ضجة في تونس حول «أنطولوجيا الشعر التونسي»

30-10-2007

ضجة في تونس حول «أنطولوجيا الشعر التونسي»

يبدو أن قدر الأنطولوجيات العربية أن تخلّف وراءها دائما الكثير من الغبار، ويبدو أن على معدّ الأنطولوجيا في عالمنا العربي أن يستعد فور صدور عمله إلى الدفاع عنه، ذلك أنه يتحول عادة من باحث إلى متّهم. مردّ هذا الحديث ومنبعه صدور أنطولوجيا للشعر التونسي عن وزارة الثقافة الجزائرية في إطار الاحتفال بالجزائر عاصمة للثقافة العربية، أعدّ هذا العمل الباحث والناشط الثقافي التونسي فوزي الديماسي تحت عنوان "أريج قرطاج"، غير أن هذا الأريج لم يكن مقنعا للكثيرين. هذا على الأقل ما توصلت إليه من خلالي حواراتي مع عدد من المثقفين التونسيين ومع فوزي الديماسي أيضا. تقول الشاعرة لمياء المقدم المقيمة في لاهاي: "احترز من تسميتها أنطولوجيا، وأعتقد أن ما يجب أن يطلق على هذا العمل هو "مختارات من الشعر التونسي"، عمل ناقص ومربك وتطغى عليه سمة عدم الإطلاع الكافي على المساحة الشعرية التونسية"، وترى لمياء المقدم أن هناك أسماء لا تكتب الشعر ضمّتها الأنطولوجيا وهناك أسماء فاعلة لم تضمها، واستغربت ألا ترد أسماء من قبيل خالد النجار وباسط بن حسين ويوسف خديم الله ضمن من ضمّتهم هذه الأنطولوجيا: "أعتقد أن معدّها غير مطّلع بشكل جيد على الحياة الشعرية التونسية".
الكاتب التونسي كمال العيادي، المحرر الثقافي لموقع "دروب" الإلكتروني الذي تحول خلال الأيام الأخيرة إلى مساحة من المشادات الكلامية وتبادل الشتائم أيضا بسبب هذه الأنطولوجيا، يقول رأيه صارما وصريحاً: "شخصيا، لا أجد تعريفا مناسبا لهذه الإنطولوجيا المزعومة إلا بتعديل حروف المصطلح إلى الإقصيولوجيا الديماسيّة، على وزن المقامة الدّيماسية، ولا يمكنني أن أتعامل بجدية مع هذا العمل، وإلا فما معنى أن يغيّب فيها عمدا وتبجّحا شاعر كبير مثل المنصف المزغني، وهو في رأيي أهمّ شاعر تونسي معروف عربيّا، بل هو اوّل شاعر جماهيري حقيقي بعد الشابي الغني عن التعريف؟ وما معنى تغييب الشاعر وليد الزريبي، أفقط لأنه ليس شاعرا خطيّا ولا ينتمي الى التكتلات الجهوية الضيقة؟". كما يستنكر كمال العيادي تغييب الشاعرة لمياء بلحاج والشاعرة سندس بكار والحبيب الهمامي وحاتم النقاطي ويوسف خديم الله والهادي الدبابي وفتحي النصري وخالد النجار ونجاة العدواني وشمس الدين العوني وسمير العبدلي وظافر ناجي والشاذلي القرواشي ولزهر النفطي ومحمد أحمد القابسي ونور الدين عزيزة وجعفر ماجد ومحيي الدين خريف ونور الدين صمود، والراحلين رضا الجلالي ومنور صمادح ومحمد البقلوطي وغيرهم.
نائب رئيس اتحاد كتاب تونس الروائي ابراهيم درغوثي يرى أن الخوف مما تخلفه الأنطولوجيات من أجواء مشحونة هو ما حال دون إعداد مشاريع مماثلة سابقا مثل تراجع "بيت الحكمة" في تونس عن مشروع ترجمات للأدب التونسي بلغات عدة منها الفرنسية والانكليزية والاسبانية وغيرها، ويشير درغوثي إلى أن مختارات القصة القصيرة التونسية التي أعدها اتحاد كتاب العرب لاقت هجوما من طرف الكثيرين مؤكدا أن إرضاء الجميع غاية لا تدرك.
يقول الإعلامي التونسي صالح سويسي: "يبدو لي أن المسألة كلها مفتعلة، ذلك أن ما قام به الديماسي يمكن أن يكون في أسوأ الحالات لبنة في أنطولوجيا تونسية ضخمة تجمع كل الأسماء من دون نقصان. يرى الديماسي أن الأسماء التي اختارها لكتابه تمثّل أغلب التجارب الشعرية في تونس، وهذا حقه، ولا يمكن إلا أن نشكره على الجهود التي قدمها والتعب الذي تكبده كي يخرج هذا الكتاب للنور". حين تسأله عن الاحتجاجات التي تعرضت للعمل وتابعناها في عدد من الجرائد التونسية والعربية يجيب: "بالنسبة الى الذين احتجوا وأقاموا الدنيا فبعضهم أحترم فيه غيرته على الراهن الشعري التونسي ورغبته أن تكون اغلب الأسماء موجودة في هذا الكتاب - المشروع، أما الآخرون الذين كشفوا عن نياتهم فليسوا سوى نشاز. فمنهم من يبحث عن حضور إعلامي بأي شكل من الأشكال ولو بالاختلاف المضحك".
من جهته، يقول معدّ الأنطولوجيا فوزي الديماسي إن كلّ عمل إنساني مجبول على النقصان، والإجتهاد نوعان، إجتهاد فاشل وآخر ناجح: "لقد ضبطت لنفسي منهجية تمّ على ضوئها إختيار الملامح العامة للمشهد الشعري التونسي ولم أدّع قطّ أني اتيت على المشهد كلّه بل تخيّرت التجارب الناضجة الدالة والمشهود لها برسوخها في الشعر، وقد جرّت لي الانطولوجيا سبّا وشتما كثيرا من هنا وهناك، إلا أننا تعوّدنا هذا كلما ظهرت للوجود أنطولوجيا على امتداد العالم العربي"، مؤكداً أنه يستحضر مراراً قولة توفيق الحكيم "ليس المهم أن نفلح، ولكن الأهم أن نكدح".
يربط الشاعر العراقي شاكر لعيبي المقيم في تونس سياق هذه الأنطولوجيا بعمل آخر أصدرته وزارة الثقافة الجزائرية أيضا، هي الأنطولوجيا التي أعدتها منال الشيخ عن الشعر العراقي وبدت له ناقصة جدا، معتبراً هذا النوع من العمل "يؤسس لجزر شعرية وهمية وافتراضية من الناحية الجغرافية، جغرافيا متوهَّمة كما كان يقول أدوارد سعيد". ويعود لعيبي إلى تاريخ الأنطولوجيات العربية مذكّرا بأن من قام بأول انطولوجيتين في الألمانية والفرنسية، كانا عراقيين، وأسسا لفكرة الاختيار والاستبعاد: "المناقشة الجارية عن الانطولوجيا التي أصدرها فوزي الديماسي كشف أن بعض إخواني الشعراء التونسيين يشتغلون في مربع ثقافي صغير يمتد بين "باب فرنسا" و"ساحة الساعة" ولا يسمحون لعربي بالتدخل في الشأن الشعري التونسي"، ويختم هذا الشاعر العراقي الذي يتابع الشأن الثقافي في تونس: "هذه الانطولوجيات مفسدة للشعر والعباد، لأنها توزع أدوارا وتعطي أمكنة متوهمة في الغالب، وخصوصا أن الفساد معمَّم في العالم العربي على كل صعيد، فلماذا يجب أن يفلت الحقل الأدبي؟".
تضم الأنطولوجيا 26 اسما: آدم فتحي، آمال موسى، حافظ محفوظ، حياة الرايس، جمال الصليعي، جميلة الماجري، عادل المعيزي، عبد الدايم السلامي، عبد الفتاح بن حمودة، عبد الله مالك القاسمي، عبد الوهاب الملوح، فتحي النصري، فضيلة الشابي، كمال بوعجيلة، مجدي بن عيسى، محجوب العياري، محمد الخالدي، محمد الصغير أولاد أحمد، محمد علي الهاني، محمد علي اليوسفي، محمد الغزي، محمد الهادي الجزيري، منصف الوهايبي، مولدي فروج، يوسف رزوقة.
الواضح أن "أريج قرطاج" لم يسع الأفق الشعري التونسي برمته، وهذا هو السبب الرئيسي وراء غضب الشاعرات والشعراء الذين وجدوا أنفسهم خارج الأنطولوجيا، بعيدا عن الأريج. إلا ان فوزي الديماسي يعتبر عمله خطوة مهمة نحو التعريف بالأدب التونسي، وما على الآخرين إلا أن يمارسوا خطوا شبيها بدل الوقوف، دون مراوحة المكان نفسه: "فليسبّ من يسبّ وليشتم من يشتم ولكن الأفضل من ذلك كلّه إشعال شمعة عوض أن نسبّ الظلام ونكمل ما بدأه الآخرون".

 

عبد الرحيم الخصار

المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...