مسرحية «المرود والمكحلة» لعروة العربي تستعير دم الأرمن

13-04-2013

مسرحية «المرود والمكحلة» لعروة العربي تستعير دم الأرمن

لم تتردد مسرحية «المرود والمكحلة» لكاتبها عدنان عودة «افتتحت عروضها قبل أيام على مسرح الحمراء» في دمشق في الذهاب أكثر خلف ملحمة سورية بامتياز، بدأت عام 1917 بمذبحة الأرمن على يد العثمانيين؛ لتتقاطع مع حكاية شاب سوري كردي يصادف أخته من أمه في ليلة من ليالي دمشق، بعد سنوات طويلة من حكاية بدأت من جبل آرارات؛ جارفة معها دماء النساء والأطفال في نهر الفرات، بعد أن قضوا في مجزرة نظام «المُلة العثماني»، حيث تقطع الملحمة الأرمنية مسافةً طويلة من سرد مشهدي يتقاطع بقسوة مع العنف الدائر على الأرض السورية منذ أكثر من سنتين.
مغامرة يخوضها المخرج عروة العربي مبتكرا لها حلولا لافتة على الخشبة؛ متعاملاً مع كمّ متنوع من البيئات السورية الكثيفة للنص، فالأحداث تدور وفق تقطيع ضوئي متواتر بين خمسة أماكن من سورية، وعلى امتداد قرابة قرن من الزمن؛ مستوعباً عبر ديكور زهير العربي وإضاءة نصر الله سفر جدران البيوت الطينية في الرقة وحمص وخيام البدو في الجزيرة السورية وقوارب الصيادين في نهر الفرات؛ وصولاً إلى حي المهاجرين على سفح جبل قاسيون. (الصورة من المسرح)
ينتصر «العربي» في عرضه الجديد لمساحة واسعة من مُناخات مختلفة للفرجة، واضعاً إياها أمام مونتاج حركي لحكاية تنتمي بقوة إلى المسرح الملحمي، وعبر جهد جماعي على مستويات متعددة من البيئة السورية والتنويع، إلى ما لا نهاية في فنون الخشبة، إذ اقتحمتها قصص الحب منذ اللحظة التي يقوم فيها أحد رجال عشيرة «الفدعان» بالعثور على الطفل «كريكور»، الناجي الوحيد للتوّ من مذبحة أهله الأرمن. استعارة نص عدنان العودة تأتي للمرة الثانية (قدمه المخرج عمر أبو سعدة عام 2007)، لكنه هذه المرة يبدو أكثر طزاجةً وراهنية من جهة تصديه للأقليات الثقافية في البلاد، فهنا تبدو الرغبة واضحة لدى مخرج العرض للحديث، من اللحظة الأولى للعرض، باللغة الكردية، سابقة في تاريخ المسرح السوري، لا سيما أن العرض من إنتاج المؤسسة الرسمية (وزارة الثقافة - مديرية المسارح والموسيقى)، إضافةً إلى تكريس المخرج للأغاني الأرمنية وآلة البزق كنص موازٍ للسرد المسرحي - «موسيقى آري جان سرحان على البزق، والياس عبود إيقاع - بمرافقة صوتية للفنان حسين عطفة»، كحضورٍ حيٍّ ومصاحب لأحداث المسرحية.
يبدأ العرض عام 1917، كذروة درامية، تصدت للمرة الأولى من تاريخ المسرح القومي لتجاهل الدعوة القومية العربية آنذاك للشركس والكرد والأرمن والآشوريين في خطابها السياسي، معتبرةً إياهم أقليات ثقافية ستذوب عاجلاً أو آجلاً في «جسد العروبة»، مطالبةً بتأسيس ولايات عربية مستقلة، لها برلمانها وحكومتها ولغتها العربية، من دون الإشارة إلى ثقافات ولغات أخرى اعتبرها البعث في ما بعد محصلة بشرية للكتلة العربية. من هنا ينبش «المرود والمكحلة» في بنية النسيج السوري، ثقافاته ولهجاته وعادات أقوامه، حيث اتكأ «العربي» على راهنية الحدث السوري للإطلالة على أرخبيل الدم، عبر استعارة دماء المجزرة الأرمنية، مناورة تُحسب لكل من «العودة» و«العربي»، لا سيما أن العرض يغوص في تفاصيل الطوائف السورية وزواج الأديان، والتباسات الهوية. أسئلة تتخذ مشروعيتها من الديموغرافيا المعقدة للبلاد، حيث كان من المثير فعلاً تلك الجرأة التي اتسم بها العرض، لجهة رفع الصوت عالياً من على خشبة «مسرح قومي» غنى بالأرمنية، ملقياً تحية المساء بالكردية، على جمهورٍ اكتظ في صالة الحمراء رغم القذائف.

سامر محمد إسماعيل

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...