تونس: معارك الدستور والبطالة والحريات: الإصلاح في يد الإسلاميين وضدهم

15-03-2012

تونس: معارك الدستور والبطالة والحريات: الإصلاح في يد الإسلاميين وضدهم

«لم انتخب النهضة»... تقولها احدى التونسيات الموظفات في شركة للأدوية في لبنان، بنبرة حازمة لا يُفهم منها سوى ان خيارها الانتخابي يرضيها حتى الآن. اما السبب: «ماذا فعلوا حتى اللحظة؟ لا شيء.. على صعيد صياغة الدستور الذي هو أصلاً مهمة المجلس التأسيسي، على مستوى الوظائف، دعم الفقراء، ضبط الأمن.. كما لا ندري ما سبب تساهلهم مع السلفيين الذين ينشطون في الجامعات والمساجد والتظاهرات، بعدما كانوا مقموعين في الماضي»... رأي الشابة التونسية المنشغلة باتصالاتها الهاتفية في مطار بيروت استعداداً للعودة الى ديارها، يمثل شريحة واسعة من التونسيين الذين لم يطمئنوا، بعد حوالي 5 أشهر على انطلاق «زمن النهضة»، لأداء الحركة الاسلامية في السياسة والامن والاقتصاد، مقابل رأي آخر مساند لها ويصرّ على ان «الحكم على النهضة بعد وقت قصير على ولادة الثورة.. غير منصف».متظاهرون في العاصمة تونس ضد البطالة في صورة تعود الى كانون الأول 2010 قبيل اندلاع الثورة
ليس أمام «النهضة»، التي أمسكت بالسلطة في البلاد عن طريق الانتخابات «الشرعية والنزيهة» على حدّ وصف المراقبين الدوليين، سوى ان تأخذ شكاوى الممتعضين في الحسبان، على قاعدة ان «من يثور ضد بن علي يثور ضد غيره»، خصوصاً اذا ما صحّ قول بعض المعلقين السياسيين الذين يرون ان «النهضة تعيش مرحلة حساسة في تاريخها، لأن من شأن الحكم على أدائها شعبياً ان يلغيها اذا ما أخفقت. وبالتالي لن تعود ورقة الاضطهاد التي استخدمتها للوصول انتخابياً مجدية في دورات انتخابية لاحقة».
يردّ «النهضاويون» (أو المقرّبون منهم) الجاهزون دائماً لمرافعات دفاعية ضد اي اتهام ليبرالي او يساري او نقابي ربّما لطبيعتهم المنظّمة التي يعتبر البعض انها سرّ فوزهم الانتخابي بالقول «الوضع مستقر. ما حصل للشعب التونسي الذي حارب الفراغ الدستوري بروح من المسؤولية بعد الإطاحة بالطاغية، معجزة في حدّ ذاتها، وكل ذلك بفضل قوة الإدارة التونسية ومؤسساتها». هذا ما جاء على لسان الوزير التونسي المكلّف العلاقات مع المجلس التأسيسي عبد الرزاق الكيلاني (المقرّب من النهضة) الذي قال إن التونسيين «نجحوا في عدم تعطيل المؤسسات وتنظيم انتخابات اعترف بها المجتمع الدولي. واليوم لدينا مجلس تأسيسي منكبّ على إعداد الدستور، ورئيس منتخب وحكومة تعبّر عن الإرادة الشعبية، كما تحاول حلّ المشاكل العالقة في البلاد، وعلى رأسها مسألة التوظيف والإطاحة بالفقر، العمل على التنمية، تحريك العجلة الاقتصادية، ترجمة شعارات الثورة، القضاء على الفساد والرشوة المستمرة»...
اذاً، بالنسبة الى الكيلاني «تونس بخير». إلا أن العناوين الإصلاحية الذي عددّها الوزير تزن أثقالاً هائلة تُلقى على عاتق «النهضة» قبل غيرها، خصوصاً أن معظمها لا يزال «في مرحلة الإعداد»، وليس «الحصاد».
لا يقرأ الأمين العام المساعد للحزب الديموقراطي التقدمي التونسي، منجي اللوز، وضع تونس اليوم، من وجهة نظر مماثلة، قائلا بكثير من النقمة «قلقون جداً من أداء النهضة، أكان في السياسة او الاقتصاد او المجتمع او السياسة الخارجية (في إشارة الى موقف الحكومة من الاحداث في سوريا).. أداء النهضة استحواذي. وبعد الثورة، لا يمكننا تقبّل أداء حكومي من هذا النوع، لأن الإطاحة بالمخلوع بن علي فتح الباب امام الديموقراطية لا امام الهيمنة والاستحواذ على السلطة». ويضيف اللوز، الذي يؤكد ان حزبه الخاسر في الانتخابات بصدد جمع كل القوى لتركيز صوت الناخب ضد حركة النهضة، «نعم، الشعب انتخب الحركة لمدة محددة حتى تأمين الانتخابات المقبلة، الا ان تونس دولة عقلانية عمرها 3 آلاف سنة، لن تقبل باستمرار وضع مشابه». اما الانسب لـ«التفاهم مع النهضة»، فهو برأي اللوز «تفكيك النهضة من الداخل على غرار التجربة التركية (انقسام الإسلاميين بين رجب طيب اردوغان ونجم الدين اربكان) وذلك لضمان ديموقراطية تونس، فضلا عن تفكيك الترويكا تحت ضغط الشارع (رئاسة وحكومة ومجلس تأسيسي). النهضة تتجه لتطبيق النموذج الإسلامي الإيراني وليس التركي، لذا لا بد من اجبارها على التحول الى المنحى السياسي الديموقراطي».
الشرخ الكبير في أروقة السياسة التونسية ظاهر في اكثر من تفصيل «مبدئي»، وهو ما كان متوقعاً في دولة تنهض حديثا من حضن الدكتاتورية الى حالة التخبط الديموقراطي، وعلى رأس هذه التفاصيل الجوهرية التي يظللها سجال الهوية في تونس: اولاً، صياغة الدستور الجديد بعيدا من الشريعة الإسلامية او من خلالها، ثانياً، حلّ مشكلة البطالة التي تقدّر بعض الجهات الاقتصادية انها بلغت نسبة 18 في المئة، وثالثاً، ملف الحريات الذي بات حديث الساعة مع صعود الظاهرة السلفية بحرية لم تعهدها في زمن زين العابدين بن علي.

الاقتصاد: ملفّ المرحلة

الوزير الكيلاني الذي لا يترددّ في إرجاع التأخير الحكومي في حلّ المشاكل البديهية (الدستور والوظائف) الى «حجم الفساد الذي زرعه النظام السابق في المؤسسات»، يؤكد ان «الحكومة بصدد إعداد مشروع ميزانية تكميلي في برنامج يسطّر الخطوط العريضة للمطالب المرفوعة: البطالة، التنمية والقضاء»، مبرراً التمويل الخليجي لتونس بقوله «الحكومة تعوّل اولا على الثروة المحلية اي رجال الاعمال الذين هم رأس مال البلد، ومن ثم الأصدقاء والأشقاء.. ثورة تونس قوبلت باحترام العالم ككل وهناك التزام دولي بدعم تجربتنا، بما فيه الدعم الخليجي.. لا فرق بين المساعدات القطرية والكويتية والجزائرية والاوروبية والاميركية، فألمانيا على سبيل المثال تنازلت عن دين تونسي بقيمة 60 مليار يورو، وحولتها الى استثمارات عندنا»...
يردّ الشارع الذي يقوده اليوم بشكل أساسي اتحاد الشغل، على حكومة «النهضة» برفع شعار البطالة «الكارثية» على حد وصف المحامي والاستاذ الجامعي التونسي منذر الحاج علي، الذي قال إن «اسعار المواد الغذائية الى ارتفاع هائل والقطاع السياحي الذي تعتمد عليه تونس معطل تماما، والتموين الغذائي في ازمة كبيرة فضلا عن انقطاع الكهرباء المتزايد وتعطّل الحصص الجامعية التعليمية.. هذا كله لم نشهده إبان الثورة لأن ثورتنا كانت مدنية.. من سقط في 14 جانفيي هو النظام لا الدولة!».

الدستور.. وروحيّة الشريعة

... عدم صياغة دستور تونس الجديدة حتى الآن، شرّع فرضية عدم الانسجام الكلي بين رؤوس الترويكا المنضوين تحت جناح «النهضة»، الا ان الكيلاني نفى  الامر قائلا ان «الدستور مهمة المجلس التأسيسي الذي يعمل على اعداده وسط نقاش بنّاء بين الجميع». وعن بند تنصيص الشريعة مصدراً للتشريع، يرى الكيلاني ان «الدستور المنحل يعترف بالاسلام ديناً للدولة وباللغة العربية لغة محلية، وفي اعتقادي ان المشروع الجديد لن يأتي بجديد لأن البند المذكور يحظى بالإجماع. لسنا في حاجة الى تنصيص الشريعة مصدراً للتشريع لأن الاحكام مستوحاة أصلا من روحية الشريعة الإسلامية».
تبسيط الكيلاني لمعركة الدستور يعلّق عليها الحاج علي قائلا انها تشمل أربع نقاط الى جانب بند الشريعة العالق «اولاً، النظام السياسي. يريدونه برلمانياً لأن سمته الاساسية عدم الاستقرار الحكومي يبعدون به الاستثمارات عن البلاد، ومن ثم يتحولون من البرلماني الى الشورى على طريقة اهل الحل والعقد.. ثانياً، النظام القضائي. يردونه مجلساً إسلامياً أعلى ونريده محكمة دستورية.. ثالثاً، دسترة المكتسبات الوطنية كحقوق المرأة والاحوال الشخصية، وهو سجال قائم بحدة اليوم»... الحاج علي المطمئن ليقظة الشارع، يختم بالاستناد الى «الاستفتاء على الدستور الذي سيمنع النهضويين من تمرير مشاريعهم الشاذة»...

دينيز يمين

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...