زلزال واحد يغيّر معادلة الرعب

04-08-2006

زلزال واحد يغيّر معادلة الرعب

اقتربت صواريخ حزب الله، أمس، مسافة أخرى من تل أبيب بسقوطها في مدينة الخضيرة في منتصف الطريق الساحلي بين حيفا وتل أبيب. وكانت هذه الصواريخ الثلاثة جزءا من أكثر من مئتي صاروخ أطلقتها المقاومة اللبنانية على المستوطنات والبلدات الإسرائيلية في اليوم الرابع والعشرين للحرب.
وسقطت الصواريخ في ذروة حملة برية إسرائيلية تكبد فيها جيش الإحتلال المزيد من القتلى والجرحى في محاولته السيطرة على حزام أمني ضيق على طول الحدود. وتتسابق العمليات العسكرية الإسرائيلية مع الجهود التي تبذل في مجلس الأمن الدولي للاتفاق على صيغة لإيقاف القتال على مرحلة واحدة أو على مرحلتين.
وبدا أمس جليا أن الهدف المتواضع الذي أعلن عنه الجيش الإسرائيلي والمتمثل بالسيطرة حتى مساء أمس، على شريط بعرض ستة كيلومترات، لم يتحقق. وبرغم ادعاءات وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيرتس الذي أبلغ وسائل الإعلام أنه أصدر تعليماته للجيش بالاستعداد للوصول إلى الليطاني، فإن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية أكد عدم وجود قرار مماثل وأن خطة كهذه لم تعرض للمصادقة.
ورأى معلقون إسرائيليون أن الخلافات حول توسيع العملية البرية ليست حكرا على المستوى السياسي، بل أنها في الأصل موضع خلاف داخل الجيش نفسه.
وأشار هؤلاء إلى أنه من خلال محادثاتهم مع الوزراء، ليست هناك غالبية تؤيد توسيع الحملة وأن إيهود أولمرت نفسه لا يزال يرفض التوسيع. وتحدث مراسلون إسرائيليون عن أن ما أصاب الحلبة السياسية الإسرائيلية في هذه الحرب هو عارض المقامرة. فالحكومة الإسرائيلية انطلقت في هذه الحرب بإيمان أن بوسع الضربة الجوية أن تكون ساحقة وتوفر لإسرائيل إنجازات سياسية تغير وجه الشرق الأوسط. وكانت مقامرة بدا أنها من أجل النجاح تحتاج إلى المقامرة بمبلغ أكبر. وهكذا اندفع رئيس الأركان دان حلوتس الذي أعلن في اليوم السادس للحرب أنه لن يوافق البتة على دخول بَري، لتأييد مثل هذا الدخول. وكذلك قامر أولمرت وبيرتس بتجنيد ثلاث فرق احتياط وهي الآن تشارك في العمليات مما يستدعي تجنيد فرق أخرى احترازيا.
والأهم أن حكومة أولمرت التي بدأت الحرب بـ عملية عسكرية، سرعان ما نقلتها إلى حرب مفتوحة بضربها بيروت والبنى التحتية في إطار مقامرة. وهي تراهن الآن على أن كيلومترين من الأراضي كمنطقة عازلة لا يكفيان فاندفعت نحو السعي لاحتلال ثمانية كيلومترات على طريق احتلال المنطقة الواقعة جنوب الليطاني. وثمة بين الوزراء من يعتقد أنه لن يكون غريبا أن يصحو ذات يوم في أيلول المقبل ليجد من يطالب الحكومة بالمصادقة على اقتحام بيروت.
ويؤمن كثيرون بأن الحكومة والجيش خاضا حربا لم يكونا على استعداد كامل لها، وأن كل الخطوات باتت تتقرر وفق قاعدة الفعل ورد الفعل. ويشير هؤلاء إلى أن عدد الإصابات في صفوف المدنيين والجيش ومقدار نجاح حزب الله في الصمود، هي التي صارت تحكم سلوكيات وأوامر القيادة وبالتالي الخطة الميدانية.
وربما لهذا السبب يجري خلاف من نوع آخر داخل الحكومة الإسرائيلية وبين هذه الحكومة والإدارة الأميركية، حول الموعد الأنسب لإعلان وقف الأعمال العدائية أو وقف النار. وكان ضابط كبير قد صرح بأن أحد أشد أعدائنا هو عدم وجود قيود زمنية على الجيش، مشيرا إلى أن انعدام هذه القيود جعل الآخرين يتوقعون الكثير من الجيش. وفي كل الأحوال فإن الجيش الإسرائيلي، وبرغم الأحاديث عن وقف النار، يتعامل على أساس أن لديه وقتا حتى يوم الأربعاء المقبل.
وتشير المعطيات الإسرائيلية إلى أن الجهود الأميركية الفرنسية تبذل الآن من أجل التوافق على عدد من المعطيات قبل الاتفاق نهائيا على صيغة وقف الأعمال العدائية كمقدمة لوقف النار، وأن الإدارة الأميركية مضطرة لإرسال مبعوثين إلى كل من تل أبيب وبيروت لدفع الطرفين للموافقة على صيغة التسوية. ويقود نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد الخط الذي أعاق حتى الآن مساعي وقف النار. فهما من يحثان إسرائيل على توسيع المعركة وإلحاق الهزيمة بـ محور الشر في لبنان.
وخففت الولايات المتحدة وإسرائيل من مطالبهما من القوة الدولية، بحيث باتت الصيغة تنحصر في إرسال قوة تدخل سريع فرنسية للعمل مع القوات الدولية القائمة. وتقوم هذه القوات بالسيطرة على المواقع التي تتسلمها من الجيش الإسرائيلي والتي ستشكل منطقة عازلة. وفقط بعد ذلك يبحث في ضم قوات من دول أخرى وتغيير اسم وهيكلية قوات اليونفيل.
وأشارت المصادر الإسرائيلية إلى أن الاتفاق الذي يحلم به أولمرت هو اتفاق مؤقت لوقف الأعمال العدائية، مما يحصر الصراع في العمليات البرية التي تقوم بها إسرائيل لتحسين سيطرتها على الشريط الأمني. وتتوقف الغارات الإسرائيلية كما تتوقف عمليات إطلاق الصواريخ من جانب حزب الله. ويتيح ذلك لإسرائيل الإعلان عن أنها غيرت الواقع القائم بانتظار ترسيم ذلك بانتشار القوة الدولية وإبعاد حزب الله.
أعلنت إسرائيل أمس، عن سقوط أكثر من مئتي صاروخ على المستوطنات والبلدات الإسرائيلية، مما أوقع ثلاثة قتلى من بلدتين عربيتين، المغار ومجد الكروم. كما سقط ثلاثة جنود من لواء غولاني في قرية مركبا.
ومع سقوط أول صواريخ المقاومة في الخضيرة، دب الذعر في هرتسليا التي تقف على بوابات تل أبيب الشمالية. واستقبلت مراكز الاتصال في الشرطة والدفاع المدني الإسرائيلي العشرات من المكالمات من محيط هرتسليا والتي تفيد بسماع دوي سقوط الصواريخ هناك. وأطلقت صفارات الإنذار في العديد من المدن، مثل بنيامينا، زخرون يعقوب، برديس حنا التي تعرف بـ منطقة دان والتي تعتبر المركز السكاني الأهم في إسرائيل.
وهذه هي المرة الأولى التي تتعدى فيها الصواريخ مرحلة ما بعد حيفا لتصل إلى ضواحي تل أبيب، بعدما كانت قد وصلت قبل ذلك إلى مجدال هعيمق. وأثار سقوط الصواريخ في الخضيرة رعبا من نوع آخر، يتمثل في احتواء المدينة على عدد من المواقع الاستراتيجية مثل محطة توليد الطاقة المسماة أضواء رابين.
ودعا رئيس بلدية الخضيرة، التي تقع في منتصف الطريق الساحلي بين حيفا وتل أبيب، سكان المدينة للاستجابة للتعليمات. وقال إننا في حرب ويجب علينا مواجهة ذلك وأنا باسم السكان أشد على يد الحكومة.
وكان رئيس أركان قيادة الجبهة الشمالية العميد شوكي شحرور قد أشار إلى استئناف الغارات على مشارف بيروت على الأحياء الشيعية فضلا عن مواصلة استهداف مواقع البنى التحتية في البقاع اللبناني وعلى الجسور غربي بيروت وشرقها. كما أننا استهدفنا محاور الطرق المؤدية من سوريا إلى لبنان، والمحاور التي تحاول إيران وسوريا استخدامها لنقل التعزيزات ووسائل القتال لحزب الله. ومع ذلك شدد على أنه لا مصلحة لإسرائيل في الصدام مع سوريا. كما أننا لا نضرب العتاد والوسائل القتالية على أراضيها، برغم أننا في الغالب نعلم من أين تأتي.
وعاد شحرور لتكرار أقوال تفيد بأن الجيش الإسرائيلي أفلح في ضرب حوالى ثلث قدرة حزب الله الصاروخية من عيار 122 ملمترا.

وقال أن لدى حزب الله آلافا من هذه الصواريخ ولم تتم بعد إحباط قدرته على إطلاقها مضيفا أن لدى حزب الله أكثر من 14 ألف صاروخ في أرجاء مختلفة من لبنان. قسم منها في الملاجئ أو في مخازن تحت الأرض. وهذا هو سبب رؤيتنا لعشرات الخلايا تنطلق وتنصب الصواريخ وتطلقها ثم تختفي.
واعتبرت أوساط إسرائيلية استهداف الخضيرة بأنها المفاجأة الرابعة لنصر الله، بعد مفاجآت استهداف البارجة حانيت ومدينتي حيفا والعفولة. وأصدرت قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية تعليمات لسكان مدن مثل قيساريا وزخرون يعقوب وبرديس حنا، حول سبل التصرف عند سقوط صواريخ. واعتبرت أنه تسري عليهم تعليمات المناطق الواقعة جنوبي حيفا. وتتيح صفارة الإنذار للجمهور الإسرائيلي دقيقة واحدة فقط للاحتماء من الصاروخ. وبحسب التعليمات، ينبغي للمرء أن يحتاط مسبقا وأن يعرف المكان الذي سيلجأ إليه حال سماع الصفارة.
وأكد ضباط في الجيش الإسرائيلي على وجوب أن تحتاط كل منطقة دان بما في ذلك تل أبيب لاحتمال سقوط صواريخ عليها قريبا. وشدد ضابط رفيع المستوى على أن ضرب العفولة يشكل تصعيدا يتطلب الرد مضيفا، ولكن على سكان تل أبيب إبداء اليقظة.
وتعمل السلطات الإسرائيلية، التي تدقق في سقوط الصواريخ على الخضيرة، وفق فرضية أن المكان المستهدف هو محطة توليد الطاقة وأن الصاروخ من نوع زلزال واحد. وإذا صح ذلك فإن هذه هي المرة الأولى التي يطلق فيها مثل هذا الصاروخ في هذه الحرب. وكان أبعد الصواريخ مدى التي استخدمت حتى الآن هي صواريخ فجر خمسة التي سقطت على العفولة.

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...