تراشق الاتهامات بين الإعلامين العربي والغربي حقيقة فأين الحلول؟

06-11-2009

تراشق الاتهامات بين الإعلامين العربي والغربي حقيقة فأين الحلول؟

«يصوَّر الإسلام في العالم الأوروبي عموماً على إنه دين عنف وتطرف وإرهاب»، وفي المقابل «يقول العالم العربي عن الغرب بأنه مستعمر يريد حكم قبضته على الشرق الأوسط بأسلوب استعماري جديد محبك بطريقة حديثة ومتطورة بعيدة عن الشكوك». هذه الاتهامات المتبادلة كانت إحدى محاور ملتقى الإعلام العربي - الألماني الذي عقد في دمشق مؤخراً. كاريكاتور يعكس النظرة المنمطة أم واقع الحال؟
بدأت النقاشات التي لم تخلُ من المشاحنات بين ممثلي الطرفين، وكل طرف فيها يحاول وضع نفسه في موقع البريء واتهام الآخر كمسبّب مباشر في تشويه صورته. لكن الطرفين اتفقا في النهاية أنه على الصحافي أن يكون هو المصدر الصحيح والصادق في نقل الأحداث بطريقة موضوعية وواقعية بعيدة عن التصنع والمغالاة.
بعد الاتفاق، سرعان ما احتدت النقاشات مبيّنة إنه لا يمكن للصحافي تجاهل سياسة وسيلته الإعلامية التي يكون لها مصادر دخل معينة من جهات تفرض بعض التوجهات تحت طائلة خسارة «معيلها». أصر البعض على ان الإعلام الأوروبي لعب دورا كبيرا في نشر النظرة العدائية للعالم العربي، إذ إن التقارير المصورة تجهّز من قبل إعلاميين لا يعرفون إلا القليل عن العالم العربي، أو يكتفون بمعلومات من أصدقاء لهم زاروا الشرق الأوسط من دون التعمق في حياة أناسه ومعيشتهم ونظرتهم إلى الآخر. في هذا السياق، يقول الدكتور أندرياس راينيكه، سفير ألمانيا في دمشق: «نحن المقيمين هنا في دمشق، وجدنا أن للعالم العربي تميزاً وتعايشاً وثقافة غنية وقوة اقتصادية كبيرة، وهذا ما لا يعرفه المواطن الألماني والأوروبي عموماً» وأضاف: «نقوم في ألمانيا بنقد ذاتي حالياً كون العالم العربي غير معروف بالكامل لدينا، وكون الصورة المنقولة عنه تربطه بالأرهاب».
العرب مقصرون أيضاً
ومن ناحية أخرى، هناك من يرى أن العرب لا يجرون نقداً لأنفسهم ولا محاولة تصحيح صورتهم في الغرب، وأنهم أنفسهم ينشرون نظرة نمطية عن الغرب، ومع ذلك عندما تبدأ الحوارات يلجأ الإعلامي العربي إلى فكرة مفادها انه الوحيد الذي يعاني من الصورة النمطية السلبية. في هذا السياق يقول سمير مطر، وهو صحافي سوري مقيم في برلين: «إن العرب في الدول الأوروبية لعبوا دورا سلبيا في تشويه صورتهم، ولا بد من التذكير بمهمة على المسلمين أن يكملوها في أوروبا، أي إعطاء صورة إيجابية عن دينهم، فإذا لم ينددوا بالأعمال الإرهابية التي تحدث في بلدان يقيمون بها، فالصورة النمطية السائدة ستبقى كما هي».
يوافق الدكتور يوخن هيبلر، مدير معهد التنمية والسلام لدى جامعة دويسبورغ-إسن، على أن العالم العربي مقصر في تحسين صورته «إذ إنه لا يتقبل النقد الذاتي ولا يعتقد بأنه ربما يبالغ في نقل صورة سيئة وغير مقبولة عن العالم الغربي، فهو يصور كل شيء على إنه مؤامرة واستعمار تديره الولايات المتحدة الأميركية».
غير أن البعض يرون أن الصورة المعممة عن الغرب في الإعلام العربي، وعلى سبيل المثال في ألمانيا، ما زالت تستند بشكل أساسي على المواقف الألمانية المعلنة تجاه قضايا المنطقة العربية في فلسطين وجنوب لبنان «وهذه الصورة غالباً ما تنحصر في الجانب السلبي، باستثناء تغطية تبادل الأسرى التي تبرز الجانب الإنساني»، على حد تعبير الدكتور علي رمال، أستاذ في كلية الإعلام والتوثيق، في الجامعة اللبنانية في بيروت، الذي يضيف: « يهتم الإعلام الألماني بجانب معين ويهمل الآخر، يعود ذلك إلى سياسات تلك الوسائل الإعلامية وكذلك العامل المهني الذي يفرض التركيز على الخبر الأكثر شعبية كالرياضة ونمو الأقتصاد الألماني وتطوره».
أزمة مصطلحات
من جانبها، ترى أندريا نوسه مسؤولة شؤون السياسة الخارجية في صحيفة «دير تاغس شبيغل» أن من أوجه قصور التغطية الإعلامية العربية والألمانية بروز مشكلة «التعامل مع المصطلحات». وترى نوسه بأن هناك مشكلة في التعامل مع مصطلحات مثل «المقاومة» و«الانتفاضة»، وحول مدلول استخدام تسميات مثل «الصهيونية»، أو كيفية تصنيف أحزاب ومنظمات بسبب اختلاف المفاهيم حولها وحول أهدافها بين العرب والأوروبيين كما تقول. وتكمل نوسه: «بالإضافة إلى الخلط في استخدام المصطلحات والمفردات، هناك نوع من انتشار الأيديولوجيا في صفوف البعض من زملاء المهنة في العالم العربي وهذا يؤثر على التوجه المحايد للأمور، حيث يخلط الصحافي ما بين الوقائع وموقفه الشخصي وهذا ما لا نجده كثيراً في الصحافة الغربية».
رغم الكثير الذي قيل عن دور الإعلام العالمي بين الشرق والغرب، إلا إن الملتقى، كغيره من الندوات والحوارات التي عقدت وما زالت تعقد لتغيير الصورة النمطية عن الشرق والغرب، لم يخلص إلى نتائج تحد أو تقلل من الصورة النمطية السائدة عن العالمين العربي والغربي، وكأن الملتقى كان فقط فرصة ليعرض كل فرد هواجسه تجاه الآخر، حتى أن الحلول التي تم اقتراحها بدت خجولة، باستثناء تلك التي تجد أن إنجاز تقارير مشتركة بين الإعلاميين الغربيين والعرب من شأنها أن تقلل من حدة الصراع الإعلامي، لأنه في حال تم ذلك يكون الصحافي الشرقي أو الغربي على دراية تامة بخلفيات الموضوع المطلوب، بعكس ما يحدث غالباً حين يغطي الصحافي خبرا ما أو ينجز تقريرا ما عن دولة لا يعرف عنها إلا القليل.

عفراء محمد

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...