تحليل للعداوة ضد أمريكا

24-04-2007

تحليل للعداوة ضد أمريكا

ينظر الكثيرون الى الولايات المتحدة كبلد ظالم معتد وقوة امبريالية عصرية. وفي هذه السلسلة من المقالات يفند مراسلنا في واشنطن جاستين ويب هذه الآراء.

ويقول ويب ان معاداة الولايات المتحدة هي في الحقيقة غطاء لحقد نادرا ما يمكن تعليله. وهذه المقالات تأخذ مراسلنا الى القاهرة وكاراكاس وواشنطن، لكنها تبدأ في منشأ معاداة أمريكا: باريس.

وفي جنينة كنيسة آبي بمدينة باث الجميلة في انجلترا، يتجمع عدد من المتظاهرين ضد عدم المساواة في العالم، وكثير منهم من الكويكرز، وهي جماعة دينية تأسست في القرن السابع عشر في انجلترا لكنها متواجدة في اقطار العالم، وتطلق على نفسها جماعة الاصدقاء.

وأمي التي توفت العام الماضي، كانت هي الاخرى من المتظاهرين. وكانت في عز أيامها تحتج بحماس ضد القنبلة الذرية وتريد وقف الحروب بكل انواعها والمعاناة أينما كانت.

كانت أمي امرأة مبهرة، وكذلك الشأن بالنسبة لاصدقائها. لكن شيئا كان يلفت انتباهي لما كانت تحكي لي عن مظاهراتها، وهو نفس ما كنت الاحظ لما كنت أشارك فيها بحماس وانا صغير السن، وهي أحادية الجانب الغريبة التي تتميز بها تلك الاحتجاجات.

فالاحتجاجات ضد السلاح النووي مثلا كانت مركزة على السلاح النووي الامريكي، والمظاهرات ضد الحرب كانت ضد الحروب التي تشنها امريكا كما أن التجمعات الرافضة لعقوبة الاعدام كانت مخصصة لعقوبة الاعدام في ولاية تكساس.

ومع مرور الزمن، اصبح لكل تلك الاحتجاجات قاسم مشترك لم يتغير منذ ذلك الحين، وهو الاستعداد لادانة الولايات المتحدة في ادنى تدخل في شؤون الآخرين، بل حتى تضخيمها احيانا، بينما لا ينبسون ببنت شفة عن القتلة والدكتاتويات والمختلسين الذين يحكمون بلادا أخرى.

وان كانت معاداة الامريكية واقعا معاشا عند الكثير من البريطانيين الهادئين، فكيف سيكون في عدة انحاء من العالم. لكي آخذ فكرة عن الموضوع، زرت فنزويلا التي يقارن زعيمها هوغو تشافيز الرئيس الامريكي جورج بوش بهتلر، ومصر التي يحذر النظام فيها من مغبة ضعف قبضته.

وباريس... نعم، باريس التي بدأت فيها هذه الظاهرة.

العداوة لامريكا بدأت في فرنسا والغريب أنها بدأت قبل نشوء الاسباب التي تغذيها، فهي لم تكن نتيجة لهيمنة كوكا كولا أو ماكدونالد أو هوليوود أو جورج بوش.

وكانت النظرة الشائعة بين المفكرين الفرنسيين في القرن الثامن عشر أن ما يسمى "العالم الجديد" كان مثيرا للاشمئزاز وذا رائحة مقرفة ونتنة اكثر من ان تزدهر فيه الحياة. وكما قال احد العلماء البيولوجيين الاوروبيين: "كل ما نراه هنا متخلف أو وحشي".

وما زال الكثير من الفرنسيين يعتقدون في قرارة انفسهم ان ذلك صحيح.

وقد قارن مفكر فرنسي يوما الولايات المتحدة ببلجيكا، وهو شيء جارح لان الكثير من النكات الفرنسية تتخذ البلجيكيين مسخرة، وقال: "العاصمة الفرنسية لها من العظمة ما يستحق اهتمام العالم بأسره، على عكس العاصمة البلجيكية ومعظم الولايات المتحدة الامريكية."

واشنطن تتسم بالفخامة لكنها من تصميم مهندس فرنسي، ورؤياه العظيمة لم تناسب بقية الامريكيين. فأمريكا بسيطة. نعم. قل ذلك بصوت عال في شوارع باريس: "أمريكا بسيطة"، فهي تسعى وراء السعادة البسيطة، في الأسر كما في البلدات، وهذا الذي يكرهه المعادون لأمريكا.
وفي قلب باريس شارع باسم الرئيس الامريكي السابق فرانكلن روزفلت. الرجل الذي ساهم في قهر ألمانيا النازية وتحرير الشوارع الباريسية يحتفل به هنا. ويقول الكثير من الفرنسيين انهم قد يحتفلون حتى بجورج بوش لو كانوا يوافقونه الرأي. لكن مصدر معاداة أمريكا، حسب رأيهم، هو سياساتها.

قد أتفق مع كل ذلك لحد ما: لكن في باريس دلائل واضحة على أن العداوة للولايات المتحدة تتأسس على أكثر من ذلك بكثير، فهي ليست مجرد معاداة لما تفعله امريكا. والكراهية الشديدة التي كان يكنها المفكرون الفرنسيون لامريكا عبر العصور تعود لطبيعة أمريكا وهويتها، لا أفعالها.

وفي مقهى دوفلور الذي جلس به جان بول سارتر، لخص لي الفيلسوف والكاتب بيرنار هنري ليفي المسألة فيما يلي: "أمريكا أصبحت الكابوس الذي توجس منه المفكرون اليمينيون الفرنسيون لزمن طويل، وهو بلد لا ينبني على علاقات النسب المحترم والتقاليد، بل على الرغبة في خلق شيء جديد.

وليفي يتعاطف مع الولايات المتحدة، كما ان له كتابا حول اسفاره هناك بعنوان "الدوار الامريكي"، وهو عمل متوازن وعميق.

لكن مثل ذلك التوازن حسب ليفي، غائب في الحوار السياسي الفرنسي حول القوة الامريكية والحياة الامريكية وديموقراطيتها التي تحتفل بالبساطة وتشجعها.

وبدأت الظاهرة في الحياة السياسية الفرنسية عند اليمينيين، لكنها الآن من قواعد جوزي بوفي، المرشح المناهض للعولمة والمعادي لماكدونلد، اضافة الى بقية اليساريين.

اليقين ان المعاداة لامريكا ليست شيئا جديدا بدأ بسبب جورج بوش. ففي مايو أيار 1944، بينما كان الجنود الامريكيون ينزلون على شواطئ النورماندي، قال مؤسس صحيفة لوموند اوبير بوف ميري، وهو بالطبع ليس ناطقا باسم اليمين: "الامريكيون يشكلون خطرا حقيقيا على فرنسا، خطرا يختلف عن خطر النازية أو الخطر الذي يهددنا به الروس بين الفينة والاخرى. فالامريكيون يقدسون الحرية لكنهم لا يشعرون بالعبودية التي خلقتها الرأسمالية".

حان الوقت لنفهم أن هذه الافكار واستصغار ما بوسع الديموقراطية فعله هو مصدر ما يشعر به الذين يكنون للولايات المتحدة العداء اليوم، او على الاقل بعضهم.

المصدر: BBC

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...