تدمير الأديرة الأثرية في سوريا: الحرب على التاريخ والوجود

29-10-2015

تدمير الأديرة الأثرية في سوريا: الحرب على التاريخ والوجود

تنتشر الآثار المسيحية على كامل الجغرافيا السورية. يشكل بعضها امتداداً للحضارات القديمة، وغيرها بناه المسيحيون الأوائل، وتشكل الحرب على سوريا خطراً على القيمة التاريخية لهذه الآثار، من أديرة وأيقونات ومخطوطات، ما يخفي أي أثر لوجودها على الأرض بتدميرها أو سرقتها من قبل تجار الآثار نحو صالات المتاحف العالمية.
وتعتبر الآثار المسيحية جزءا من المشهد الثقافي التراثي في سوريا، حيث يدخل معظمها ضمن المعايير العشرة لقائمة التراث العالمي المصنفة من قبل منظمة «اليونيسكو».
في الشمال السوري، وتحديداً بين ريفَي إدلب وحلب، تمتد ما يعرف بالكتلة الكلسية، متضمنة مجموعة من المواقع التاريخية مثل كنيسة قلب لوزة وسرجلة وكنيسة القديس سمعان العامودي. وتعتبر هذه المنطقة الموطئ الأساسي لـ «النساك العاموديين»، حيث انتشر مبدأ الزهد والاعتكاف عن العالم، فيعود تاريخ الأوابد التاريخية إلى 1400 سنة. تشير المعلومات الواردة من المنطقة إلى تعرض قلعة سمعان العامودي للتخريب بسبب تحويلها إلى ساحة تدريب من قبل ما يسمى «لواء التوحيد»، فتضررت الواجهة الداخلية للدير والكنيسة، إضافة لأعمال الحفر والتنقيب داخل الدير، ما سبب أضراراً فيه.
وفي منطقة جسر الشغور أشارت مديرية الآثار والمتاحف في سوريا إلى قيام مجموعة مسلحة باقتحام كنيستَي ودير قرية الجديدة، وسرقة 11 أيقونة مسجلة لدى دائرة الآثار في إدلب. أما كنيسة قلب لوزة، التي تعد من أهم الآثار البيزنطية في شمال سوريا، فقد تعرضت إلى أضرار نتيجة التنقيبات وتخريب الواجهة الحجرية للكنيسة.
وفي مدينة حلب، التي يعاني فيها البشر والحجر من الحرب، تعرضت مطرانية الأرمن الكاثوليك إلى تدمير جزء من الكنيسة التي بنيت قبل 200 سنة، كما تعرضت مطرانية السريان الأرثوذكس وكاتدرائية أم المعونات ومطرانية الأرمن الأرثوذكس إلى قذائف صاروخية.
وشكلت البادية السورية الوجهة النهائية للأرمن الهاربين من المذبحة العثمانية في بداية القرن العشرين، فشكلت دير الزور حاضنة لهم، وبنوا فيها كنيسة شهداء الأرمن التي ضمت رفات ووثائق لمرحلة المذابح. وقام تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» بعد دخوله إلى المدينة بنشر صور لتدمير الكنيسة في حي الرشيدية، والتي تعرف بكنيسة «شهداء الأرض»، ورفعت المجموعات المتشددة علمها فوق ركام الكنيسة. كما نشر تنظيم «لواء أنصار السنّة ـ جبهة الأصالة والتنمية» «فيديو» يظهر عدداً من أفراد المجموعة يقتنون مخطوطات تعود إلى إحدى الكنائس في دير الزور، حيث يتم تداول حديث مع أحد تجار الآثار في السعر المحدد لبيعها.
وتعرضت الكنائس في حمص إلى الضرر في مختلف مناطق الاشتباك، حيث تعرضت الكنائس في حمص القديمة خاصة للحرق والتدمير بسبب الاشتباكات نتيجة موقعها على خطوط النار بين المجموعات المسلحة والجيش السوري. فتعرضت كنائس أم الزنار وكنيسة الأربعين وكنيسة الروم الكاثوليك والكنيسة الإنجيلية وغيرها، إلى سرقة المقتنيات وتعرضها لأضرار في المباني. وبعد إتمام عملية التسوية وخروج المسلحين منها، بدأت أعمال ترميم الأبنية المدمرة، إضافة إلى قيام سكان المناطق بالعودة التدريجية لحياتهم فيها من خلال القيام بالصلوات والاحتفالات الدينية حتى مع عدم اكتمال الترميم النهائي.
وكان آخر ما قام به «داعش» هو تدمير دير مار آليان التاريخي في بلدة القريتين في ريف حمص الجنوبي، حيث استخدم الجرافات لتحطيم جدران الدير، الذي يعود إلى القرن الخامس الميلادي، كما خطف عددا من أهالي القرية، ونشر صورا «لإقامة حكم الله في نصارى مدينة القريتين»، فارضاً شروط أهل الذمة عليهم.
وفي محافظة الحسكة تعرضت قرى نهر الخابور إلى هجوم من تنظيم «داعش». وتسكن هذه القرى أكثرية أشورية وكلدانية تشكل امتداداً لحضارة ما بين النهرين. وتعرضت الكنائس التاريخية الموجودة في المنطقة إلى التدمير، كما خطف التنظيم أكثر من 100 شخص.
وعلى سفوح جبال القلمون تنتشر الأديرة التي شكلت الجبال حاضنة لها. ونتيجة تداخلها مع الحدود اللبنانية وصلت نيران معركة القلمون إليها. ففي منطقة النبك يقع دير مار موسى الحبشي للسريان الكاثوليك على قمة جبل على ارتفاع 1320 متراً فوق سطح البحر، وهو تعرض لهجوم من مجموعة مسلحة اقتحمته بهدف البحث عن المال والسلاح وسرقة ما أمكن من غذاء من قسم مواشي الدير. وعلى مسافة قريبة يقع دير مار يعقوب المقطع في منطقة قارة، وهو أيضا تعرض إلى عمليات تخريب في مقتنياته وأيقوناته. وفي معلولا أحرقت كنائس وسرقت الأيقونات التاريخية التي تعود إلى آلاف السنين، فدير مار تقلا تعرض للحرق كما تعرض مقام القديسة تقلا للتدمير. كنيسة القديسَين سركيس وباخوس، التي تعد من أقدم كنائس العالم، كانت جدرانها شاهدة على القذائف الصاروخية وسرقة مقتنياتها. ومع عودة الأهالي إلى القرية بدأت عمليات الترميم وإعادة ما أمكن من مسروقات وصل بعضها إلى منطقة عرسال اللبنانية.

وسام عبد الله

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...