مهمّة مستحيلة؟ أم «رجسٌ من عمل الشيطان»؟

25-11-2013

مهمّة مستحيلة؟ أم «رجسٌ من عمل الشيطان»؟

في الثاني عشر من الشهر الحالي، كتبت الصحافية فرانسيسكا بوري في سياق استعراضها للمشهد السوري: «هل نتحمّل، كصحافيين، أيّ مسؤولية؟ إن وظيفتنا تكمن في الاستقصاء والتحقيق، فلماذا نُستهدف؟ يطاردنا الثوار والنظام على حد سواء». بوري عنونت المقال الذي نشرته صحيفة «ذا غارديان» بـ«في حلب، بقيتُ على قيد الحياة فقط من خلال الظهور بمظهر سوريّة». وكيف ذلك؟ من خلال ارتداء الحجاب، تقول بوري، أو بحسب تعبيرها: «بات الحجاب خوذتي اليوم». من خلال تغطية رأسها، تتجنّب الصحافيّة غضب الجماعات المسلحة المتشددة... لكنّ الظهور كـ«سوريّة»، ليس دوماً وسيلةً للنجاة، بل إنّه قد يزيد، بكلّ أسف، حظوظ الموت على دولاب عمر أيّ إنسان، ولا يُستثنى من ذلك الإعلاميون. فعلى أرض الواقع، دفع الإعلاميون السوريون أثماناً لا تقل عن تلك التي دفعها الأجانب، بل ربما تتجاوزها بأشواط، يتساوى في ذلك المحترفون والناشطون، كما المُوالون والمعارضون. الصحافي الأميركي جايمس فولي المخطوف منذ عام في حلب (أ ب)
ربما كان من الطبيعي (لا المبرَّر) أن يعتدي كلُّ طرف على الإعلاميين المناوئين له، لكنّ المستجدّ أن يتعرّض الإعلاميون المعارضون إلى انتهاكات فادحة، ترتكبها بحقهم فصائل معارضة، لكنها مُعارضة من نوع آخر.. بل ربما كانت من جنسٍ آخر، وإعرابُها: «داعش». تزايدت في الشهرين الأخيرين حالات استهداف الإعلاميين في حلب على وجه التحديد، قتلاً واختطافاً، على يد التنظيم المُتشدّد، ليزيد عددُ الناشطين الإعلاميين المختطفين عن العشرين، منضمّين إلى ستة عشر صحافياً أجنبياً معتقلين، أو محتجزين كرهائن، أو في عداد المفقودين، وفقاً لتقرير أصدرته منظمة «مراسلون بلا حدود» في الأسبوع الماضي، بعنوان: «الخناق يضيق على حلب». يؤكّد التقرير أنّه «أمام تهديدات «داعش»، يلوذ الإعلاميون السوريّون بالفرار إلى خارج البلاد. فمنذ بداية شهر تشرين الثاني، تفاقم ذلك بهرب أكثر من عشرة صحافيين سوريين إلى تركيا». وبحسب التقرير: «بالنسبة لداعش لا يتم التسامح إلا مع وسائل الإعلام التي تنقل أو تنشر المعلومات والأخبار المصادق عليها من قبل شيوخها، أما بقية المنابر الإعلامية، فيجب إسكاتها وقتل العاملين فيها والمتعاونين معها. ذلك أن هذه الجماعة تعتبر عمل وسائل الإعلام تلك رجساً من عمل الشيطان، كما تعتبر أي شخص على اتصال بها في عداد المشعوذين والدجالين والفاجرين، وبالتالي ينبغي القضاء عليهم باسم الإسلام». وبطبيعة الحال لم يُغفل التقرير الإشارة إلى أن «النظام لا يتوانى عن استهداف الفاعلين في الحقل الإعلامي السوري»، مستعرضاً عدداً من آخر حوادث الاستهداف، في حلب، ودمشق.
بدورها، قالت مديرة مكتب المنظمة في واشنطن ديلفين هلغاند إن نحو ستين صحافياً لا يزالون مخطوفين أو مختفين أو معتقلين في سوريا، مضيفةً في تصريحات لقناة «الجزيرة»: «عمليات الاختطاف أصبحت شائعة جداً لدرجة أنَّ الصحافيين والإعلاميين أصبحوا يردّدون مقولة: إن لم تُختَطف في سوريا فأنت محظوظ»، وأكّدت أنَّ «الصحافيين الأجانب أو المواطنين معرَّضون للقدر نفسه من الخطورة». الإعلاميون المختطفون خلال شهري تشرين الأول وتشرين الثاني هم: إسحاق مختار، سمير كساب، مؤيد سلو، عبد الوهاب الملا، وأحمد بريمو، فيما قُتل محمد سعيد، ومحمد أحمد تيسير بلو، واعتقلت الأجهزة الأمنية الصحافي عمر الشعار في جرمانا بريف دمشق.
«الصحافة في سورية: مهمة مستحيلة؟»، بهذا عنونت «مراسلون بلا حدود» آخر تقرير مفصّل عن وضع الإعلاميين في سوريا، ونشرته بتاريخ السادس من الشهر الحالي، بينما يبرز في الكفة الأخرى توصيف «داعش» للمهنة بأنها «رجسٌ من عمل الشيطان»، وبين هذا وذاك، وكيفما مالت الكفّة تبقى المهنةُ وفدائيوها الخاسر الأكبر!

صهيب عنجريني

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...