تركيا:المواجهة المحتملة بين المؤسسة العسكرية وحكومة حزب العدالة

06-08-2007

تركيا:المواجهة المحتملة بين المؤسسة العسكرية وحكومة حزب العدالة

الجمل:     يؤكد الدستور التركي على علمانية الدولة وعلى الجيش التركي باعتباره حامي العلمانية، وبعد فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي بأغلبية مقاعد البرلمان التركي، تشير التوقعات إلى احتمالات تزايد الصراع والمواجهة بين الجيش التركي والحكومة التركية، وقد بدأت الحرب الباردة بين الطرفين من خلال التصريحات التي أدلى بها رئيس الأركان التركي الجنرال بيوكانيت اليسار، والتي قال أحدها: إننا لا نريد رئيساً إسلامياً في تركيا.
·       المؤسسة العسكرية التركية:
يتكون الجيش التركي من خمسة أنواع من القوات تشكل قوامه الأساسي، هي: القوات البرية، والبحرية، والجوية، وحرس السواحل، والجندرمة. وعلى أساس اعتبارات الحجم، يعتبرالجيش التركي ثاني أكبر جيش في حلف الناتو بعد الجيش الأمريكي، وذلك لأن عدد عناصر القوات العاملة في الجيش التركي يبلغ حوالى 1054750 جندي تقريباً. وتجدر الإشارة إلى أن الجيش التركي قد تم ضمه وإلحاقه رسمياً بحلف الناتو في 28 شباط 1952م.
أبرز الملامح العامة لفروع الجيش التركي الخمسة، يمكن الإشارة لها على النحو الآتي:
-         القوات البرية: تمثل واحدة من القوات البرية الأكبر حجماً في العالم، إضافة إلى أنها تعتبر في المرتبة الثانية بعد أمريكا في حلف الناتو. وعلى أساس اعتبارات الجاهزية تتميز القوات البرية التركية بالقدرة على نشر 100 ألف جندي دفعة واحدة، وخلال بضعة ساعات. إضافة إلى القدرة على تنفيذ عمليات القوات المحمولة جواً، بواقع 7كتائب دفعة واحدة، وفي العملية الواحدة، وذلك على السواء في حالتي العمليات الليلية والنهارية.
-         القوات الجوية: تمثل واحدة من أقدم القوات الجوية في العالم، وتقوم بتشغيل واحدة من أكبر أساطيل الطائرات الحربية التابعة للناتو.. وبسبب توافر القدرة على توفير خدمات تزويد الطائرات بالوقود جواً، فقد أصبحت القوات الجوية التركية قادرة على الإسهام في كافة مسارح القتال الدولية والعودة إلى قواعدها.
-         القوات البحرية: ظلت تاريخياً من القوى البحرية الرئيسية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وبسبب الدعم والتحديث المتواصل لهذه القوات، فقد أصبح بإمكان القوات البحرية التركية تنفيذ العمليات والمناورات في كل بحار ومحيطات العالم الرئيسية، وحالياً تستطيع الغواصات التابعة للبحرية التركية الملاحة لمسافة قدرها 15 ألف ميل بحري والعودة إلى قواعدها.
-         قوات الجندرمة: وهي القوات المسؤولة عن حماية فرض القانون والنظام في المناطق الريفية النائية التي لا تقع تحت نطاق دائرة الخدمات الشرطية.
-         قوات حرس الساحل: وهي القوات المسؤولة عن مهام القيام بحماية فرض القانون والنظام على السواحل والمياه الإقليمية التركية.
·       مذهبية الدفاع: المهام والواجبات:
تقع تركيا في واحدة من أهم وأخطر المناطق على خارطة الكرة الأرضية، فالطرق والمسارات الجوية والبرية والملاحية العابرة لقارات العالم الثلاثة كثيراً ما تتقاطع عبر تركيا، كذلك تشرف تركيا على مضيق البوسفور الذي تمر عبره كل الحركة البحرية بين روسيا وبلدان منطقة حوض البحر الأسود مع العالم الخارجي، وتستطيع تركيا التأثير عسكرياً وبشكل مباشر في قناة السويس، ومناطق الاضطرابات في البلقان والقفقاس وآسيا الوسطى، وبقية منطقة شرق المتوسط، كذلك تجاور تركيا سورية وإيران والعراق، وهي جميعها تعتبر من الكيانات السياسية الفائقة الأهمية ضمن الحسابات الاستراتيجية الإقليمية والدولية.
أبرز مهام وواجبات الجيش التركي تتمثل في الآتي:
-         حماية أمن تركيا داخلياً أو خارجياً.
-         حماية التوجه العلماني للدولة بحسب ما نص عليه الدستور التركي.
-         الجاهزية الكاملة للقيام بتنفيذ التزامات تركيا تجاه حلفائها الإقليميين والدوليين، وعلى وجه الخصوص حلف الناتو والولايات المتحدة.
·       الجيش التركي والسياسة:
بعد تأسيس مصطفى كمال أتاتورك للجمهورية العلمانية الحديثة في تركيا، ظل الجيش التركي ينظر لنفسه باعتباره حامي الكمالية العلمانية، وبرغم قيام  أتاتورك بالتأكيد على مبدأ الفصل بين الجيش والسياسة، فقد ظل الجيش التركي يمارس نفوذاً كبيراً على التوجهات السياسية التركية وعملية صنع واتخاذ القرار في تركيا في كافة المسائل المتعلقة بالأمن القومي التركي الداخلي والخارجي.
يوجد سجل كبير لتدخلات المؤسسة العسكرية التركية في الشؤون السياسية التركية، إضافة إلى قيامها بتنفيذ انقلابات عسكرية في الأعوام 1960م، 1971م، و1980م.. وكان آخرها قيام المؤسسة العسكرية التركية بمناورة إقصاء رئيس الوزراء التركي ورئيس حزب الرفاه الإسلامي نجم الدين أربكان في عام 1997م.
وفي 4 نيسان عام 2007م، وبشكل استباقي للانتخابات الرئاسية التركية التي سيتم إجراؤها في تشرين الثاني 2007م، وكرد فعل لتوجهات وزير الخارجية التركي عبد الله غول الإسلامية، والذي عرف بانخراطه وسجل مشاركاته في حركات الإسلام السياسي والأحزاب والحركات الإسلامية المحظورة في تركيا مثل حزب الرفاه الإسلامي، وقد أصدر الجيش التركي بياناً واضحاً بهذا الخصوص أكد فيه على الآتي:
-         ان التوجهات الإسلامية تتناقض مع الطبيعة العلمانية للدولة التركية.
-         ان الجيش التركي مستعد وجاهز للتدخل لحماية العلمانية.
-         ان ولاء الجيش التركي للعلمانية هو ولاء ثابت لا يتزحزح.
·       المواجهة المحتملة بين المؤسسة العسكرية وحكومة حزب العدالة والتنمية:
على أساس الاعتبارات الهيكلية المؤسسة، أدت نتيجة الانتخابات البرلمانية الأخيرة إلى وجود كيانين متنافرين من الناحية النظرية، بحيث أصبح يوجد في تركيا حزب حاكم إسلامي التوجهات والقيادة، وعلى الجانب المقابل توجد مؤسسة عسكرية أكثر تشدداً في ممارسة حقها الدستوري في الدفاع عن العلمانية التي تتناقص مع الإسلام.
أما على أساس الاعتبارات الوظيفية، فإن عملية صنع واتخاذ القرار بواسطة حكومة حزب العدالة والتنمية سوف تتعرض للكثير من التوازنات والحسابات الدقيقة، التي تضع في اعتبارها تفادي المواجهة مع الجيش، كذلك سوف تجد الحكومة وحزب العدالة ضرورة للتريث والاعتدال في اختيار وترشيح الرئيس التركي الجديد القادم، وهو خيار سوف يجعل من الحكومة وحزب العدالة والتنمية أمام أمرين أحلاهما مر، الأول يتمثل في أن اختيار مرشح إسلامي سوف يضر مصداقية الحزب أمام الرأي العام التركي الذي ساند بقدر كبير الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية الماضية، ولكن القيام بذلك سوف يؤدي إلى الخلاف مع المؤسسة العسكرية، والثاني يتمثل في أن تقوم الحكومة وحزب العدالة والتنمية باختيار مرشح رئاسي علماني، وهو  أمر سوف يظهر الحكومة وحزب العدالة والتنمية بمظهر المتراجع عن الشعارات والبرنامج الانتخابي الذي وجد مساندة الرأي العام، وهو أمر يضر كثيراً بمصداقية الحكومة وحزب العدالة، وحتى لو تم هذا الأمر، فإن تداعياته المستقبلية سوف تكون شديدة الضرر على الحكومة وحزب العدالة، وذلك لأن وجود رئيس علماني في المرحلة القادمة معناه وقوفه بالضرورة إلى جانب المعارضة العلمانية التركية التي انهزمت في الانتخابات بسبب رفض الناخبين الأتراك التصويت لصالح القوى والأحزاب العلمانية، وتوجيه أصواتهم للمرشحين الإسلاميين.
إن سيناريو فوز رئيس إسلامي بالرئاسة التركية، سوف تترتب عليه الكثير من التطورات الدراماتيكية، ومن أبرزها تدخل المؤسسة العسكرية والتي سوف لن تتردد كثيراً في تنفيذ الانقلاب العسكري ضد حكومة حزب العدالة، والتنكيل بكل حركات وأحزاب الإسلامي السياسي الحديثة النشأة في تركيا، وهو أمر سوف يؤدي إلى اصطدام المؤسسة العسكرية بالرأي العام والشارع السياسي التركي، وفي حالة تطور الأمر إلى مواجهة، فمن الممكن أن تؤدي التداعيات إلى تقويض المؤسسة العسكرية التركية من أساسها، وذلك لأن التجربة التاريخية قد أثبتت أن الجيوش التي تدخل في اتجاه معاكس للرأي العام ستواجه الانقسامات في داخل، وهو أمر قد يتعرض له الجيش التركي الذي يضم عدداً كبيراً من الجنود وصغار الضباط الذين تتطابق توجهاتهم بالضرورة مع الرأي العام الشعبي، كما في سائر جيوش العالم الثالث، وفقط فئة كبار الضباط ستكون هي التي تقف لوحدها في الدفاع عن العلمانية في هذه الحالة.
يقول بعض الخبراء: إن المخرج من الأزمة التركية المستفحلة بين الرأي العام الإسلامي والمؤسسة العسكرية يتمثل في ضرورة اللجوء إلى استدعاء نظرية المؤامرة، أو نظرية الخطر الخارجي التي دعا إليها الفيلسوف نيقولا ميكافيلي، وذلك على أساس اعتبارات أن الخطر الخارجي يؤدي إلى توحيد الجبهة الداخلية، وبالتالي فإن تسريع حكومة أردوغان القيام بتنفيذ عملية الاقتحام العسكري ضد الأكراد في شمال العراق ستؤدي حتماً إلى توحيد الجبهة الداخلية التركية، وسيجد الجيش التركي نفسه منهمكاً في العمليات العسكرية للحرب اللامتماثلة وتطبيق أساليب مكافحة حرب العصابات، وسوف تجد حكومة حزب العدالة المجال واسعاً أمامها للقيام بعمليات التعبئة الداخلية.
الحرب الباردة الحالية بين المؤسسة العسكرية التركية من جهة والحكومة وحزب العدالة والتنمية الإسلامي من الجهة الأخرى، لن تكون حرباً باردة بلا أطراف خارجية، وحالياً تبذل إسرائيل والولايات المتحدة قصارى جهدهما من أجل الحيلولة دون انتخاب رئيس تركي إسلامي، وأيضاً إلى الضغط على الحكومة وحزب العدالة والتنمية بعدم اقتحام العراق، ولكن في حالة فشل هذه المخططات سوف لن تتردد أمريكا وإسرائيل في دعم سيناريو الانقلاب العسكري التركي، وهو أمر سوف يؤدي حدوثه برأي معظم المراقبين إلى كارثة حقيقية للمصالح الأمريكية والإسرائيلية في تركيا، وذلك لأن الرأي العام التركي المؤيد للإسلاميين سوف لن يقبل بالضرورة بحكومة عسكرية يتزعمها جنرال يهودي، وبالتالي سوف تستغل الحركات الإسلامية الفرصة، بحيث تنفرد الأحزاب الإسلامية التركية المعتدلة بتصعيد المعارضة السياسية، أما الحركات الأصولية الإسلامية فمن المؤكد أنها سوف لن تتردد في استخدام العنف المادي السياسي المسلح للدفاع عن مستقبل تركيا الإسلامي والشرق أوسطي، واستهداف الحكومة العسكرية التي يتزعمها جنرال (يهودي).

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...