ثقافة بلا طفولة ... أطفال في الشوارع

02-10-2008

ثقافة بلا طفولة ... أطفال في الشوارع

على مشارف اختتام الاحتفالات بـ «دمشق عاصمة للثقافة العربية - 2008»، سؤال يطرح نفسه: ما الذي قدّمته تلك الاحتفالات للأطفال، من رعاية واهتمام وتوعية؟

ومن المــفارقات ذات النكــهة الخاصة، أن يخرج جمهور زياد الرحباني (من الأمسيات التي أحياها بين 15 و18 آب (أغسطس) الماضي، منتشــياً بالألحان وكلمات تتغنى بالوطن والحب والعدالة، متزاحماً في الرصيف الممــتد أمام قلعة دمـــشق، علّه يجد مخرجاً لسيارته أو قدميه، غافلاً عن طفلين ارتكـــنا في زاوية، هي بمثابة منزلهما صيفاً وشــتاءً، يبيعان الولاعات والبسكويت. كبيرهما لا يتجاوز العاشرة من عمره، والصغير في السادسة أو السابعة!

كلمة هنا وثانية هناك، والحديث خجول يعبر مع الأطياف البشرية التي تمر كل يوم في الليل والنهار. ونسمع همساً «عمالة الأطفال»، وهي حالة يجب أن تضاف إلى القواسم المشتركة بين دول الوطن العربي، ولعلها أبرز تلك القواسم. وتمثل واقعاً للأمية وتردي الوضع الاقتصادي، والانحلال الاجتماعي وتشرذم القوانين... حتى ليذهب «أطفالنا، أكبادنا، ملائكة الجنة وأمل الأمة...» أدراج الريح، في غياهب تلك المسافة ما بين النظريات وتطبيقاتها.

خطر عمالة الأطفال، كظاهرة اجتماعية متفشّية، يكمن في صعوبة تناولها ومعالجتها، فحـــالة الطفل علي (14 سنة) قد لا يدرجها كثيرون في خانة العمالة. يذهب علي إلى المدرســــة كل يوم، ولكنه، وبعد انتهاء الدوام المدرســـي، يركن إلى دكان والده في منــــطقة «الدويلعة» ليبيع «اللانجري»، وهو على قاب قوسين أو أدنى من الامتحان الإعدادي الذي يُعتبر «مصيرياً» في النظام التعليمي في سورية. علي يرفع حملاً يسيراً عن والده، وبعضهم يقول: «هذا مفيد له. دعه يصبح رجلاً، ويتحمل المسؤولية».

علي الذي يحب التمثيل، استطاع بطريقة ما، الانضمام إلى نادي التمثيل، التابع لمديرية المسارح في الفترة الصباحية، الصيف الماضي. وبكثير من الحب والإيمان بقدراته حاولت المشرفة مساعدته. وبكثير من الجهد حاول علي. كان يصغي إلى فيروز صباحاً، عوضاً عن هيفاء وهبي وإيمينيم (مغني الراب الأميركي). انكب على القراءة في المحل، عوضاً عن الحديث مع جيرانه من البائعين الأكبر سناً، عن همومهم من مغامرات غرامية ورغبات وأزمات... لا تعنيه.

لم يكن علي معنياً بالقلق من مستقبل يبدو مظلماً في فرص عمله، ولا بمنهج ٍ دراسي يثير ملله ويجعله فاشلاً في أعين رفاق الصف النجباء، بفضل الدروس الخصوصية، ولا حتى بالصراخ المستمر في المنزل وضجيج أخوته الأربعة. استكان إلى حلم هو من حقه، وإلى رواية جميلة يقرأها، حباً بالقراءة فقط، ونجح في الامتحان الإعدادي.

لكن ماذا عن أقرانه المتبقين؟ عن الأطفال الذين يملأون حاويات القمامة بحثاً عما يبيـــعونه ويعــــود ثمنه على الأهل. والحاوية لا تتسع للوالد الضخم أو للأم المرهـــقة أصلاً. عن أبطال المغامرات الخطرة الذين يندفعون إلى بيع بضاعتهم، علكة ودخان وفوط ورقية... لركاب السيارات لحظة وقوفها عند الإشارة، وعليهم الانسحاب سريعاً من منتصف الشارع قبل انطلاقها. وأحياناً، لا يقبضون ثمن البضاعة، فيلحقون بالسيارة، مغامرين بحياتهم لكي يحصّلوا أموالهم. وأحياناً كثيرة يقعون في خسارة، عند المنعطفات إلى الطرق السريعة! وفي سبيل بناء جيل قوي، ثمة أطفال دون الخامسة عشرة، يعملون في البناء وفي سوق الخضر وفي غسل السيارات ومسح الأحذية... أو أعمال أخرى مسكوت عنها.

مقابل كل هذا، مجموعة من القوانين الصارمة، لكنها، وعلى العادة، غير مُطبقة. يترك الأطفال المدارس ليعملوا، مؤسسين بهذا لجيل جديد من الجهلة والأميين. يحكمون على أنفسهم بالتهميش ووأد الملَكات الفردية. يضغطون سني عمرهم في ما يحصّلونه من تلوث وأمراض. يكتفون بالقليل القليل من القيم الأخلاقية والاجتماعية. وبعد أن يصبحوا رجالاً، على هذه الصورة والمثال، تأتي المنظومات الاجتماعية لتحاكمهم.

تتحدث خولة مطر، منسقة برامج عمل الاطفال في منظمة العمل الدولية، عن أن نسبة الاطفال العاملين في العالم العربي، دون سن العاشرة، «تقارب الـ20 في المئة في الريف، و5 في المئة في المدن. في حين تقدر منظمة «يونيسيف» عدد الأطفال العاملين في الدول النامية، دون الرابعة عشرة، بنحو 200 مليون طفل!

يارا بدر

المصدر: الحياة

 

التعليقات

لمن لم يعد يذّكر، فقد جلبت عمالة الأطفال الجائزة الأولى للوكالة السورية للأنباء (سانا).... ولا أعتقد أنهم تقاسموها مع صاحبة الصورة.....

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...