والنزوف هي من أسباب الوفيات القابلة للوقاية. ‏

وعند تحليل الأسباب غير الطبية للنزوف تبين بشكل واضح أنها حدثت بسبب التشخيص الخاطئ والعلاج الخاطئ وعدم تقدير الخطورة بشكل رئيسي وهي اسباب تتعلق اساساً بمهارات المشرفين على الولادة سواء كانوا من القابلات أو الأطباء وقد لوحظ وجود حالات واضحة من الاهمال الطبي، وسوء التدبير بسبب غياب الكفاءة وعدم توفر الاختصاصيين الأكفاء أو عدم حضور الاختصاصي وإعطاء الأمر هاتفياً. ‏

وجميع هذه الحالات هي سوء رعاية واضحة وتشكل بحد ذاتها الأسباب الرئيسية للوفيات. ‏

اما اذا أخذنا الأسباب التي تتعلق بالأهل وتأخرهم في طلب الرعاية الطبية بالحسبان ( 9 حالات) فهي أيضاً أسباب قابلة للوقاية من خلال توعية السيدات والأهالي. ‏

ولقد لعبت جاهزية المشافي دوراً في حدوث تلك الوفيات إذ لحظت (7 حالات) لم يتوفر فيها الدم في المشفى، وعدد من هذه الحالات تم نقلها بين المشافي بوسائل نقل خاصة أو عامة وليس بسيارات اسعاف بسبب عدم جاهزية المشفى. ‏

وفي كثير من حالات نزف الخلاص كان هناك غياب واضح لإدراك خطورة الحدث لدرجة أن السيدة لاتدخل الى المشفى إلا عندما تفقد الوعي وتكون قد وصلت لمرحلة غير عكوسة من الصدمة. ‏

وسجلت بعض حالات استعجل فيها مقدم الخدمة بتشخيص الطور الفعال للمخاض بشكل خاطئ وعليه بدأ تحريض المخاض باكراً باستخدام السينتوسينون أو غيره وتم ذلك في عيادات أو منازل دون توفر عناصر الأمان المطلوبة ما أدى الى حالات تمزق الرحم ونزوف الخلاص انتهت طبعاً بالوفاة. ‏

جاءت أدواء ارتفاع التوتر الشرياني بمافيها حالات الإرجاح أو ماقبله بالمرتبة الثانية كسبب مباشر للوفاة. ‏

- وحدث اكثر من نصف الوفيات بسبب سوء الرعاية بمافيها التشخيص والعلاج الخاطئ وعدم تقدير الخطورة والغريب أن هذه الوفيات قابلة للوقاية فيما لوكانت الرعاية اثناء الحمل جيدة. ‏

وكانت الخثارات والصمات السبب الثالث للوفيات المدروسة وهي أقل قابلية للوقاية من غيرها إلا أنه لوحظ ايضاً وجود حالات من الاهمال أو التأخر في طلب الرعاية الطبية. ‏

أما الوفيات التي حصلت بسبب الاختلاطات الجراحية والتخديرية فكانت في المرتبة الرابعة وسببها الرئيس غياب الكفاءة.. ‏

أدوات غير عقيمة ‏

والسبب الخامس من الأسباب الطبية المباشرة للوفيات كان الانتانات النفاسية واللافت للنظر أن الولادة والوفاة حدثت في المشفى في اغلبها ما يشير لوجود ادوات غير عقيمة في المشافي وهذا أمر غاية في الخطورة. ‏

ولفتت الدراسة النظر الى ان الخصائص التوليدية للسيدات المتوفيات ارتبطت بخطورة عالية نسبياً كون نسبة الخروسات وعديدات الولادة بينهن عالية وكذا وجدت سوابق املاص ووفيات أطفال أكثر لدى المتوفيات بفرق ذي مغزى إحصائي بالمقارنة مع السيدات الشواهد. ‏

وان مايفوق 90% من الوفيات كانت قابلة للوقاية . ‏

- وللحد من وفيات الأمهات مستقبلاً وضعت الدراسة عدداً من المقترحات نذكر منها: ‏

ـ اعداد بروتوكولات عمل وطنية شاملة للرعاية التوليدية الطارئة وتطبيقها على كل المستويات. ‏

ـ تشكيل لجنة وطنية عليا لوفيات الأمهات. ‏

ـ وضع قائمة بالمهارات الأساسية والاضافية من الشخص المشرف على الولادة. ‏

ـ متابعة العمل في مجال تحسين جودة الخدمات الصحية عموماً والتوليدية خصوصاً. ‏

ـ اجراء دراسة لجاهزية المشافي وتفعيل نظام اعتمادية المشافي. ‏

ـ اعادة النظر في نوعية خدمات الرعاية اثناء الحمل والتأكد من وجود الرعاية الشاملة والمستمرة. ‏

ـ إدماج موضوع وفيات الأمهات في التعليم الطبي قبل التخرج وبعده وكذلك التعليم في مدارس التمريض والقبالة. ‏

ـ التدقيق في حالات الإهمال الطبي ومحاسبتها وفق القوانين النافذة. ‏

ـ التنسيق بين كل القطاعات الصحية ذات العلاقة بالخدمات الاسعافية. ‏

ـ زيادة الوعي بين أفراد المجتمع حول ضرورة الإبلاغ عن حالات الوفيات. ‏

ـ التنسيق بين وزارتي الداخلية والادارة المحلية لاتخاذ الاجراءات المناسبة التي تضمن تحسين جودة بيانات الأحوال المدنية وتفعيل دور مكاتب دفن الموتى في تسجيل الوفيات. ‏

- يذكر انه تم عرض أربعة نماذج عن قصص الوفيات التي حدثت للامهات الأمر الذي أثر كثيراً بالحضور لدرجة أن أحد المشاركين قال لنتابع الندوة قبل أن نبكي في حين طالب ضابط ذو رتبة عالية في الأمن الداخلي برفع الدعاوى القضائية من قبل أهل المتوفاة على المشفى والطبيب والقابلة وأن يكون هناك حق عام يلاحق الطبيب لافتاً الى أن مبدأ القضاء والقدر الذي نسير عليه هوما أدى الى كل هذا التسيب مشيراً الى انه في الدول الغربية يقف الطبيب عدة مرات في السنة أمام القضاء في حين عندنا لم نسمع أن طبيباً واحداً وقف أمام القضاء مع أن الأخطاء والتقصير الطبي في بلدنا أضعاف ماعندهم.. ‏

في حين اقترح أحد الدكاترة الحضور إحداث لجنة في كل مشفى مهمتها استقصاء مهارات الأطباء وتوقيف الطبيب الذي تحصل معه اختلاطات زيادة عن اللزوم أثناء العمل. ‏

وأشار آخر الى أن بعض الأطباء المقيمين لايكلف نفسه نزول الدرج أو القيام من سريره لفحص المريضة بل يكتفي بالهاتف لتوجيه الممرضة لإعطاء المريضة الدواء أو ابقائها للغد في المشفى. ‏

في حين نوه أحد الحضور الى وجود فوضى في اعطاء التراخيص لإحداث مشاف خاصة صغيرة غير مؤهلة.. ‏

- بكل الأحوال العمل جيد ويستحق الثناء لكن الأقوال تبقى أقوالاً مالم يرافقها أفعال على أرض الواقع لتنفيذ توصيات الدراسة ومطاليب الحضور.. في ذلك فقط يمكن الحديث عن خطوات فعلية وايجابية نحو خفض عدد وفيات الأمهات.. نأمل ذلك قريباً جداً.. ‏

عمران محفوض

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...