لماذا لم تعد القراءة تشكل احتياجاً حقيقياً للسوريين

19-05-2009

لماذا لم تعد القراءة تشكل احتياجاً حقيقياً للسوريين

التعطش للقراءة مصطلح فقد من مجتمعنا إلا عند القليل. ولأن القراءة قبل أن تكون سلوكاً، هي فعل ثقافي يومي يمارسه الإنسان لرفع مستوى أفكاره إضافة إلى أنه يفتح مدارك العقل بجمل وعبارات خصبة ويجعل صاحبه قادرا على الأقل على تثقيف الجيل المحيط به، حتى لا يستمر تصنيفنا ضمن دول العالم الثالث. 
 آخر الدراسات تشير إلى أن الناشرين العرب ينشرون سنوياً كتاباً واحداً لكل ربع مليون شخص في العالم العربي، مقابل كتاب لكل خمسة آلاف شخص في الغرب، أي مقابل كل كتابين يصدران في العالم العربي هناك مئة كتاب يصدر في الغرب.
وإن إسرائيل وحدها تنتج سنوياً بين 25 إلى 30 ألف كتاب، وهو ما يعادل إنتاج الدول العربية مجتمعة.
أما الطفل العربي فيُكتب له أسبوعياً كلمة واحدة وصورة واحدة.
ما السبب؟... لم هذه الانعطافة الكبيرة؟
وما المسار الذي سنسلكه لنغير معادلة (باتت القراءة مملة)؟

العزوف عن القراءة والنفور من المكتبات سواء العامة أم الخاصة واضح لدى الجميع وخصوصاً عند شريحة الشباب، هذا ما أكدته الباحثة الاجتماعية هدى الخطيب التي قالت: إن قنوات المعرفة باتت محصورة فيما يتلقاه الشخص بتأثير مؤثرات خارجية لا إرادية، وأصبح العقل مهيأ لاستقبال ما سيوجه إليه من معلومات دون النظر إلى ماهيتها، أو مصدرها، أو فائدتها، أو أثرها وهناك أسباب كثيرة لعل أهمها الظروف المعيشية الصعبة التي دفعت بقسم كبير من الشباب للاتجاه بأفكارهم نحو السعي إلى تأسيس مستقبلهم المهني وحياتهم وخاصة في ظل الظروف الاجتماعية الراهنة في وطننا العربي.
السيدة هدى تشير أيضاً إلى أن الموضوع تربوي، فأنت عندما تؤسس طفلك منذ البداية على حب القراءة، ويعتاد على سماع قصة يومية منك أنت تقرؤها له سوف يؤدلج بشكل طبيعي لتغدو القراءة جزءاً من حياته.
الأستاذ محمود شاهين مدرس لغة عربية يقول: إن السرد القصصي والقراءة أسلوبان فاعلان لتنمية الخيال عند الأطفال وتمكينهم من التعرف إلى بيئتهم وتعزز تأثير الوالدين على الأبناء ذلك التأثير الذي سيؤدي في النهاية إلى تنمية حس عميق ومستمر وحب التعليم والقراءة.

عندما يطرح موضوع القراءة تطرح قضية ارتفاع أسعار الكتب، ولكن في الحقيقة تجد أن ثمن الكتاب لا يتجاوز ثمن تذكرة السينما في معظم دور العرض التي تحقق الملايين هذا ما رد به الكاتب محمد سحيم الذي أرجع المشكلة إلى غياب الإحساس بأن القراءة تشبع احيتاجاً حقيقياً للإنسان بينما البعض يؤكد أن هجران القراءة يعود فعلاً إلى ارتفاع أسعار الكتب التي يفضل احتواؤها.
الآنسة مها سلطان تعمل في وسط الإعلام تؤكد أن هناك عاملين أساسيين للقراءة الأسرة والمدرسة، والقراءة عملية مكتسبة وليست وراثة، فحين ترى أن أسرتك تهتم بالقراءة فمن الطبيعي أن تعكف لممارسة ذاته السلوك ذاته إضافة إلى دور الأهل بفتح حلقة نقاش مستمرة مع الطفل وهذا عامل كبير يدفع الفرد للعيش مع القراءة قصة حب طويلة الأمد.
مها سلطان تؤكد أن مجتمعنا حالياً يفتقد إلى المدارس التي تهتم بتشجيع القراءة.
فالمعلم لم يعد كما في القدم فغدا همه أن يقدم درسه ويغادر قاعة الصف بينما في الماضي كان المعلم تربوياً وتعليمياً في آن معاً، إضافة إلى افتقادنا للمكتبات العامة التي توفر القراءة المجانية.
ففي أميركا مثلاً تجد مكتبة الكونغرس التي تشرع أبوابها لكل الناس، وفي كل ولاية هناك ما يسمى (مكتبة عامة) وهي توفر أهم وأروع الكتب، أما نحن في دمشق فليس لدينا إلا المكتبة الظاهرية التي أكل الدهر وشرب على كتبها، إضافة إلى موقعها في دمشق القديمة فهو يحتاج إلى دليل سياحي للوصول إليها.
أما مكتبة الأسد فرغم أننا نعتبرها إنجازاً وطينا إلا أن نظام الإعارة فيها كارثة حقيقية، فأنت تطلب الكتاب اليوم، يصلك بعد (ثلاثة أيام) هذا إن لم يكن معاراً أضف إلى أن الصحف لا تصل يومياً بل تكون من الأسبوع الماضي، ما جعل المكتبة تقتصر على طلاب الجامعات فقط الذين يستخدمونها (مكرهين) لأن لا خيار لهم لإنجاز حلقات البحث أو مشروعات التخرج، ومن ثم بات للطالب دوام إضافي غير جامعته حيث يقيم في المكتبة كي ينجز بحثه وعندما يتخرج في الجامعة ينسف من مخيلته وذاكرته سنوات طويلة من الانتظار على نوافذ المكتبة.
أما إذا تحدثنا عن الوسيلة الأقل تكلفة والأكثر توافراً سواء للطالب أم للقارئ العادي فإنه يتجه إلى ما يسمى ثقافة الأرصفة، وحتى ثقافة الأرصفة باتت تعاني من أزمات أبرزها هبوط مستوى الكتب أو المجلدات لتقتصر على موضة الأبراج- الطبخ- أو كيف تكسبين زوجك في عشرة أيام أو كيف تصيغ رسالة غرامية، حتى هذه الثقافة التي يسخر منها فئة المثقفين زادت أسعارها أسوة بغيرها، وإن وجدت بين أكوام الكتب ما يفيد يكن الورق مصفراً وبالياً (مهرهر). عبير المصري طالبة جامعية ترى أن مكتباتنا لا ترفد بروح كتابية جديدة فكل كتبها قديمة جداً وتخصصية جداً إضافة إلى مناهجنا التعليمية التي غدت تقليدية وكلاسيكية إلى أبعد حد فهي لا تعطي طلابنا أفقاً أو حتى تدفعهم للتساؤل، وهذا سبب كبير لتراجع القراءة.
الدكتور عرفان ماضي باحث في شؤون الأدب العربي والإسلامي عبّر عن خيبة أمل كبيرة من عزوف مجتمعنا عن القراءة وأوضح أن العزوف عن القراءة بات ظاهرة تستحق الاهتمام والتركيز من جهتين: من جهة أن القراءة والبحث هما طريق الأمم إلى النهضة والتقدم، وأن ضمورهما يؤدي إلى التخلف، ومعلوم أن «الأمة التي لا تقرأ تموت قبل أوانها» ومن جهة ثانية القراءة مأمور بها شرعاً، فالله عز وجل في أول خطاب وجهه إلى الإنسانية كان هو الأمر بالقراءة، وذلك في قوله تعالى: «اقرأ باسم ربك الذي خلق» وهذا واجب ومسؤولية كبيرة تقع على عاتق المجتمع والمدرسة والأسرة.
للقراءة أهمية لا تحصر فقيام الحضارات ونشوؤها قام على الاطلاع والبحث، هذا كان رأي العديد من الطلاب الجامعيين ولكنهم اختصروا الأزمة بكلمتين (الإنترنت يوفر علينا جهداً ووقتا طويلاً) فأنت في كبسة زر تصل إلى أقاصي الأرض وتحصل على المعلومة التي تبحث عنها دون عناء وجهد ودون أن تكون مضطرا لقلب عشرين كتاباً أو أن تضيع بين صفحاته، إضافة إلى أن هناك بعض مواقع الإنترنت التي توفر لك الاطلاع على أحدث وأهم الكتب الصادرة أو حتى منذ عقود.

إذا الوضع ينذر بالتدني والانحطاط، أو هو كذلك ومن ثم يرسم صورة قاتمة لكل مؤسسات المجتمع بدءاً بالأسرة ثم المدرسة والإعلام.
على حين يرى آخرون واقعاً مختلفاً أنه يتطور ويتحسن نسبياً ولكنه بحاجة إلى مزيد من الجهد.
وفي وقت بات فيه الإنسان أحوج ما يكون إلى المعرفة نظراً إلى التداخل الحضاري بين شعوب العالم في ظل العولمة التي نعيشها، نرى أن الحاصل هو عكس ذلك.
فهل الخطأ يكمن في العزوف عن القراءة كمصدر رئيس من مصادر تلقي المعلومة أم إن الخطأ هو في حصر فكرة الثقافة في قناة واحدة هي القراءة فقط وإغفال مسألة أن تطور الحياة يعني بالضرورة تطور وسائل التلقي ليشمل ما هو أبعد من القراءة؟
السؤال الذي نطرحه يدور حول ضمور الوعي الثقافي، وتدني مستوى الاتجاه إلى القراءة والانجذاب إلى الكتاب.
ونترك باب السؤال مفتوحاً:
من المسؤول عن هذا الإحجام الذي تشهده الساحة الثقافية؟
هل الوضع الاقتصادي أم سطوة الانشغال بالحياة المادية عن الحياة العقلية؟

وسام محمود

المصدر: الوطن السورية

التعليقات

يمكن التفريق بين القراءة كمصدر للمعلومة و بينها كآلية ناظمة لمجموعة من العمليات العقلية . التركيز على القرآة - أو الكتابة- على انهما مصادر معلومات فيه إغفال للجانب الأكثر اهمية و هو تعزيز مقدرات العقل على انتاج بنى أكثر فاعلية للتعاطي مع الخبرات الشخصية او الجمعية و تطوير آليات توصيلها. فالقراءة و الكتابة نظامان معقدان و الحل ليس بزيادة عدد الكتب أو نقصانها. لأنه بحسب المدرسة السلوكية فإن مرجاً من العشب الأخضر لا تعني شيئاً لذئب جائع. إن تحويل القراءة الى فعل قسري هو احد أهم المشاكل التي يعني منها حتى أبناء العائلات المتعلمة و الأكثر انفتاحاً على الأشكال الثقافية : فمثلاً نظام التعليم القائم على الحشو و الذي يتعارض في اغلب الأحيان مع المنطق الفطري للمتلقي يعمل كمثبط للطالب. إذ لا بد من تحفيز فعل القراءة من خلال انها حاجة لمعالجة مسألة ما. و هنا لا يمكن إغفال براغماتية القراءة : فمن الملاحظة البسيطة نجد أن الفتى - الصايع- ربما يقتني كتاب الرسائل التلفونية و كتاب عن قتال الشوارع.... المتدينون ميالون الى اقتناء الكتب التي تحمل عناوين دينية من قبيل الطب النبوي... بعض السسيدات و السادة ميالون الى شراء كتب عن الحمية... و رغم ان هذه لا تعد قراءة- بالمعنى الشامل للكلمة من حيث هي ممارسة أبعد من الحاجة- إلا انه لا يمكن إغفال الاحباط على انه عامل معطل لمعظم الأفعال الايجابية و منها القراءة : فمثلاً كلنا على وعي بأن القراءة ازدهرت زمن انتشار الأيدلوجيات السياسية و السبب وجودي بحت. فالشعور بالمعنى و الهدف و الطريق كلها تعزز تفاؤلاً يفتح المجال لأفعال بناءة. و هكذا فإن تكريس الإحباط يؤدي الى احسار الأفعال الايجابية . و يمكن تأكيد هذا من خلال ملاحظة تنشط القراءة الدينية مع صعود نجم أسامة بن لادن. و ازدياد الطلب على كتب الذكاء الاجتماعي و إدارة الطاقات و كيف تنجح في بناء حياة مهنية .. مع صعود الأشكال الاقتصادية الجديدة و وعود الحكومات العربية بانفراجات- سوريا مثلاً- لا يمكن البحث عن اجوبة دون التطرق الى السلوك المهيمن أو الذي يطبع مجموعة بشرية ما : فنحن أميل الى - الخلاصة- نحن أميل الى النتيجة و لا نتسلى بالطريق و في هذا نفسه حرق للغة كبنية و تكريس لها كحامل للمعنى. هذا الكلام نفسه يخضع للأخذ و الرد و التأمل و لكن الغاية منه القول ان البحث هو قطعاً ليس بعدد المطبوعات و ليس بإنشاء مكتبة عامة على غرار الموجود. بل بإعادة البحث في السلوك . نفس المشكلة تقع عندما يتم الحديث عن ازمة السينما السورية. إذ يعتقد انها ازمة صالة او أزمة فيلم. لايمكن غغفال حقيقة بسيطة و هي ان آليات إنتاج السياسة العربية قاطبة تقوم على تفكيك العقل العربي و هذا يتم بطريقة منهجية و قد أتت ثمارها. و يجب ان نعرف ان المنطق سيقود الى تكسير الخطاب السياسي اللامنطقي. و لهذا من الصعب الأمل بنهضة فكرية حقيقية. ربما نعيش حالة ثقافة مخصية أي معررفة بدون جدوى او أدوات. معرفة نزين بها الصحف و شاشات التلفاز و المؤتمرات بما يسمح بتسيير اعمال المجتمع الاستهلاكي المعاصر.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...