لبنان: وقائع اللقاء الرباعي وأسباب تعثره

26-02-2008

لبنان: وقائع اللقاء الرباعي وأسباب تعثره

مدّدت المبادرة العربية لنفسها بتركها أبواب الحوار مفتوحة ولو على مواعيد رباعية غير محددة، ومدّد «فخامة الفراغ» لنفسه في القصر الجمهوري، للشهر الرابع على التوالي، وبقيت الأزمة السياسية اللبنانية قائمة في الشارع والخطاب السياسي وكل مفاصل الوضع اللبناني، وبقي السؤال المطروح ما هي قدرة الأطراف الداخلية على إبقاء الأزمة في حدودها السياسية وتفادي التوترات في الشارع، كما حصل مؤخراً في العاصمة وغير منطقة في لبنان؟
واذا كان من الصعب تقديم جواب محدد، فان الأمانة العامة للجامعة العربية تمنت على جميع الأطراف الداخلية الحفاظ على التهدئة وعدم اللجوء الى أية خطوات تصعيدية بما في ذلك ضبط الانفلات الإعلامي وبعض الخطاب الذي يخرج عن حدود اللياقات السياسية، ولقي نداؤها استجابة من الموالاة بلسان النائب سعد الحريري ومن المعارضة بلسان العماد ميشال عون، حيث قدما تعهدات شفهية في هذا الإطار.
وسجلت، ليل أمس، مكالمة هاتفية هي الأولى من نوعها منذ أحداث بيروت الأخيرة بين رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري بمبادرة من الأول، وغلب عليها الطابع الاجتماعي، فضلاً عن الاتفاق على تأجيل جلسة مجلس النواب اليوم.
وعلى غير عادة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، فإنه لم يحدد هذه المرة موعداً للاجتماع الرباعي، لا قبل موعد جلسة مجلس النواب الجديدة لانتخاب رئيس للجمهورية في الحادي عشر من آذار المقبل، ولا بعدها، فيما أظهر كلامه في عين التينة والسرايا الكبيرة، أنه سيركز على البعد العربي للأزمة الداخلية في الأسابيع المقبلة الفاصلة، وذلك من أجل إنقاذ مؤسسة القمة العربية ومعها ما بقي من تضامن عربي، خاصة أن الموضوع اللبناني فاقم التداعيات العربية العربية.
وأجرى موسى قبيل مغادرته بيروت ليلاً جولة مباحثات مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة واتصل هاتفياً بالرئيس بري وقال له «أنا انتظر اتصالك، واذا وجدت الظروف مؤاتية سأعود الى بيروت فوراً».
ورد بري بالقول إن التوافق ليس مستحيلاً، وتمنى على موسى أن يستمر في مسعاه، وأن يعمل على الخطين العربي واللبناني في آن معاَ، وتعهد له بأن يعمل من أجل بلوغ الحل المنشود.
ولم تستبعد مصادر لبنانية واسعة الاطلاع أن تتقدم أطراف عربية جديدة، من أجل محاولة إيجاد مخارج للوضع اللبناني، وقالت «علينا مراقبة بعض الاتصالات والتحركات التي بدأت في العواصم العربية الأساسية وليس ما يجري في لبنان وأولها الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي، يوم الأحد المقبل، ثم الاجتماع الوزاري العربي المقرر في القاهرة يومي 5 و6 آذار».
وكان الاجتماع الرباعي قد انعقد، بعد ظهر أمس، في جلسة هي الرابعة من نوعها في مجلس النواب، وذلك استكمالاً للجولة الثالثة التي امتدت أربع ساعات ليل الأحد الاثنين الماضي.
وأظهرت وقائع المناقشات التي جرت على مدى أكثر من سبع ساعات في جلستي الأحد والاثنين، أن نقاط التوافق السابقة بدأت تتحول الى نقاط تباعد، وهو الأمر الذي أوحى بوجود قرار خارجي بعدم نضوج أوان التسوية الداخلية في لبنان.
وقد لخصت مصادر الموالاة والمعارضة أبرز ما جرى في الساعات السبع، وذلك استناداً الى العناوين المطروحة كالآتي:
أولاً: انتخاب رئيس الجمهورية، بقي موضوع انتخاب قائد الجيش اللبناني العماد ميشال سليمان نقطة مركزية محسومة من الجانبين، ولكن في ظل اصرار المعارضة على السلة المتكاملة، فيما طرحت الأكثرية عناوين لم تطرحها سابقاً وأبرزها التحفظ على ما ورد في المسودة التي قدمتها الجامعة العربية للفريقين حول انتخاب قائد الجيش سريعاً، ومن دون اية تعقيدات دستورية (أي من دون حاجة للتعديل الدستوري).
وقد انبرى الرئيس أمين الجميل للرد على عمرو موسى بالقول له «ميشال سليمان ماشي، ولكن من خلال تعديل المادة 49 ونحن لن نقبل بتجاوز الدستور». وعندها رد عون قائلاً أنتم تتحدثون عن احترام الدستور. كيف ذلك وترشيح قائد الجيش هو في الأصل مخالفة للدستور؟».
وكان لافتاً للانتباه اللغة التي استخدمها الرئيس الجميل في معرض الرد على عون في موضوع الثلث الضامن، حيث قال له «ميشال سليمان مرشحكم كمعارضة لرئاسة الجمهورية، وبري يتحكم بمجلس النواب، وتريدون أيضاً أن تأخذوا الحكومة». ورد عون عليه بالقول «ميشال سليمان مرشح التوافق للموالاة والمعارضة، وليس مرشح فئة محددة».
ثانياً: في موضوع تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، قدمت الجامعة العربية اقتراحين من ضمن المسودة التي كان وضعها فريق الجامعة العربية، الذي أجرى مشاورات تمهيدية في بيروت، يقضي الأول باعتماد صيغة 13+7+,10 على أن تقدم الموالاة ثلاثة أسماء محايدة يقبل رئيس الجمهورية أحدها من ضمن حصته، وكذلك تفعل الموالاة، وقد رفض الحريري والجميل هذه الصيغة، واعتبرها أقرب الى صيغة المعارضة التي طرحها عون (11+14+5) وأنها عبارة عن تحايل للوصول الى الثلث المعطل المرفوض بشكل قاطع.
وقدمت الجامعة العربية اقتراحاً ثانياً، يقضي باعتماد العشرات الثلاث، وقد سارع الجميل والحريري الى رفضه وأعلنا أن تفسيرهم للمبادرة العربية يعني تشكيل حكومة على أساس 13+7+10 كما أعلن موسى نفسه بعد إعلان المبادرة العربية.
وقد اضطر موسى للتدخل والقول إن المبادرة العربية لم تحدد أرقاماً، بل قالت بتشكيل حكومة لا يكون فيها للمعارضة حق التعطيل ولا للأكثرية حق الاستئثار، تاركاً للمتحاورين أن يتوافقوا على صيغة محددة.
وقالت أوساط في المعارضة إن عون «فاجأ الحاضرين باقتراح صيغة جديدة تتجاوز الضمانات التي طرحتها المعارضة سابقاً، حيث قال للحريري «أنا موافق على حكومة الثلاث عشرات، بلا كل الضمانات. فقط أريد ضمانة رئيس الجمهورية بأن يكون ضنيناً بالتوافق على القضايا السياسية الأساسية المنصوص عليها في الدستور مثل قانون الانتخاب وتعيينات الفئة الأولى الخ... وذلك ضمن المرحلة الانتقالية الممتدة من الآن وحتى الانتخابات النيابية، وإذا أردتم سموا أنتم الوزراء العشرة لرئيس الجمهورية ودعونا نكتفِ بأن تكون الضمانة عند رئيس الجمهورية». ورد الحريري والجميل بـ«رفض تقييد وإلزام رئيس الجمهورية بأمور من خارج روح الدستور»!
ونفت أوساط في الأكثرية أن يكون ذلك قد حصل، وقالت إن العماد عون «ظل مصراً طيلة الاجتماعين على التعطيل تارة بالإصرار على الثلث المعطل في الحكومة، وطوراً بالمثالثة مع ضمانات مؤداها أن الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية لا يصوتون في الأمور الاساسية. وأصر عون على فكرة التعطيل نفسها بإخراج مختلف مشترطاً في حال تم التوافق على 10ـ10 ـ10 ان يضاف وزير يختاره رئيس الجمهورية من ثلاثة اسماء يسميها عون».
وفي موضوع 13+7+,10 قالت الأوساط نفسها ان موسى طرح هذه الصيغة بنسخة منقحة (أن تسمي المعارضة ثلاثة وزراء يختار أحدهم رئيس الجمهورية من حصته وكذلك تفعل الموالاة)، ولكن عون أصر على أن تسمي المعارضة الوزير الحادي عشر «بشكل صاف ومن دون أي التباس»، وهو الأمر الذي نفته أوساط المعارضة.
وقالت مصادر أن أحد أعضاء فريق الجامعة العربية تدخل خلال المناقشات وسأل المشاركين «لماذا لا نكسر قواعد الأرقام، وما رأيكم مثلاً بحكومة مصغرة»؟ وسارع الحريري للرد عليه بالقول إن هذه الفكرة غير صائبة «وبالكاد حكومة الثلاثين تحل المشكلة، فكيف اذا كانت مصغرة؟».
ثالثاً: موضوع قانون الانتخاب، كان النقطة المركزية التي ربما تشكل جوهر الخلاف الذي يتلطى تارة تحت موضوع تعديل الدستور أو عدمه وطوراً تحت موضوع الأرقام الحكومية، وهو الأمر الذي أثبتته مجريات الجلسات الأربع حتى الآن، حتى أن الرئيس نبيه بري قال، حسب أوساطه، «هنا جوهر الأمر، وما خلا ذلك قشور وينطبق عليهم المثل الشعبي «الدب بيغني ألف موال وموالو بالنجاص» وهم (الأكثرية) موالهم بالقانون الانتخابي، والقصة مكشوفة».
فقد توافقت الأكثرية والمعارضة على صيغة القضاء دائرة انتخابية، ولكن تم الخلاف على النص الواجب اعتماد حيال قانون العام ,1960 حيث أصرت المعارضة بلسان العماد عون على نص يقول باعتماد تقسيمات الستين نفسها، ولكن الموالاة، قالت بوجوب اعتماد روحية قانون الستين كأساس لترسيم الدوائر الانتخابية على اساس القضاء، وتقدمت الجامعة العربية بمشروع يقول باعتماد القضاء بناء على قانون الستين، ولكن العماد عون أصر على اعتماد التقسيمات نفسها.
ولوحظ أن الجميل كان يتولى دائما الأخذ والرد في موضوع القانون الانتخابي، وسأل هل تبقى بعلبك والهرمل دائرة واحدة، وكذلك الأمر بالنسبة الى مرجعيون وحاصبيا، وأيضا البقاع الغربي وراشيا؟ وجدد القول ان تقسيمات العام 1960 عفى عليها الزمن ولا بد من اعتماد تقسيمات جديدة.
وأصر عون على موقفه، وقال مركزاً على موضوع بيروت الذي تفادت الموالاة الحديث عنه علناً «يا أخي أنا بدي آكل فطاير في بيروت على اساس قانون الستين ولا اريد جعل بيروت سندويشاً تؤكل فيها مرة واحدة حقوق الطائفة المسيحية، كما حصل في كل القوانين منذ الـ92 حتى الآن. أنا لا أطالب بحقوق اضافية للمسيحيين بل برفع الحيف وتأمين المشاركة لا أكثر ولا أقل».
ورد الجميل بأنه يرفض المزايدة في الموضوع المسيحي وأنه يحرص أيضاً على الصوت المسيحي وأن والده المرحوم بيار الجميل كان يرشح نفسه في بيروت وينال أعلى الأصوات، ولكنه ألمح الى ما حصل مؤخراً في المتن الشمالي (الصوت الأرمني)!
رابعاً: في موضوع البيان الوزاري، استحوذت هذه النقطة على معظم نقاشات جلسة الأحد على مدى أربع ساعات تقريبا، حيث انطلق الجميع من مسودة كان أعدها السفير هشام يوسف في ضوء الاجتماعات التحضيرية التي عقدها مع ممثلي المعارضة والموالاة، وكانت تنطلق من روحية البيان الوزاري العربي الأخير لجهة الحفاظ على روحية البيان الوزاري الحالي (حق المقاومة) واحترام القرارات الدولية ومقررات مؤتمر الحوار، ولكن المفاجأة تمثلت في مبادرة الرئيس الجميل الى طلب تضمين البيان الوزاري نصا صريحا يقول بالتزام تطبيق القرارات الدولية بدلاً من احترام القرارات الدولية.
وقالت أوساط الأكثرية إن الفكرة كانت تهدف الى ضمان تطبيق كل القرارات بدءاً بالقرار 194 (حق العودة) الى القرار 1701 مرورا بالقرارات 425 و242 و1559 و1505 وصولا الى القرار .1701
وأضافت أن مسودة الجامعة العربية التي وزعت على المشاركين تضمنت نصاً من هذا النوع، وقد لقي رفضا من جانب العماد عون بحجة أنه يستهدف سلاح «حزب الله»، ولكن النائب سعد الحريري تدخل، وقال اننا نستطيع أن نضيف نصا يقول باستثناء سلاح «حزب الله» الذي يجب أن يستثنى، وأن يخضع للحوار الداخلي باعتباره سلاحاً لبنانياً.
وعلم أن عمرو موسى تدخل في هذه الأثناء، وقال مخاطبا الحريري «هذا قرار دولي، ولا يمكنك أن تستثني أو لا تستثني. يمكنك أن تقبل أو ترفض، وعندها تقرر أن لا يذكر نهائيا».
وقالت أوساط في المعارضة إن المعارضة اللبنانية احتجت لدى عمرو موسى على بعض الصياغات غير الدقيقة من جانب بعض فريق الأمانة العامة، وخاصة عندما تم تضمين المسودة الأخيرة نصا يقول بأن تكون العناصر المتوافق عليها في الحكومة الحالية تشكل المنطلق للتوجهات السياسية لحكومة الوحدة الوطنية، بالإضافة الى تطبيق مقررات مؤتمر الحوار وتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة.
كما احتجت المعارضة على حذف بنود أخرى من المسودة ومنها موضوع المناصفة في وظائف الفئة الأولى، علما أن السفير هشام يوسف قال ان هذه المسألة منصوص عليها في الدستور ولا حاجة لذكرها في النص.
وفي موضوع البيان الوزاري، أصرت الأكثرية على تضمين البيان الوزاري نصا صريحا حول موضوع المحكمة الدولية (بدلاً من الاكتفاء بمقررات الحوار الوطني)، كما طلبت إضافة نص صريح حول موضوع «باريس3» وضرورة ضبط الحدود، فيما ركزت المعارضة على موضوع عودة المهجرين، وهو الأمر الذي استفز الرئيس الجميل الذي قال إنه لا يجوز أن نلزم الدولة بينما هي تدفع من اللحم الحي، ورد عون بأنه لا يجوز أن يستمر الملف مفتوحاً 25 سنة وندفع مليارات الدولارات ولا تعود الا نسبة ضئيلة من المهجرين، وقال الجميل «يعني تريدنا أن نفتح ملف «وادي الذهب»، ورد عون «لا مانع عندي أبداً».
وفي موضوع المجلس الدستوري، أصرّ العماد عون باسم المعارضة على تضمين البيان الوزاري نصا واضحا حول تشكيل المجلس خلال مهلة ثلاثة أشهر، ولكن الجميل رفض الالتزام بموعد محدد معتبراً الأمر تفصيلياً جداً.
وفي موضوع الحقائب السيادية والأساسية واعتماد المناصفة في الوظائف، استعاد العماد عون تجربة الحوار الذي جرى بينه وبين النائب سعد الحريري عشية تشكيل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وكيف أصرت الموالاة على استلام حقيبة الداخلية بحجة التحقيق الدولي وقبلوا إسناد العدلية لوزير مقرب من رئيس الجمهورية بدلاً من إسنادها الينا وقتذاك، وقال «الآن لن نتساهل ونريد إما الداخلية وإما المالية».
وعندما احتج الجميل على موضوع الداخلية، قال عون «لقد حصلت 28 جريمة اغتيال وتفجيراً. هل نكافئكم اذا فشلتم؟ على الأقل اخجلوا واعترفوا بالعجز وسلمونا المسؤولية ونحن نتعهد بأن نعمل من أجل حماية اللبنانيين؟».
وعندما عرض موسى اطلاع اللبنانيين على مناقشات جلسات الحوار الرباعي، قالت أوساط في المعارضة إن الجميل رفض ذلك، وقال «يمكن أن يستغل الأمر لتصويرنا ضد التسوية والشراكة». ولكن أوساط الأكثرية نفت ذلك وقالت إن عون «يحاول تصوير نفسه بطلاً بينما هو يعرف أن هناك خطوطاً حمراء كان ممنوعاً عليه أن يتجاوزها مثل الثلث المعطل في الحكومة والبيان الوزاري، ولذلك ركز جهده على قضايا غير أساسية مثل المهجرين والمجلس الدستوري وقانون الانتخاب».
يذكر أن العماد عون سيطل مساء يوم الخميس المقبل عبر برنامج «كلام الناس» من الـLBC حيث سيتطرق إلى مجريات الاجتماعات الأخيرة، فيما يطل الرئيس نبيه بري مساء يوم الجمعة عبر شاشة الـanb حيث سيركز على موضوع المناقشات المتصلة بموضوع البيان الوزاري، وتحديداً سلاح المقاومة.

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...