رسم ذاتي لبودلير.. لو أراد لكان رساماً

05-05-2013

رسم ذاتي لبودلير.. لو أراد لكان رساماً

«هل تعرف المتاحف فعلا الثروات التي تنام في مخازنها»؟ بهذا السؤال تبدأ صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية مقالتها حول اكتشاف «رسم ذاتي للفرنسي بودلير، الذي تمّ العثور عليه مؤخرا وعن طريق الصدفة، من خلال تحضير معرض استعادي للنحات جوفروي ديشوم (أحد نحاتي القرن التاسع عشر الفرنسيين)، الذي كانت تربطه صداقة كبيرة بصاحب «أزهار الشرّ».
وفي تفاصيل المقالة عن هذا الاكتشاف، قام أحفاد النحات بتقديم هبة، هي عبارة عن بعض الصناديق التي تضم مخطوطات ورسوما ودراسات إلى «مدينة الهندسة والتراث» (التي تُعنى بحفظ آثار وأعمال الفنانين)، لتجد حافظة الجمعية كارولين لانفان، بين الأوراق رسما مستقلا على ورقة لفت انتباهها. يمثل الرسم شخصا ذا شاربين ونظرة ثاقبة، يضع شالا أحمر اللون، محاطا ببعض تخطيطات الرسم، لتستنتج «أن هذه الرسوم على درجة كبيرة من الأهمية»، كما تقول للصحيفة الفرنسية.
وبعد أن أجرت تحقيقاتها وطرحت الأسئلة على العديد من المختصين بتلك الحقبة «تبين لي أن حدسي كان صائبا». إذ إن الرسم ينتمي إلى السلسلة ذاتها من الرسوم التي تملكها «المدينة» (لديها خمسة رسوم) وهي تمثل الشاعر شارل بودلير، كان رسمها هو نفسه. بيد أن الأمر لم يتوقف هنا، إذ كان على لانفان أن تجد الارتباط الفعلي بين الشاعر والنحات، وكيف وصلت هذه «الورقة» إليه لتنام بين أوراقه كل هذا العمر. من هنا بدأ عمل جدي آخر.
بدا واضحا أن الصورة تمثل بودلير، وفق ما عُرفت عنه ملامحه. إذ هناك 14 صورة معروفة عنه، كما أن «متحف اورساي» يملك 3 «بورتريهات» له. وبما أن المختصين بأدب الشاعر يجمعون على أن بودلير كان صديقا لديشوم، ازدادت الفرضية بأن الرسم هو لبودلير نفسه.
بداية وجد تييري بودان، (خبير في «الاوتوغراف») أن الصورة تمثل بودلير فعلا، لكنه اعتبرها نسخة عن «غرافور». إلا أن جان بول أفيس، وهو أحد المختصين ببودلير لم يكن موافقا على هذا الرأي إذ وجد أن «حول الرأس هناك بعض التخطيطات المرسومة بخط اليد، وهي اليد نفسها التي رسمت البورتريه. لذلك لا يمكن لهذه الورقة أن تكون مطبوعة».
الحيرة في الموضوع كانت في أن صورة هذا الرجل لم تكن معروفة وغير مذكورة في العديد من المراجع، إلا أن أفيس قال إن نصا يعود إلى العام 1847 يشير بوضوح إلى هذا الرسم، وهو فعلا لبودلير، لذلك «بالنسبة إليّ هذا الرسم يمثل فعلا أوتوبورتريه للشاعر».
ما من معلومات أبدا حول تاريخ هذا الرسم، ولا كيف رسمه الشاعر الفرنسي، ولا كيف انتقل إلى صناديق الكرتون التي تؤرشف لأعمال النحات جوفروي ديشوم. بيد أن لانفان لديها الفرضية التالية: لقد كان رسام الكاريكاتور دومييه والرسام تيموليه والعديد من الكتّاب من بينهم جيرار دو نيرفال وبودلير والنحات ديشوم، يؤلفون جمعية أدبية فنية، وكانوا يجتمعون في العديد من الأماكن، في داخل باريس وخارجها. وتضيف كارول لانفان: «يُعتقد أن الرسم كان يملكه دومييه، وهو صديق حميم لجوفروي ديشوم»، وتركز في ذلك على مقالة صدرت في «لو بوتي فيغارو» بتاريخ 24 تموز 1868، إذ نقرأ فيها: «كانت رسوم بودلير معروفة بين أصدقائه. وكان دومييه يحتفظ ببعضها، وبخاصة بصورة شخصية له «أوتوبورتريه» رسمها بنفسه، وكان (دومييه) قد صرح مرارا لو أن بودلير طبق في الرسم إمكانياته عينها التي طبقها في الشعر لكان أيضا رساما كبيرا مثلما كان شاعرا كبيرا ومميزا ومتفردا».
في أي حال، هل أعطى دومييه الرسم لصديقه النحات أم هل احتفظ به هناك في المستودع؟ ربما لا داعي لإيجاد الجواب، إذ بفضل ذلك كله ثمة وجه آخر لبودلير ظهر اليوم.


إسكندر حبش

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...