السعوديّة: نايـف ملكـاً

29-10-2011

السعوديّة: نايـف ملكـاً

«براغماتي حذر أم محافظ عنيد؟».. صورتان لولي عهد السعودية الجديد الأمير نايف بن عبد العزيز، تتجاذبهما أوساط الرأي السعوديّة والعالمية منذ وفاة الأمير سلطان قبل أسبوع وتوجه الأنظار نحو الأمير نايف.
بعد صدور القرار الملكي بتعيينه أمس الأول، إثر مشاورات لهيئة البيعة التي تمارس دورها للمرة الأولى منذ تأسيسها في العام 2006، بات سبر شخصية الأمير نايف أكثر إلحاحاً لأنه أصبح بمثابة استشراف لنهج المملكة المستقبلي في التعامل مع مجموعة من التحديات التي تتربص بالسعودية والمنطقة بأكملها. الامير نايف في صورة تعود للعام 2008 خلال استعراض عسكري في مدينة مكة استعداداً لموسم الحج (أ ف ب)
يعزّز هذه الفرضيّة تقدّم الملك عبد الله في السن والمشاكل الصحيّة التي يعاني منها، كما ما أشيع عن دور مهم سيلعبه ولي العهد الجديد، البالغ من العمر 77 عاماً، في صياغة وتنفيذ سياسات المملكة الخارجية وأسواق النفط والإصلاحات الداخلية.
في الحقيقة، يصعب على أحد التشكيك في مقدرة وزير الداخلية المخضرم، الذي استطاع إدارة شؤون المملكة بشكل يومي وضرب بيد من حديد لحفظ أمنها، كما التقى بكبار الزعماء العرب والأجانب، وتولى رئاسة مجلس الوزراء عندما كان يصادف غياب الملك وولي عهده عن البلاد في الوقت نفسه. ولكن المشاهد التي تابعها السعوديون من جنازة الأمير سلطان تظهر الأمير نايف وقد بدا عليه التعب إثر مشاركته في حمل النعش، وهو ما يؤكده دبلوماسيون وخبراء في شؤون المملكة يقولون إن الأمير يواجه متاعب صحية ومثله شقيقه الأمير سلمان، الذي من المتوقع أن يليه في تسلسل الخلافة.
«شيخوخة» الأمير نايف البادية ألقت الضوء على ملف حساس رافق اختياره في هذه المرحلة، وهو احتكار الطاعنين في السن للسلطة في المملكة ومنع انتقال السلطة إلى الجيل الجديد، وهذه المسألة تفتح بدورها الباب واسعاً على كواليس الخلافة وآلياتها.
ولفهم موقع ولي العهد الجديد في هذه السلسلة الملكيّة المعقّدة لا بد من العودة قليلا إلى سيرته الذاتية.
عندما وُلد الأمير في العام 1933 في مدينة الطائف، كان قد مرّ على قيام المملكة السعودية عام واحد بعد أن وحّد والده الملك عبد العزيز بن سعود القبائل البدوية خلف رؤيته للدولة الإسلامية وغزا معظم شبه الجزيرة العربية.
ينتمي الأمير نايف إلى آخر جيل من السعوديين الذين عايشوا المملكة الصحراوية قبل أن تغيّر الثروة النفطية وجهها بالكامل، أما ميزته فهي أنه كان من الإخوة السبعة، أولاد زوجة الملك المفضّلة حصة بنت احمد السديري، الذين أُعِدوا منذ الصغر لتقلّد المناصب الرفيعة وكوّنوا كتلة للنفوذ خاصة بهم. ومن بين الأشقاء السبعة يُذكر الملك الراحل فهد والأمير سلطان وأمير الرياض سلمان والأمير احمد نائب الأمير نايف في وزارة الداخلية. ويكمل أميران الدائرة العائلية المحكمة في الوزارة هما مساعد وزير الداخلية المسؤول عن مكافحة الإرهاب الأمير محمد بن نايف والسفير السابق لدى اسبانيا الأمير سعود بن نايف.
عُيّن ولي العهد السعودي الجديد أميراً للرياض حين كان في العشرين من عمره وأثار الإعجاب آنذاك، فشغل منصب وزير الداخلية في العام 1975، وسريعا ما عُرف عنه قربه من رجال الدين الذين ساندوا الحكم السعودي وأداروا مدرسة القصر الملكي أثناء طفولته.
حدّد هذا الدور ملامح الأمير نايف من خلال توليه مسؤولية حماية المملكة من التهديدات الداخلية، خاصة تلك التي يمثلها الإسلاميون المتشددون. وعُرف عنه قوة الشخصية والحنكة السياسية والأمنية، وكان ولا يزال الملف الأمني السعودي من أهم الملفات التي اقترنت باسمه لعقود طويلة، تمتعت خلالها السعودية باستقرار أمني في وقت تموج فيه المنطقة بالعديد من القلاقل والاضطرابات الأمنية والسياسية.
وإذا لم يكن تعيين الأمير نايف أوحى أن لا خلاف يُذكر داخل العائلة المالكة، إلا انه أثار موجة من المخاوف داخل الأوساط الليبرالية. إذ يمثل الأمير نايف بالنسبة لليبراليين السعوديين وجهاً صارماً للمؤسسة المحافظة في المملكة، والتي تعارض أي خطوات متقدّمة نحو الديموقراطية أو حقوق المرأة. كما أن الامير يدعم بشكل حاسم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتولى وزارة اشتهرت بحملات سجن الناشطين السياسيين من دون توجيه اتهامات.
أما في الشؤون الإقليمية، فكان واضحاً أن الامير هو من يقف وراء قرار إرسال السعودية قوات إلى البحرين للتصدي للاحتجاجات الشعبيّة هناك، كما كان أول المرحبين باستقبال الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي في الرياض.
أما المخاوف الإقليمية لدى الامير فتنحصر في اتجاهين، الأول نفوذ ايران الشيعية التي اتهمتها المملكة بإثارة مشاكل طائفية في أنحاء الشرق الأوسط ويتجلى هذا الخوف في الحذر من الأقلية الشيعية في المملكة والتي تطالب بتحسين معاملتها وسط اتهامات بالتمييز، والثاني توسع تنظيم القاعدة في الدول المجاورة.
هذه الأمور أسهمت في ترسيخ الصورة السلبية للامير، يُضاف إليها موقفه المتشدّد بعد هجمات 11 أيلول حيث استبعد مشاركة اي مواطن سعودي فيها، ليتبين فيما بعد أن 15 من جملة 19 منفذا كانوا سعوديين.
وقد أعطت هذه الواقعة انطباعاً بأنه مناهض للغرب، لكن دبلوماسيين غربيين لم يخفوا إعجابهم بالطريقة التي أخمدت بها وزارته حملة تفجيرات قام بها تنظيم القاعدة داخل السعودية بعد ذلك ببضع سنوات. في وقت، اعتُبر تجاوز الغرب لتشدّد الأمير نايف واسترساله في مديح «الإصلاحي المتفاني والمحترم» القادم إلى السلطة، وهو ما وصف به الرئيس الاميركي باراك اوباما الامير عند توجيهه رسالة تهنئة للملك بتعيين ولي عهد جديد، بمثابة خطوة استباقية للحفاظ على العلاقات الجيّدة بين واشنطن وأكبر مستورد للسلاح في المنطقة.
هذه الصورة المرسومة للأمير نايف يبدّدها كذلك عدد من الدبلوماسيين السابقين والصحافيين المحليين وأعضاء آخرين من الأسرة الحاكمة سبق وتعاملوا شخصياً مع الأمير نايف، ويرسمون صورة أقل صرامة لرجل كان منخرطاً في قلب السياسة السعودية لأكثر من 30 عاماً. ويُصرّ هؤلاء على أن موقع الأمير نايف السابق كان يفرض عليه هذا النمط من السلوك.
ففي تقييم لدبلوماسي أميركي، كشفته وثيقة من موقع «ويكيليكس»، يستبعد وصف الامير نايف بالـ«المحافظ المتشدد غير المتحمس لمبادرات الملك عبد الله الإصلاحية»، ويفضّل وصفه بـ«البراغماتي المحافظ، المقتنع بأن الأمن والاستقرار أساسيان للحفاظ على حكم آل سعود وضمان الرخاء للمواطنين السعوديين». ويفسّر الدبلوماسي ما يقال عن معارضة الأمير للإصلاح بأنه «رغبة في الموازنة بين القوى الاجتماعية المتنافسة».
من جهته، يقول دبلوماسي سابق في الرياض كذلك «كان الأمير سلطان رجلاً لطيفاً لكن هذه ليست الصورة التي ارتبطت بنايف على مدى سنوات»، مستدركاً «لا أظن أنه تمتع بهذه الجاذبية الشعبية، لكن حين تكون وزيراً للداخلية فإنك لا تتمتع بشعبية».

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...