تداعيات قرار المحكمة الدولية بخصوص منطقة آبيي السودانية

23-07-2009

تداعيات قرار المحكمة الدولية بخصوص منطقة آبيي السودانية

الجمل: أصدرت محكمة التحكيم الدولي بالأمس قرارها النهائي لجهة فصل النزاع السوداني الداخلي حول منطقة أبيي، وما كان لافتاً للنظر أن قرار الحكم قد شكل نقطة انقلاب دراماتيكي في تطور مشاهد سيناريو الصراع السوداني الجنوبي – الشمالي ومدى احتمالات انفصال الجنوب عن الشمال في استفتاء عام 2011.
* خلفيات الصراع حول أبيي:
تقع منطقة أبيي في منتصف الخط الفاصل بين الجنوب والشمال وبسبب تواجد قبيلة المسيرية العربية جنباً إلى جنب مع قبيلة الدينكا الإفريقية فقد ظلت أبيي إحدى مناطق التماس الساخنة بين جنوب وشمال السودان.
في عام 1905 أصدرت السلطات الاستعمارية البريطانية قراراً بوضع أبيي ضمن محافظة كردفان التابعة لشمال السودان واستمر هذا الواقع الإداري مستمراً حتى لحظة توقيع اتفاق السلام عام 2005، ولكن بسبب انتماء عدد كبير من قادة التمرد الجنوبي المسلح إلى منطقة أبيي فقد تشددت الحركة الشعبية في مفاوضاتها مع الحكومة على ضرورة فصل أبيي عن الشمال وضمها للجنوب.
رفضت الحكومة الاستجابة لطلب الحركة الشعبية وبعد تدخل الوسطاء تم إعطاء مصير أبيي وضعاً خاصاً في اتفاقية السلام السودانية على أساس اعتبارات الآتي:
• أن يتم إجراء استفتاء عام لسكان أبيي يحددون فيه رغبتهم بالانضمام للجنوب أو البقاء ضمن الشمال.
• ترسيم حدود منطقة أبيي بشكل دقيق.
• حصر السكان الموجودين في أبيي.
تم تكليف لجنة من الخبراء الدوليين تضم خمسة عشر عضواً برئاسة بيترسون السفير الأمريكي السابق في السودان إضافة إلى خبير بريطاني وآخرين، ونصت بنود البروتوكول على لأن تقوم لجنة الخبراء بتجميع المعلومات ثم إجراء المشاورات مع الطرفين (الحكومة السودانية والحركة الشعبية) ثم بعدها تصدر اللجنة قرارها الذي يعتبر ملزماً للطرفين.
* تقرير لجنة الخبراء: بين التحيز والمفاجأة:
أصدرت لجنة الخبراء تقريرها النهائي الذي كان مفاجئاً للعيد من الأسباب من أبرزها:
• تشاورت اللجنة مع الحركة الشعبية ولم تتشاور مع الحكومة كما هو منصوص عليه في البروتوكول.
• رسمت اللجنة خريطة جديدة لمنطقة أبيي تضمنت مناطق حقول النفط الرئيسية المجاورة ضمن خريطة أبيي.
• سارعت إدارة بوش باتجاه تهديد الحكومة السودانية من أجل الاعتراف بتقرير لجنة الخبراء.
• سارعت الحركة الشعبية إلى اتهام الحكومة بأن ترفض الالتزام بتنفيذ بنود اتفاق السلام.
رفضت حكومة البشير رفضاً قاطعاً الاعتراف بتقرير الخبراء وسعت قوات الحركة الشعبية إلى احتلال أبيي وفرض الأمر الواقع وبالفعل اندلعت المعارك ونجحت القوات السودانية في استعادة المنطقة. وتزايدت عمليات التعبئة السلبية في أوساط السكان العرب والأفارقة الموجودين في أبيي وحشد كل طرف مليشياته وكاد الموقف يصل إلى مرحلة المواجهة العسكرية مرتفعة الشدة.
ظلت الحركة الشعبية لتحرير السودان خلال فترة إدارة الرئيس جورج بوش الابن ترفض أي تفاهم أو حوار حول مصير أبيي ولكن بعد صعود إدارة أوباما لم تعد الحركة تجد الدعم الذي كانت تتمتع به أيام إدارة بوش. وعلى خلفية الضغوط والخلافات السياسية المتزايدة قرر الطرفان اللجوء إلى محكمة التحكيم الدولي، وبالفعل تم رفع الطلب وتعهد الطرفان رسمياً بالموافقة على قرار المحكمة النهائي أياً كان.
* ماذا حمل قرار محكمة التحكيم الدولي؟
أعلن قاضي المحكمة بأن لجنة الخبراء قامت بالآتي:
• لم تتجاوز اللجنة صلاحياتها لجهة القيام بتحديد الحدود الجنوبية لمنطقة أبيي.
• تجاوزت اللجنة صلاحياتها لجهة القيام بتحديد الحدود الشرقية والغربية لمنطقة أبيي.
• قيام المحكمة بوضع خارطة جديدة لأبيي.
• مطالبة الأطراف بالالتزام الصارم بتعهداتها للمحكمة باحترام وتنفيذ قرارها أياً كان.
أبرز نتائج قرار محكمة التحكيم الدولي تتمثل في الآتي:
• إضافة مناطق حقول النفط إلى أراضي شمال السودان.
• إرجاع حوالي 11 إلى 12 ألف كلم مربع إلى شمال السودان.
إضافة لذلك فقد كان قرار المحكمة بمثابة صدمة قوية أضرت بموقف واشنطن إضافة إلى أن الكثير من الدول الإفريقية أصبحت تنظر بعين الشك لجهود الخبراء الأمريكيين، وعلى وجه الخصوص جهود الدبلوماسية الوقائية الأمريكية الساعية إلى حل النزاعات والحروب الإفريقية، وتقول المعلومات أن العديد من الدول الإفريقية سوف لن يقبل بسهولة بجهود الوسطاء الأمريكيين والذين أثبتت محكمة التحكيم الدولي أنهم لا يتمتعون بالنزاهة والمصداقية بسبب الأجندة الخفية التي يسعون إلى تطبيقها تحت غطاء الدبلوماسية الوقائية الأمريكية.
إضافة لذلك، تشير التوقعات إلى أن تداعيات قرار محكمة التحكيم الدولي الذي أبطل تقرير السفير الأمريكي بيترسون سوف لن تقتصر على الدول الإفريقية حصراً وإنما ستظهر تداعياته لجهة الإضرار بسمعة ومصداقية الدبلوماسية الأمريكية في سائر أنحاء العالم.
إضافة لذلك، فإن قرار محكمة التحكيم الدولي سيؤثر سلباً على مصداقية الدبلوماسية الأوروبية ودبلوماسية الأمين العام للأمم المتحدة والذين سبق أن مارسوا المزيد من الضغوط على الحكومة السودانية لكي تقبل بتقرير السفير الأمريكي بيترسون.
* قرار أبيي والسيناريو القادم:
إضافة إلى مناطق الحقول النفطية لشمال السودان، سيترتب عليه إضعاف موقف القوات الانفصالية الجنوبية وتشير التوقعات إلى أنه سيدفع معظم السكان في أبيي إلى التصويت في الاستفتاء القادم لصالح الانضمام لشمال السودان، أما بالنسبة لبقية جنوب السودان فإن المزيد من الخلافات يتوقع حدوثها في أوساط القوى السياسية الجنوبية التي أصبح بعضها يوجه الاتهامات الصريحة للحركة الشعبية باعتبارها تسعى لفرض هيمنتها على جنوب السودان ودفعه باتجاه خيار الانفصال.
هذا، وبرغم تداعيات القرار فقد برزت المزيد من التصريحات الإيجابية بواسطة العديد من الزعماء السياسيين في الجنوب الذين طالبوا بعدم النظر في القرار وفقاً لمعيار المتضرر والمهزوم وأكدوا على ضرورة أن يتم اتخاذ القرار كنقطة انطلاق من أجل تفعيل ثقافة السلام ووضع الأساس المتين للتغلب على مخاطر الانفصال وتقسيم السودان إضافة إلى التأكيد على ضرورة عدم الاعتماد على الأطراف الأجنبية في حل النزاعات ذات الشأن الداخلي طالما أن هذه الأطراف تعمل من أجل تسميم الاستقرار وائتلاف النسيج الاجتماعي الوطني السوداني بما يدفع السودان إلى حرب جنوبية – شمالية جديدة تتيح للأطراف الخارجية التسويق لها على أساس اعتبارات أنها حرب عربية – إفريقية تأخذ شكل سيناريو الحرب السنية – الشيعية التي كادت تدمر النسيج الاجتماعي العراقي.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...